جنوب سيناء المسيرة لم تنته.. الحلقة الثالثة.. الدليل البدوى الحائر.. مهنة البدو تائهة بين الأجيال.. أطفال يحلمون بالفرار منها والشباب حائرون.. والكبار يتمسكون بعملهم المقدس: لن نترك ميراث أجدادنا فى مهب الريح

الثلاثاء، 30 مايو 2017 11:00 ص
جنوب سيناء المسيرة لم تنته.. الحلقة الثالثة.. الدليل البدوى الحائر.. مهنة البدو تائهة بين الأجيال.. أطفال يحلمون بالفرار منها والشباب حائرون.. والكبار يتمسكون بعملهم المقدس: لن نترك ميراث أجدادنا فى مهب الريح جنوب سيناء المسيرة لم تنته
سانت كاترين - محمد حسين - محمد سالمان - تصوير - حسن محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إذا سبق لك زيارة صحارى شبه جزيرة سيناء وصعود قمم جبالها، ستعلم جيدًا مدى أهمية «الدليل البدوى» كصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى رحلتك، والمسؤول عن أمن وسلامة أفراد كل المجموعة مهما اختلفت انتماءاتهم العرقية والجغرافية والدينية والسياسية.. لكن نادرًا ما يسأل البعض عن أحوال ذلك الشخص مالك الحلول السحرية لأزمات الطريق والعارف بذكاء شديد دروبها المجهولة.. ما طموحاته؟ وما الطريق الذى يحلم بالمشى فيه بعيدًا عن هذه المسارات المعتادة؟ وهل يُصيبه الملل من طول المسيرة وتكرارها؟.. هل تخيلت فى مرة أن هؤلاء الأدلة قد يتوهون فى حياتهم؟!

فى السنوات السبع الأخيرة تغيرت مفاهيم كثيرة فى مصر عمومًا ومحافظة جنوب سيناء تحديدًا والتى تمتلك من المقومات السياحية ما جعلها تتربع على عرش المقاصد على مستوى العالم، لكن مع غياب السائحين تغيرت مفاهيم كثيرة منها حياة «الدليل البدوى» الذى فقد مصدر رزقه بصورة كبيرة، ونظرًا لطول الفترة بدأت نظرة الأجيال الصغيرة نفسها تتبدل حول أهمية تلك المهنة المتوارثة عبر الأجيال، والجدوى وراء امتهانها وحصر مصائرهم فى طرقها والبحث عن البدائل إلا أن تطلع الصغار الذين يتكبدون المشقة والتعب فى البداية يقابله ثبات من الكبار الملتزمين كليًا بالمواثيق والعهود غير المكتوبة بينهم بل يسعون إلى تطوير تلك المهنة.

ولفهم حياة الدليل البدوى سواء معاناته أو آماله وطموحاته يُمكنك اتخاذ قبيلة الجبالية فى سانت كاترين كنموذج حى نظرًا لأنهم يطبقون حرفيًا القاعدة البدوية المتوارثة بأن الدليل فى نطاق تواجدهم ملكًا خاصًا لهم، ومصدر الرزق الرئيسى الذى يوزع على الجميع بالتساوى فلا يحق لأى مجموعة سياحية اختيار الدليل بل الاستعانة بمن يحين دوره أو إعطائه أموالًا مقابل تنازله عنه، وتتنوع الرحلات فى هذا المكان بين الصعود لجبل موسى أو قضاء رحلة سفارى بين الوديان.

ولا بد من الإشارة إلى أن رحلة الصعود للجبل أو السفارى لابد أن تحدث بعلم أجهزة الأمن التى تطمئن على مرافقة دليل بدوى للمجموعة وتحصل على بياناته بشكل متكامل منعًا لحدوث أى أزمات، خاصة أن ذلك النظام تم العمل به منذ سنوات بعدما توفى سائح روسى فى الجبل، وظل البحث عنه مستمرًا لمدة أسبوع بالطيران.

جنوب سيناء المسيرة لم تنته (3)

بعد الانتهاء من عملية تسجيل البيانات ينتظر الأدلة المجموعات الصاعدة إلى جبل موسى على المدخل المؤدى لدير سانت كاترين، وتتراوح أتعابه ما بين 170 إلى 200 جنيه فى الرحلة الواحدة، وإذا كان سيقود الرحلة مشيًا على الأقدام وفى حالة امتطاء ظهر الجمال يُضاف إليها أجرة الجمل وهى 250 جنيهًا ثم يبدأ الرحلة بإلقاء التعليمات مع التأكيد على ضرورة الانصياع للأوامر.

نظرة للمستقبل

تبدأ رحلة الدليل مع المجموعة لكن عقله قد يكون فى واد آخر غير الوادى السائر عبره، وهذا ما كشف عنه عدد من الحوارات مع الأطفال الموجودين أمام محيط دير سانت كاترين والمنتشرون فى أرجاء تلك الرقعة برفقة آبائهم وأشقائهم الكبار بحثًا عن لقمة العيش، منهم من يقف لبيع الأعشاب وآخرون يحملون صناديق للأحجار الملونة يبيعونها للسائحين وزوار الدير مقابل «دولار واحد».. أحد هؤلاء الأطفال يدعى «باسم موسى»، طالب فى الصف الثانى الإعدادى، رغم أنه لم يتبق على موعد امتحانات نهاية العام سوى أسبوع واحد إلا أنه جاء للعمل مع أفراد أسرته فى هذا المكان، وحول فكرة عمله كدليل فى المستقبل يقول «أتمنى استكمال مسيرتى التعليمية، فالوضع هنا غير مريح بالنسبة لىّ.. أنا صعدت لجبل موسى لعدد مرات لا أتذكره، ولو أعطونى أموالًا حتى أصعده حاليًا لن أفعل، أحلم بالدراسة فى كلية التجارة جامعة القاهرة، والبحث عن وظيفة، وإذا لم أنجح فالجبل موجود، ولن يذهب لأى مكان آخر».ويضيف باسم: «ابن عمى الجالس بجوارى لديه نفس رأيى نريد استكمال تعليمنا والابتعاد عن تلك الحياة الشاقة، وأذهب للمدرسة قدر المستطاع نظرًا لابتعادها عن منزلى بمسافة 2 كيلو متر، ورغم هذا أنا قادر على الصعود للجبل بمفردى».

جنوب سيناء المسيرة لم تنته (2)

حيرة الدليل

سوداوية هى نظرة الطفل السيناوى لمستقبل مهنة الدليل والعمل وسط الصحارى والجبال، السبب أنه لم يخض تجارب البحث عن الطعام والمياه لمجموعة مسؤول عنها أو نقل الأشياء ثقيلة عبر أرض وعرة ووديان ليس لها أول من آخر، ولم يحفظ القصص والأساطير عن الأماكن المختلفة فى الطبيعة الساحرة المحيطة بها، وغير الممكن تقديرها بقيمة مادية محددة.

الانتقال إلى نموذج جديد أكبر فى السن أمر حتمى للتعرف على رؤية الأجيال الشابة لمهنة الدليل ومستقبله لاسيما أنهم عملوا فيها فى أسوأ حالتها على الإطلاق ولم يتذوقوا خيرها، وأموالها الوفيرة، ومن هؤلاء عبدالله عيد شاب عشرينى، فضل ترك مهنة الدليل فى السنوات الأخيرة بسبب حالة الركود السياحى، والعمل فى مجال البناء والعمارة حتى يتسنى له العثور على مصدر رزق ثابت.

ويقول ابن قبيلة الجبالية: «بدأت العمل كدليل منذ استخراج بطاقتى الشخصية وفقًا للقواعد الموضوعة من قبل شرطة السياحة لكنى تركت العمل فى الجبل منذ فترة لعدة أسباب على رأسها ضعف إقبال السائحين وصعوبة العمل فى الجبل ليلًا والسهر وتحمل المسؤولية مجموعة من الأفراد بشكل كامل مما يؤثر على نفسيتى بشكل كبير ويصيبنى بالإرهاق بدون الحصول على المقابل المادى الكافى».

مشقة الطريق

قرار الشاب السيناوى بالابتعاد عن مهنة الدليل وصعود الجبال والقيام بالسفارى قد يكون متسرعًا من وجهة نظر أجيال متقدمة فى العمر نسبيًا، وأحدهم يدعى صالح ذو الـ 44 عامًا الذى كان يقف لبيع الأحجار وأكياس الحبق السيناوى أمام دير سانت كاترين، وأوضح أنه كان يعمل دليلاً فى فترة شبابه سواء صعود الجبال أو القيام بالسفارى وامتلك أيضا جمل لتأجيره فى الرحلات المختلفة مما جعله يُجيد الإنجليزية والفرنسية بصورة كبيرة لكنه ترك تلك المهنة بعدما أصابه الإرهاق.

ويقول الرجل الأربعينى: «أؤمن أن مهنة الدليل ستستمر لعقود وعقود حتى وإن فر منها الشباب فى الوقت الحالى، لكن لابد أن يعودوا إليها مرة أخرى، خاصة أن بعضهم مازال غير مدرك لأهمية المكان، كما أنهم كبروا فى ظروف صعبة إلى حد ما، وبالتالى لم ينهلوا من خير هذا العمل، أنا على سبيل المثال تركتها نظرًا لتقدمى فى السن لكنى إذا أردت صعود الجبل سأفعل لأنى مرتبط به لأقصى حد، فهو سبب بقاؤنا هنا ومصدر رزقنا»، مضيفًا: «بالنسبة لأبنائى يعملون فى الجبل والكبير منهم يعمل على الجمل ويقوم برحلات به، ورغم هذا أتمنى وصولهم إلى أعلى المراتب فى التعليم والحصول على فرص عمل أفضل».

جنوب سيناء المسيرة لم تنته (4)

ثبات الكبار

حديث الرجل الأربعينى حول أهمية التمسك بالمهنة وأصولها رغم الصعوبات يزداد كلما يتقدم الدليل فى العمر، ووفقًا لما أكده الشيخ موسى الجبالى أحد رموز قبيلة الجبالية، أن من يشكون من مهنة الدليل وصعوباتها لا يزالون صغارًا لا يدركون أهميتها خاصة أنها فى ازدهار مجال السياحة كانت تدر دخلًا واسعًا على كل من يعمل فيها.

وحول الأسباب وراء ثقته الشديدة فى رسوخ مهنة الدليل كالجبال يقول الشيخ موسى: «لك مثلًا أن تتعرف على نظام توزيع الأدوار فى قبيلة الجبالية لتعلم أننا نعتبر ذلك العمل مقدسًا كقداسة المكان، ونتوارث هذا الميثاق جيل تلو الآخر، ويتمثل فى أن القبيلة تنقسم لأربعة فروع هى أولاد سليم وأولاد جندى والوهيبات والحمايدة تشعبت لـ 28 عائلة تضم قرابة 6 آلاف شخص».

ويُضيف أحد رموز قبيلة الجبالية: «يتم الترتيب لمرافقة المجموعات السياحية بالدور وبنظام متكامل وإذا كان أحد لا يريد دوره يتركه لمن وراءه وهكذا تسير طبيعة العمل بكل توافق وبدون أى خلافات بيننا واحترام تام للدور».

جنوب سيناء المسيرة لم تنته (5)

مركز إعداد وتأهيل الدليل

وكشف الشيخ موسى أن إيمانه بأهمية مهنة الدليل دفعه لإقامة مركز تأهيل وإعداد لهم منذ عام 2007 خاصة بعدما وقعت حادثة شهيرة لإصابة واحد من رؤساء أكبر شركات السياحة فى العالم بكسر أثناء رحلة سفارى، مما دفعه للتفكير فى تأهيل الشباب العاملين معه فى التعامل مع مثل هذه الظروف الصعبة، ومواجهتها بمنتهى الهدوء لأن مصدر رزقهم يجب تطويره بشكل علمى ليصبح قادرًا على مواكبة الزمن لذا أنشأ المركز وتقدم الدورات فيها بالمجان لإقامة عملية التنمية المستدامة.

ويضيف الشيخ موسى: «الكورس العملى الذى يتم تدريسه للدليل، يدور حول تعليم اللغة الإنجليزية والألمانية والإسعافات الأولية والتأهيل النفسى لمواجهة كل أزمات الطريق والتعامل معها بهدوء، وأيضًا إرساء لقيمة حسن ضيافة السائح، ومعاملته كضيف حتى يحب مصر وأهلها، ويرغب فى زيارتها كلما سنحت له الفرصة، وليس محفظة نقود متنقلة أو زبون جاء ليدفع مقابل خدمة محددة ثم ينصرف ويعود إلى وطنه بدون أن تربطه أى علاقة بهذا المكان».

وأشار الشيخ موسى إلى أنه فى الدورات التدريبية المقدمة بالمركز يستعين بالكوادر العلمية مثلا كانت هناك قافلة طبية من الأطباء العرب جاءت إلى سانت كاترين، وقامت بإلقاء دورات تدريبية حول الإسعافات الأولية للشباب، ومنحهم شهادات أنهم اجتازوا الاختبارات، وباتوا مؤهلين للتعامل مع كل الأحداث، لاسيما أن الخطأ فى تلك الجزئية يؤدى إلى كارثة تُهدد حياة السائح.

جنوب سيناء المسيرة لم تنته (1)

مطلب من وزارة السياحة

وأشار الشيخ البدوى إلى أن الفترة من عام 1990 حتى 2000 تعتبر من أبرز سنوات ازدهار السياحة ثم تراجعت تدريجيًا وأصبحت الآن فى وضع صعب، خاصة أن المعتاد أن مَن يحضرون للسياحة هنا بكثرة هم اليونانيون والإيطاليون بهدف المشى وتسلق الجبال أو زيارة الأماكن المقدسة.

ويوضح الشيخ موسى أن ثمة مطلب مهم لوزارة السياحة يجب وضعه فى الحسبان، وهو اعتمادها لسياحة المشى ضمن تصنيف السياحة بمنطقة جنوب سيناء خاصة أنها مازالت مصنفة كمكان للسياحة البحرية، بينما الدولة الوحيدة المصنفة فى سياحة المشى هى جنوب أفريقيا فقط، مؤكدًا أن سياحة المشى هى الأبرز فى المحافظة وعليها تقوم أرزاق الأدلة البدو فى السهول والوديان ومن يرافقون السائحين ويجب أن تعى الوزارة هذه الجزئية المهمة، وتتنبه لها جيدًا والقيام بالعمل على وضع حلول لها من اللحظة الحالية.

حالة من الاختلاف فى الآراء بين الأجيال المختلفة قد تستنبطها مما سبق، وهو ما أشار له سليمان الجبالى، مرشد سياحى وأحد أهالى قبيلة الجبالية البارزين، قائلًا: «تعتبر منطقة كاترين هى أول المناطق التى عرفت السياحة فى سيناء على مدى التاريخ حتى ما قبل التنظيم السياحى فإن كان الأجانب يأتون إلى هنا يزورون الأماكن المقدسة ويمتطون الجمال لذا كان البدو يرافقونهم للحفاظ على حياتهم وتذليل العقبات أمامهم من توفير مصادر للأكل والشرب، ومن هنا جاء عرف تنظيم الأدوار بين الأدلة».

ويضيف سليمان الجبالى: «عندما بدأت عملية تنظيم السياحة وجد أغلب شباب البدو آنذاك أنفسهم يعملون كأدلة دون البحث عن أى فرص عمل أخرى، واستمر الحال هكذا جيل تلو الآخر»، مضيفًا: «تعد الفترة من عام 2011 حتى الآن من أطول فترات الركود السياحى مما أصاب الشباب بالإرهاق والتعب من هذا العمل خاصة أن المقابل المادى بات قليلًا للغاية فى ظل سياسة الدور، إضافة إلى أن الشباب لم يفكر من قبل فى البحث عن فرصة عمل أخرى لتأمين مصدر دخل يمكنهم من تجهيز أنفسهم للزاوج وتحمل مسؤولية بيت وأسرة».

وتابع المرشد السياحى: «بالنسبة لجزئية الكبار بالمهنة ومحاولة الحفاظ عليها، شىء طبيعى لأنهم تربوا وعاشوا عمرهم فيها، ويعتبرونها مقدسة والحفاظ عليها واجب لكن الشباب الراغب فى التمتع بحياته بدأ يمل من طول مدة الركود السياحى، لذا يحاول بعضهم إيجاد فرص عمل، وأعتقد أن استمرار الحال على ما هو عليه سيؤدى لنفور الشباب من ذلك العمل لاسيما أن المكان الذى يعيش فيه القبائل الممتهن للدليل يكون فى طبيعة جافة وليس بها بحر أو مكان صناعى مما يجعل فرص العمل المتاحة أكبر».










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة