رمضان شهر الصفاء الروحى بلا منازع، فهو شهر الإيمان، وشهر البركات، وشهر الرحمات، وشهر النفحات، من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، فيه ليلة خير من ألف شهر هى ليلة القدر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن فطّر فيه صائمًا فله مثل أجره من غير أن يُنقَص من الصائم شيء، ومن أدى فيه نافلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.
وهو شهر البر والصلة، لا مجال فيه للخصام أو الشقاق أو الخلاف أو المشاحنة، يسارع الناس فيه إلى الخيرات بصفة عامة، وإلى صلة الرحم والصلح بين الناس بصفة خاصة، وفى الحديث القدسى : «أَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِى، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قطعته»، يقول نبينا: اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِى الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا».
وهو شهر الجود والسخاء، فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون فى رمضان، وهو القائل : «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»، ويقول الحق سبحانه وتعالى: «هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ».
وهو شهر القرآن، وشهر الذكر، وشهر الدعاء، وليس ذلك كله بالأمر اليسير، إنما هو أمر لو تعلمون عظيم، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وبالذكر تطمئن القلوب، يقول سبحانه: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، ومن رُزق الدعاء رُزق الإجابة، لأن الله عز وجل حييُّ كريم يستحى إذا رفع العبد يديه أن يردها صفراً خائبين، وهو القائل: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».
وهو شهر العمل والإنتاج، إذ لا ينبغى ولا يجوز أن تتعطل حركة الحياة فى هذا الشهر الكريم، بل ينبغى أن تكون إرادة الصوم حافزاً لمزيد من العمل، وأن تكون مراقبة الله فيه باعثًا لمزيد من المراقبة ومن صحوة الضمير الإنسانى الحى.
ولعل أهم ما نطمح إليه، ونرجو أن نصل إليه من خلال كل ما سبق هو الصفاء مع الله، ومع الناس، ومع النفس، ولن يكون ذلك إلا بالثقة الكاملة فى الله، وحسن اللجوء إليه والتوكل عليه.
والصفاء مع الناس إنما يكون بالبعد عن كل أسباب العداوة والشقاق، والفرقة والخلاف، والبغضاء والشحناء، والأحقاد السوداء، والقلوب المريضة، والغيبة والنمائم، والكيد والمكر، والعمل على تعطيل الآخرين، والانشغال عما يعنينا بما لا يعنينا.
والصفاء مع النفس يكون لصلحها مع ذاتها ومع الآخرين، والإيمان بأن ما قدر كان، وما كان للإنسان فهو آتيه لا محالة، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوا الإنسان بشىء لم ينفعوه إلاَ بشىء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشىء لم يضروه إلاَّ بشىء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأن يكون الإنسان فى توازن بين معاشه ومعاده، وبين أمر دينه وأمر دنياه، وأن يكف أذى لسانه ويده عن الناس، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.
وهو شهر الرحمة بلا منازع، رحمة الله عز وجل بعباده، ورحمة العباد بعضهم ببعض، فالراحمون يرحمهم الله، ومن لا يَرحم لا يُرحم، وهو ما يتطلب أن نعمل على أن تعم هذه الرحمة الإنسانية كلها : إنسانها وحيوانها وطائرها، لنؤكد للعالم كله أن ديننا دين رحمة وسلام لا عنف فيه ولا إرهاب، وأن نبينا محمداً- صلى الله عليه وسلم- هو نبى الرحمة، ورسالته هى رسالة الرحمة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة