إن الانتصارات التى حققها المسلمون على أعدائهم فى هذا الشهر الكريم، من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت إلى حرب العاشر من رمضان وغيرها من الملاحم الإيمانية التى كتب الله فيها النصر المؤزر لعباده المؤمنين نتيجة للأجواء الروحانية التى يصنعها رمضان بفيوضاته ورحماته وجوائزه ومآثره التى يغدقها المولى عز وجل فيه على عباده المؤمنين الصائمين، مما يهيئ لهم أسباب النصر لينتصروا، فإنها محصلة كذلك لكم الانتصارات التى يحدثها وينجزها العبد المؤمن على مستواه الفردى والجماعى فى شهر الصيام كما قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» ومدى نجاحه فى مجاهدته وجديته وإيجابيته للوصول إلى ذلك.
ويبدو أن الانتصارات بشتى أنواعها واختلاف مجالاتها فى شهر رمضان، مرتبطة ارتباطا وثيقا ببعضها البعض، فكلما ارتفع مؤشر هذه ارتفع منسوب تلك واقترب موعدها وتوفرت أسبابها، وكلما حدث فشل وتقصير فى هذه، أصبحت الأخرى بعيدة المنال وهكذا، وقد قيل: من لم ينتصر فى حى على الفلاح، لا ينتصر فى حى على الكفاح.
لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الانتصارات بمفهومها الشامل.
إن الانتصار الذى نريده قبل كل انتصار ولرمضان أثر كبير فى ترسيخه وتحقيقه هو تحرير إرادة الإنسان وانتصاره على نفسه، شهوات نفسه، وشيطانه، اللسان وآفاته... إلخ، والمسلم لا يستجيب لوسوسة الشيطان، فلا يتبع خطواته: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء» الانتصار الحقيقى وفقهه العميق الذى نعنيه أيضًا هو أن تتحرر المجتمعات من السلبية.
إن رمضان العظيم يربى هذه الأمة على أن تكون هى العزيزة، هى الضابطة لأخلاقها وسلوكها، هى الظاهرة على العالمين بما تملكه من عقيدة سليمة وعبادة صحيحة وشريعة غراء وتاريخ عريق وحضارة مشيدة، ويربى المسلمين على العزة والكرامة والحرية والاستقلال.
والمؤمن ينشط فى هذا الشهر أملاً فى رضا الله وجنته؛ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
إن انتصار الفرد على شهواته وإرهاق بدنه وتغليب الروح وأشواقها وضبط السلوك والخلق والكلام هو الركيزة الأولى للإصلاح والانتصار على المستويات الأخرى، وإلا لا يتصور أن تصح انتصارات لمستويات أعلى إذا فوتنا الأدنى.
فمثلا الانتصارات على مستوى الأسرة من سكينة واطمئنان وأمان يورثه الصيام الذى يؤثر إيجابيًا على النفس بالرقة والقلب بالتجلية والروح بالشفافية؛ فينعكس هذا كله أمانًا للأسرة، وبصلاح الأسر تصلح المجتمعات فتصير آمنة مطمئنة لا جريمة فيها ولا اضطراب ولا حرابة ولا اعتداء على الممتلكات ولا الحرمات الخاصة أو العامة.
لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الانتصارات بمفهومها الشامل، وسأذكر عددا من الانتصارات التى يجب على المؤمن الصائم أن يحققها وينجح فى امتحانها، ليتاكد ويطمئن أنه فعلا استطاع أن يستثمر أجواء الانتصارات الإيمانية الرمضانية وخرج منها بحظ وافر، كالانتصار على الرياء، والانتصار على الشيطان، والانتصار على الشهوات، والانتصار على الشح والبخل، والانتصار على اللسان وآفاته، والانتصار على السلبية واللامبالاة، والانتصار على أمراض القلوب، والانتصار على اليأس والإحباط، والانتصار على سوء الخلق، والانتصار على التآكل والهزال الروحى.
وينبغى على العبد المؤمن الصائم أن يحقق هذه الانتصارات، وأن تكون برنامجه العملى فى رمضان، حتى يحكم له بأنه قد كتب فى عداد الفائزين والناجحين والحاصلين على الجوائز، وأنه قد قدم الدلائل العملية البينة والقوية للقبول فى مدرسة الثلاثين يوما،ووضع لبنة صالحة لتقريب موعد النصر، وبألا يكون حجر عثر فى طريق تحقيق ذلك بتكاسله وهزائمه المتكررة أمام شيطانه وشهواته ونفسه وهواه ولسانه.
جعلنا الله وإياكم من المنتصرين ومن المقبولين.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الانتصار
الانتصار عندنا 370 يوم في السنه