"الفقر وضيق الحال وكلام الستات".. يسيطر على مناطق كثيرة فى القاهرة وخصوصا الأحياء الشعبية، فتأخر سن الزواج يقهر مئات الفتيات ويجعلهن حديث الجميع بين ندب حظهن التعيس واتهامهن فى سمعتهن، أو السخرية مما آل إليه حالهن ليصبحن وسيلة للربح للدلالات والسمسارات والشيوخ والقساوسة ليقع كثير منهن ضحية للجهل والدجل.
الفتيات الذى لم يحصلن على "صك" المتزوجات لسنوات طويلة لقبهن الوسط الذى يعشون به بـ"العوانس"، وتاجرن بآمالهن واعتبرهن سلعة تباع وتشترى فى سوق مقابل عمولة يحصلن عليها ومزاد يقام عليهم بين زواج عرفى ومسيار ومتعة وتمليك لعرب وأحيانا صاحبات الحظ الأسوأ فيهن يقعن ضحايا لتقديم أجسادهن كهبة مقابل الحصول على المتعة.
ومن داخل محكمة الأسرة بزنانيرى تم رصد عدد 2460 دعوى بعام 2016 لزوجات وقعن فى قبضة السمسارات وزيجات مشبوهة انتهت بالنصب عليهن.
كما ذكرت 760 سيدة منهن فى دعاوى الطلاق والنفقة والمطالبة بالقائمة والمؤخر اكتشاف زيجات أزواجهن بتلك الطريقة عدة مرات وتحريرهن بلاغات ضدهم. وخلال الشهور الأولى بـ2017 تقدمت 230 سيدة تطالب بإثبات زواج مسيار ومتعة ونسب أطفالهن بعد هروب أزواجهن. كما ذكرت إحصائية مركز التعبئة والإحصاء إلى وجود 11 مليون فتاة فوق سن 35 دون زواج.
فردوس صفوت محمد بنت السيدة زينب ظلت دون زواج حتى بلغت من العمر37 عام كانت تستمع لاتهامات عائلتها وجيرانها بإنها "عانس" وأرجعوا السبب لـ"خروجها ودخولها" الكثير بحكم عملها كممرضة بإحدى المستشفيات الخاصة بالجيزة صبرت وحاولت أن تستوعب الكلمات الجارحة والخادشة لحيائها ممن حولها وعروض الزواج الغريبة من السمسارات كلما يزداد عمرها من عرفى ومسيار ومتعة وعلاقات خارج إطار الشرع من بعض الأطباء معدومى الضمير حتى فاض بها الكيل.
فردوس فتاة ساقها حظها السيئ للوقوع فى قبضة "أم محمود" المسنة وصاحبة 53 عاما (سمسارة العوانس)، على حد وصف ضحاياها، لتقدم لأسرتها عرضا مقابل توفير عريس لها وفق عمولة 500 مقدما و500 بعد إتمام الزيجة، "حلاوة الزواج" بعد أن اقنعتهم بتمليكها لرجل يبحث عن إنجاب الاولاد على ذمته زوجتين بعد أن احتالت عليهم بقال الله والرسول وإمكانية الدفع الفورى لهم مقابل أن يظفر بجسد تلك الفتاة التى لا حول لها ولا قوة.
تحكى الزوجة فى دعوى إثبات زواجها ونسب طفلتها: كنت بلا حيلة ولا قوة أهلى يتدبرن حياتى وفق ما يشاءون وفق عبارة السكوت علامة الرضا، فى حين أنه كان يدل على قهرى ويعبر على أننى مغلوبة على أمرى حتى أوقعونى فى الزواج من" سيد" فسوقت للزواج منه كالماشية بتمليكه له ووعد أنه إذا أنجبت سيكافئنى بالزواج أو سيلقينى فى الشارع بعد أن أخذ أهلى الثمن.
انتهت حياة فردوس بكارثة إنجابها طفلة وإلقائها فى الشارع دون وثيقة أو أثبات على زواجها ومازالت تعانى أمام محكمة الأسرة بزنانيرى فى دعواتها رقم4533 لسنة2017.
من فردوس للفتاة صاحبة 40 عاما سهيلة مروان نفس المعاناة والرغبة فى اللحاق بقطار الزواج مع اختلاف قليل فى التفاصيل كونهم من شارع واحد بالسيدة زينب، ولكنها وقعت فى الزواج من "مُسن شاذ" يريدها أن تؤدى فروض السمع والطاعة.
سهيلة التى تعمل موظفة بإحدى الهيئات الإدارية التعليمية عندما اعترضت بعد شهرين من الزواج على تصرفاته التى وصلت لرغبته بممارستها أفعال غير أخلاقية خارج إطار الشرع والقانون كاد أن يتسبب فى هتك عرضها.
تحكى الزوجة فى دعوى الطلاق للضرر أمام محكمة الأسرة بزنانيرى رقم6632 لسنة2017: انا ضحية" الست سلوى " مسئولة تسكين الطالبات وتسهيل الزواج العرفى والعلاقات المشبوه وتقديمها عرض لا يرفض بعد أن أتى زوجى شبكة بمبلغ تعدى 33 ألف وكان فى منطقة سكننا أعلى عرض جاء لـ"عانس"، وأخذت السمسارة مبلغ 2000 جنيه من العريس ومثلهم من أهلى.
اكملت ضحية الجهل: أخذت صك المتزوجات الذى يريحك من إلسنة الناس الحادة وتدخلهم فى حياتك والتحكمات المستفزة كان وبال على جعلنى أتعرض للجلد والضرب المبرح وإصابتى بحالة نفسية سيئة ما زالت أدفع ضريبته حتى الآن.
الأرقام وحدها خير دليل على قسوة المجتمع الذى يدفع الأهل بتقديم تنازلات غير إنسانية فى حقوق الفتيات خوفا من وصمهم بالعار فى يوما ما فتكون النتيجة عكسية وتصبح الزيجة "جنازة" والضحية مستقبل ابنتهم، وهنا تأتى خلود عبد الرحيم التى لم يتخط سنها بعد الـ35 عاما ومجتهدة ولكن بسبب عائلتها دفعت إلى التخلى عن أحلامها فى الوقوع فى الحب وأن تظفر بفارس الأحلام.
خلود كانت جادة فى حياتها وكلها إشراق وحياة ولكنها تعرضت لنكسة عنصرية حين صنفت دائما بمسمى "العانس"، الذى جعلها كأنها تعانى من وباء يتحسس كل من حولها منها خوفا مرة من الحسد ومرة أخرى من خطفها زوج إحدى صديقاتها لتعيش منغلقة على نفسها.
قصت خلود التى تحولت من حاصلة على الماجستير إلى ضحية تخضع للعلاج النفسى قائلة: أصبحت عاطلة عن العمل وضاعت أحلامى فى الحصول على الدكتوراة بزواجى من مالك الخليجى الذى جاء لى من خلال جارتنا التى تاجرت فى حياتى وأوهمت أهلى بأننى سأعيش فى قصر حتى تتحصل على 500 جنيه منهم ومكافأة قيمة من زوجى.
وأكملت: عشت عامين معه وكأنى عاهرة بمقابل مادى، سجينة ومعزولة عن أهلى فى منزل اتضح أنه إيجار وأن العقد الذى كتبه لى "مضروب"، بعد أن أنجبت وبلغ طفلى مازن 6 شهور هرب بصحبته ومنذ ذلك الوقت وأنا بين سفارة بلده ومحكمة الأسرة، وأنا أعانى من حالة نفسية وأخضع للعلاج وأقارب على الجنون من أجل الحصول على نظرة أو سماع صوت طفلى الذى حرمت منه للأبد ولا أعرف له طريقا.
فدوى جمال عرضت فى سوق الزواج وهى بسن الـ18 عاما شأنها شأن الفتيات جميعا فى المناطق الشعبية ليصنف رفضها على حسب قول الفتاة التى التقى بها الـ"اليوم السابع"، بين (تناكة ووقوعها فى الخطأ أو ملهاش فى الرجالة)، وينتهى بها الحال عندما وصلت السن الخطر-على حد قول عائلتها- وبلغت الـ37 عاما.
فدوى تم التنظير عليها بانعدام التبويض لديها وأوهمت بضرورة الزواج وإلا ستنتهى حياتها ولن تصبح أمًا وتزوجت من جاهل وهى خريجة الجامعة والموظفة بقطاع حيوى بإحدى الجهات القضائية.
أم فاطمة السمسارة قدمت عرضا عرفيا حتى لا تعلم الزوجة الأولى للشابة الجميلة تعيسة الحظ وبموافقة الأهل تم الزواج ليسافر الزوج ويأتى كل6 شهور زيارة يومين أو ثلاثة. وقصت الفتاة حكايتها قائلة: كنت محرومة من الحياة تحت مسمى حفظ غياب الزوج الذى يعربد ويخون ويعيش باستقرار مع أسرة وأولاد، وانتهى حلم الأمومة بعد اشتراطه بعد مكوثنا بمنزل واحد بعد رفضه وتهديده بتطليقى.
وتابعت: حملت بالخطأ وعندما أخبرته بضرورة توثيق الزواج جاء إجازة مخصوصة وضربنى على ظهرى وبطنى وتركنى غريقة فى دمائى وهرب ولكن الله رغم فعلته لم ينزل الحمل واكتمل، وأنجبت ومنذ ذلك الوقت وأنا أقف بصورة يومية بحثا عن حقى فى توثيق الزواج وإصدار شهادة ميلاد لطفلى.
بعد توثيق الـ"اليوم السابع"، لعديد من الحكايات كان لابد للتوجه والحديث مع إحدى السمسارات وتدعى أم زينب سمسارة منطقة المنيرة والقاطنة على سطوح أحد العقارات المواجهة لمستشفى أبو الريش للأطفال، فعرضت علينا خدمتها قائلة: "عايزة شقة ولا أوضة مع طلبة".
وعند توجيه طلبنا بالرغبة فى عريس بدأت فى توجيه أسئلة للتأكد من غرض الزواج الجاد واختبار النظرات الفاحصة وبعدها قامت بعرض مجموعة من الزيجات والعرسان، ولكن مع حفظ العمولة "حاجة مقدم وبعد إتمام الزواج".
واستطردت أم زينب تعدد نجاحاتها فى إيقاع الأزواج وتستير البنات وقالت: "الرك على البنت لو شاطرة تخلى مائة جدع يوقع فيها وميسبهاش أبدا ولكن البنات الخايبة هى اللى بتبوظ الشغل لينا".
وردا على سؤالنا: "لو مفيش فلوس والبنت مغتربة وأهلها غلابة"، اقترحت قائلة: "فى مطلقين ورجالة عايزة تعدد وفى اللى بيطلب بنات للمتعة ومش هاخد فلوس منك والدفع على العريس"، وأكدت قائلة: "بس متقوليش عقد هنخليها حبى بينا".
لا للزواج المشوه من أجل التخلص من لقب "عانس"
فيما ردت الناشطة الحقوقية بسنت هشام: يجب تغيير النظرة السلبية الموجهة إلى كل عانس وكف أيديهم عن الفتاة التى تأخر زواجها، والتى تجعلها أمام أمرين إما الزواج بأى شخص للتخلص من هذا اللقب أو الثبات على موقفها فى انتظار الشخص المناسب وتحمل لوم المجتمع حتى لا تعود إلى أهلها مرة أخرى وهى تحمل لقب مطلقة.
وأكملت: للأسف غير المتزوجات اللاتى يواجهن نظرة ساخرة من المجتمع تسبب لها حرجاً شديداً والسبب الأساسى لتلك النظرة يرجع إلى حصر دور المرأة فى الإنجاب، لدرجة تدفعهن إلى العزلة أو تجنب الحياة الاجتماعية التى تضغط عليهم من أجل القبول بزيجات غير مناسبة لا يرغبن فيها من أجل التخلص من لقب عانس، وضغط الآباء والأمهات المستمر على الفتاة لكى تتزوج من شخص لا تريده لا يؤدى إلا لزيجات فاشلة تنتهى بالطلاق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة