نويت فى هذه الدورة الرمضانية أن أفهم شهر رمضان الفهم الصحيح، وأن أصحح مفهوما خاطئا يزعم أن شهر رمضان شهر الكسل والخمول فى حين أنه شهر العمل بل والإنجاز.
فرب العزة سبحانه وتعالى لم يشرع شهر رمضان للقعود والتخلف عن ركب التقدم، ولم يشرعه كذلك للهروب من الالتزامات الوظيفية والاجتماعية، بحجة الصيام بل هو شهر نشاط وحركة، وجد واجتهاد ولعل الفتوحات والانتصارات التى حدثت فى هذا الشهر الكريم والتى يزخر بها التاريخ الإسلامى خير شاهد ودليل، ففى رمضان يتعانق صفاء الروح مع قوة الإيمان، وفى رمضان تحلق النفس البشرية المتحلية بالإخلاص والتقوى فى آفاق الإيمان والقرب من الرحمن، فتكون المحصلة ارتفاع الروح المعنوية التى تدفع النفس دفعا إلى العمل بلا كلل.
ولهذا ربط النبى صلى الله عليه وسلم بين الصوم والعمل، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىُّ قَالَ: حَدَّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ».
ورفض صلى الله عليه وسلم جعل الصوم تكأة وحجة لترك العمل، والتعلل به وجعله سبيلا إلى العنت والمشقة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ، عَامَ الْفَتْحِ، فِى رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ، وَصَامَ بَعْضٌ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ.
فينبغى لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته وأيضا ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم، فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة فى جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه لنكون من الفائزين، (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
وعلى كل منا أن يحافظ على أوقات حياته القصيرة المحدودة، فيما ينفعه من عبادة خالقه ورازقه، وأن يصونها عما يضره فى دينه ودنياه وآخرته، وخصوصًا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة التى لا تعوض ولا تقدر بثمن، فهى شاهدة للطائعين بطاعاتهم وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.
لذا أناشد إخوانى وأخواتى: لماذا لا ندرب- فى دورتنا الرمضانية- أبناءنا الصائمين على العمل؟
ولا أقصد بالعمل هنا سوى التطوعى، الذى يكافئ عليه المولى عز وجل، لماذا لا نجعلهم يتفقدون المجتمع الذى يعيشون فيه ويقومون بدور إيجابى فى تنميته بأن يرصدوا السلبيات ويدونوها، بل ويقترحون لها حلولا ويقدمونها للمسؤولين كنوع من المساهمة فى تطوير ولو بقدر بسيط، أو المشاركة فى أعمال النظافة للشوارع والمرافق العامة، والتخفيف عن الناس من تفريج الكربات، والصلح بين المتخاصمين وإزالة أسباب الجفاء، وإغاثة الملهوف والمنكوب، وقضاء حوائج الناس، ورعاية المسنين، ورعاية المرضى وزيارتهم، وتوزيع الوجبات على الفقراء والمساكين وغير ذلك من الأعمال التى تنمى روح المشاركة والعطاء والإيثار عندهم وفى الوقت ذاته تدربهم على العمل فى شهر العمل.
نسأل الله تعالى أن يجعل من شهر رمضان شهر عمل وطاعة، وخير وبركة وعزة وكرامة، وأن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا، وأن يجعل كل ذلك إيمانًا واحتسابًا، إنه على كل شىء قدير، والحمد لله رب العالمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة