جمال أسعد

دلالات زيارة بابا الفاتيكان

الثلاثاء، 02 مايو 2017 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيرًا ما نصف أشياء كثيرة بأنها تاريخية، ويمكن أن يكون هذا الوصف قد يحمل كثيرًا من المجاملة أو المبالغة. ولكن لا شك فهناك أشياء ووقائع وأحداث هى تاريخية بحق لما تحمل من آثار ومتغيرات فى عديد من المجالات والأفكار والسلوكيات لزمن مستقبلى، وزيارة بابا الفاتيكان لمصر يوم 28 ,29 إبريل الماضى كانت بحق زيارة تاريخية ولها دلالات كثيرة وآثار عديدة يجب رصدها وتحليلها والاستفادة منها.
 
فتاريخية هذه الزيارة قد تمثلت فى عدة أشياء أولًا: أن البابا فرنسيس هو البابا رقم 266 الجالس على كرسى بطرس الرسولى أحد تلاميذ السيد المسيح وهو شخص عالم ثالثى من الأرجنيتن، حيث إنه أول بابا من خارج أوروبا منذ 741 عامًا وقد كان رئيسًا لأساقفة الأرجنتين ولأنه ابن من دول أمريكا اللاتينية فقد تأثر بالمعطيات الجغرافية والسياسية والاجتماعية بل والدينية لتلك القارة ولهذا الوطن، يضاف إلى ذلك فهو ابن الرهبنة اليسوعية التى تهتم بالتعليم والخدمة الاجتماعية.
 
من المعروف أن أمريكا اللاتينية ولظروف سياسية عانى منها البشر فقد ابتدعت ما يسمى بلاهوت التحرير، وهو مزج وتضافر طبيعى بين القيم المسيحية التى تدعو إلى الحب وعمل الخير ومساعدة الفقراء وبين المبادئ والرؤى السياسية فى إطارها الاشتراكى التى تدعو إلى تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية، ولذلك رأينا شخصًا محبًا متواضعًا يترافع عن كثير من المظاهر الاجتماعية حتى المظاهر البروتوكولية البابوية، وقد ظهر معدن هذه الشخصية فى دوره المؤثر فى إعادة العلاقة بين أمريكا وكوبا، وذلك من منطلق موقعه الدينى والسياسى، والسياسى هنا لا يعنى ممارسة اللعبة السياسية المعروفة ولكن بمعناها القيمى والأخلاقى فى الدعوة للمحبة ولنشوء السلام.
 
ثانيًا: كانت الزيارة فى ظل ظروف تجتاح العالم جراء تلك الهجمة الإرهابية المتمسحة بالدين الإسلامى وهو منها براء، فلم تقتصر الممارسات الإرهابية على مصر والمنطقة العربية والإسلامية ولكنها وصلت إلى العالم كله بلا استثناء.
 
ثالثًا: هناك مواجهة محتدمة وغير عادية تتم فى مواجهة الإرهاب على الأرض المصرية لما لمصر من أهمية إقليمية وعالمية. 
 
رابعًا: تلك العمليات الإرهابية تستهدف مع ما تستهدف المسيحيين العرب والمصريين بهدف إشعال حروب طائفية تضاف إلى المواجهة الطائفية المقصودة والمخططة بين السنّة والشيعة. ولذلك رأينا تلك الاعتداءات الإرهابية ضد المسيحيين فى العراق وفى سوريا ورأينا عمليات التهجير التى طالت المسيحيين المصريين فى سيناء، إضافة لتلك العمليات ضد المسيحيين المصريين فى البطرسية وطنطا والإسكندرية ولاشك فهذه العمليات تهدف إلى صراع مسيحى إسلامى تقوده وتسعى إليه تلك الجماعات التى أُنشئت ومولت من القوى الاستعمارية بهدف تحقيق ما يسمى بنظرية صراع الحضارات أى صراع الثقافات والأديان استرجاعًا لنماذج الحروب الصليبية.
 
خامسًا: كان مستهدف إلغاء تلك الزيارة لما لها من أهمية لمصر تحديدًا بما يتناقض مع أهداف هذه الجماعات لهدم مصر الدولة وليس النظام. ولكن كان قرار البابا هو إتمام الزيارة فى الميعاد وبنفس البرنامج الذى تتواكب فيه الزيارة مع المؤتمر العالمى للسلام فى الأزهر الذى يحضره مجلس حكماء المسلمين مع حضور رموز دينية من كل أرجاء العالم وبالطبع حضور بابا الفاتيكان.
 
سادسًا: حضور البابا لهذا المؤتمر الذى تم التأكيد فيه على أن الأديان جميعها تدعو إلى السلام. والسلام يعنى حق الحياة فى ممارسة حرية الرأى والعقيدة، حيث أكد قداسة بابا الفاتيكان على هذه القيم العظيمة والنبيلة التى تدعو لها كل الأديان بما يعنى أنه لا علاقة البتة للأديان بالإرهاب الذى يسقط السلام وينهى الحياة. ذلك مع تأكيد فضيلة شيخ الأزهر على أن الإسلام هو دين السلام وأن تشريع الحرب فى الإسلام لم يكن هجوميًا ولكنه دفاعيًا فى المقام الأول «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» «طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون» «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».
 
سابعًا: حضور البابا فى ظل هذه الظروف التى تسعى إلى نشر الفرقة وتأجيج المواجهات الطائفية وحضور البابا لمؤتمر السلام كان رسالة عالية الصوت للعالم كله ولأصحاب الأديان أن الاختلاف فى الدين إرادة إلهية أرادها الله «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» «من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا»، «من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم» وهذا الاختلاف الدينى المشروع والطبيعى لا يعنى عدم الإيمان بالله الواحد أو يعنى الاختلاف الإنسانى وإسقاط التشاركية ورفض العيش المشترك الذى أراده الله والذى كان قبل الأديان والذى يكون إلى آخر الزمان.
 
ثامنًا: كانت الزيارة دعوة للعالم بمساعدة مصر فى مواجهة الإرهاب عمليًا وليس قولًا، كما أنها أسقطت كل الدعاوى الهادفة إلى الفرقة بين المسلمين والمسيحيين وكانت إسقاط لكل التقولات التى تربط الإسلام بالإرهاب وإصراره على عدم ركوب سيارة مصفحة كانت إعلانًا أن مصر بالرغم مما يحيط بها من مواجهات إرهابية هى بلد الأمن والأمان وتلك الدعوى صريحة للعالم أن يزور مصر بلا خوف، ناهيك على أن كل وسائل الإعلام العالمية كانت قد غطت هذه الزيارة وهى دعاية غير مدفوعة الأجر.
 
تاسعًا: ما صاحب الزيارة من مؤتمرات واجتماعات وجلسات وتصريحات كانت مكسبًا تاريخيًا لمصر فى مواجهة المتقولين والمدعين أن هناك اضطهاد ضد المصريين المسيحيين. فقد قال أمين مجلس الكنائس العالمى «قد رأينا فى مصر عديدًا من الأمثلة المذهلة التى تؤكد دفاع المسلمين عن المسيحيين»، وقال سفير الفاتيكان فى مصر، «إن الإخوان هم السبب فى توتر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين».
 
 نعم كانت زيارة تاريخية فهل يمكن أن يتم استثمارها سياسيًا واقتصاديًا وسياحيًا، وعلى كل المستويات؟ هل سنرى رؤية وبرنامج لوزارة الخارجية والسياحة وهيئة الاستعلامات لاستثمار هذه الزيارة أم ستكون الزيارة كغير من الزيارات التى لا تخرج عن كونها بروتوكولات دبلوماسية ملء لأوقات إعلامية وكفى المؤمنين شر القتال؟ شكرًا بابا الفاتيكان بزيارتك التاريخية وستظل مصر بلد الأمن والأمان. مصر التى حمت أرميا النبى واستقبلت يوسف وربت موسى بحكمة المصريين وحمت العائلة المقدسة. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة