«التاريخ يسخر من أبطاله ومن ضحاياه يلقى عليهم نظرة ويمر»، تلك العبارة التى قالها محمود درويش، وهو يؤكد أن ما نراه غالبًا هو وجه واحد للتاريخ.
فالشخصية التاريخية نراها إما بطلًا أو ضحية، رمزًا أو مجرمًا، نموذجًا أو أمثولة، أبيض أو أسود، هكذا نحكم عليها دون أن نراعى الجوانب العديدة للنفس الإنسانية، وما تمليه الظروف والأحداث والمؤامرات السياسية على أبطال التاريخ، ونرغب دائما أن نطلق حكما واحدا على الشخصية التاريخية، وهو ما لا يتوافق مع الطبيعة البشرية والأحداث التاريخية.
فالشخصية التاريخية إن غلبها الشر أو الخير، فليس هناك شر مطلق أو خير كامل، كذلك فإن ما يصلنا من التاريخ ليس بالضرورة هو ما حدث فعلًا، بل ما كتب وما وصلنا عن تلك الحقبة أو هذا الشخص. ومع توارث التاريخ من جيل إلى جيل يصبح من الصعب بل من المستحيل أن نتقبل وجود وجوه أخرى لهؤلاء الأبطال الذين عشنا معهم فى الكتب أو فى السينما أو التلفزيون. ويعد الجدل الدائر حول شخصية صلاح الدين الأيوبى بعدما وصفه الروائى وباحث المخطوطات يوسف زيدان بأنه «أحقر شخصية فى التاريخ» خير مثال على الرغبة فى تنميط الشخصية التاريخية بصفة واحدة، شر أو خير. وبصرف النظر عن صحة ما ذكره زيدان من اتهامات وأوصاف لصلاح الدين الذى انتصر على الصليبيين فى معركة حطين، ومدى الاتفاق أو الاختلاف حولها، إلا أننا يمكن أن نستفيد هذه المعركة بمعرفة الوجوه الأخرى للشخصيات التاريخية، فلكل منها جوانب من الخير والشر، الهفوات والبطولات، الرومانسية والقسوة، العدل والظلم، لأنهم بشر ليسوا فوق المحاكمة، ولكل منهم أخطاؤه مهما بلغت بطولاته، ولحظات ضعفه وحبه مهما بلغت قسوته. فى هذا الملف، نعرض وجوهًا غير معروفة لبعض أبطال التاريخ ومجرميه، صلاح الدين ومحمد على باشا الكبير وهتلر، وستالين وغيرهم، طبقا لروايات وكتب أخرى ذكرت الجوانب الأخرى لهذه الشخصيات.
صلاح الدين
صلاح الدين الأيوبى
قاسم عبده: عاش رمزا وعنوانا للمقاومة والجهاد.. وبنى دولته على أساس من الوحدة الأخلاقية
الأصفهانى: أطماع صلاح الدين منعته من تحرير فلسطين بالكامل
الناصر الذى حارب الفرنجة وحرر القدس من أيدى الصليبيين، وأسس الدولة الأيوبية التى وحدت مصر والشام والحجاز هذه هى صورة البطل صلاح الدين الأيوبى التى يعرفها الكثيرون، ولكن هل نعرف أن هناك وجها آخر لهذا البطل؟
صلاح الدين
ويتحدث المؤرخ السورى حسن الأمين عن «صلاح الدين» فى كتابه «صلاح الدين الأيوبى بين العباسيين والفاطميين والصليبيين» عن الوجه الآخر، مستندًا إلى ما كتبه العماد الأصفهانى فى كتاب «الفتح القسى فى الفتح القدسى». والعماد الأصفهانى، هو أحد المشاركين فى «جماعة الإعلام» الذين كان يصطحبهم «صلاح الدين» فى تنقلاته ليُذيعوا على الناس أخباره، وكل ما يخص شؤون الحُكم.
ويزعم الأًصفهانى فى كتابه أن صلاح الدين عقب انتصاره فى معركة حطين، وتحرير القدس رفض طلب الخليفة الناصر، إرسال جيشه للمشاركة فى تحرير فلسطين كاملة، مشيرا إلى أن الرسائل التى بعثها «الناصر» إلى «صلاح الدين» تؤكد أن صلاح الدين رفض الاتحاد مع جيش «الناصر» لتحرير فلسطين، لأن الأيوبى أدرك أنه فى حال تحرير فلسطين كاملة ستصبح ولاية خاضعة للخلافة، وبالتالى سيصبح هو الآخر أحد الولاة التابعين للخليفة.
وعقب رفض «صلاح الدين» طلب الخليفة «الناصر» أرسل له الأخير رسالة شديدة اللهجة عنفه فيها، فاستشعر «صلاح الدين» خطر الرسالة، وقرر التمرد على الخليفة ومحاربة جيشه حال إرساله ومهّد لهذا القرار باستشارة من حوله لتحميسهم على قتال جيش الخليفة. وأكدت رواية الأصفهانى أن الخليفة أصر على إرسال جيشه لتحرير فلسطين، وعليه بدأ صلاح الدين يمهد للصلح مع الصليبيين والتسليم لما يحتلونه من أرض الوطن، لأنه خشى أن يرسل الخليفة جيوشه إلى فلسطين، وأراد أن يتفرغ هو لها، وهو ما يستلزم إنهاء حالة الحرب مع الصليبيين فأرسل أخوه «العادل» للاتصال بالصليبيين، وفى نفس الوقت كان يرسل رسائل إلى الخليفة يطمئنه فيها بأنه لم يستسلم للصليبيين. وطبقا لما ذكره الأصفهانى انتهت المفاوضات بالاستسلام الكامل للصليبيين، وكان السبب الرئيس هو أن «صلاح الدين» كان بحاجة لهم لمقاومة جيش الخلافة إذا أصر «الناصر» على إرساله.
وحسب «الأصفهانى» تنازل صلاح الدين للصليبيين عن جزء من الساحل يمتد من صور إلى حيفا، رغم أنه كان فى حالة عظيمة من الانتصار والقوة والتقدم، لذلك بعدما علم الخليفة بصلح «صلاح الدين» مع الصليبيين والهدف الحقيقى من ورائه، تراجع عن فكرة إرسال جيشه إلى فلسطين حتى لا تقع حرب أهلية إسلامية، يتعاون فيها الصليبيون مع المسلمين ضد فريق آخر من المسلمين.
وأكد الأصفهانى أنه لو تعاون صلاح الدين مع الخليفة الناصر لتم توحيد البلاد العربية فى حكم واحد، لكن صلاح الدين أضاع كل ذلك ليظل مستقًلا بما فى يده من بلاد.
وأضاف أن صلاح اعتبر البلاد التى يحكمها ملكا له، وقسمها على ورثته، فذهبت مصر لولده العزيز عماد الدين أبوالفتح، ودمشق وما حولها لولده نور الدين على وهو أكبر أولاده، وحلب لولده الظاهر غازى غياث الدين، والكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدان كثيرة قاطع الفرات لأخيه العادل، وحماة لابن أخيه الملك المنصور محمد بن تقى الدين عمر، واليمن بمعاقله لأخيه ظهير الدين سيف الإسلام، وحمص لأسد الدين بن شيركوه بن ناصر الدين بن محمد.
المقريزى: الأيوبى هدم الأهرامات وقتل السهروردى
أما كتاب «خطط المقريزى»، فأكد أن صلاح الدين الأيوبى هدم الكثير من الآثار المصرية، وقال المقريزى فى كتابه: «كان هناك عدد كبير من الأهرامات فى منطقة الجيزة هدمها صلاح الدين بأكملها، وأخذ حجارتها ليبنى بها القلعة المعروفة باسمه تحت سفح جبل المقطم، والسور المحيط بالقاهرة ولم يتبق منها سوى أعظمها والمعروفة حالًيا باسم هرم خوفو، وهرم خفرع وهرم منقرع، وهى التى لم يقو الزمن ولا صلاح الدين على تدميرها».
وأضاف أن من أبشع محاولات هدم الآثار ما قام به قراقوش، وكان وزيرا لصلاح الدين، بهدم عدد من الأهرامات الصغيرة وبنى بحجارتها قلعة القاهرة وأسوار عكا والقناطر الخيرية.
وينسب لصلاح الدين الأيوبى أيضًا، التشديد على ولده بضرورة قتل الشيخ شهاب الدين السهروردى، فطبقا لما يقوله سبط ابن الجوزى فى تفسيره لموافقة صلاح الدين على الحكم الذى أصدره فقهاء حلب بإعدام السهروردى: إن صلاح الدين كان مبغضا لكتب الفلسفة وأرباب المنطق ومن يعاند الشريعة، فهل تكفى البغضاء سببا يقتل به الناس، وقد قال تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا».
وأضاف ابن الجوزى أن مجمل التهم الموجهة إلى السهروردى كانت غير كافية لقتله، فما هى التهم الحقيقية التى كانت سببا رئيسا فى محاكمته وتنفيذ قرار قتله؟ وهل كانت مؤسسة على قرائن ثابتة؟
يشير المؤرخ بروكلمان إلى أن اعتقاد علماء وفقهاء حلب بارتباط السهروردى بأفكار القرامطة، تلك الجماعة الإسماعيلية المعادية للدولة، وإرسالهم الرسائل للسلطان الأيوبى بهذا الخصوص، وإلحاحهم فى طلب التخلص منه هو ما جعل صلاح الدين يشدد على ولده فى قتل السهروردى، حيث قتل بيد الوالى الظاهر الأيوبى نجل صلاح الدين فى حلب.
قاسم يرد على منتقدى «صلاح الدين»: بطل مجاهد وصاحب أخلاق ومبادئ
على الجانب الآخر، يفند الدكتور قاسم عبده قاسم، أستاذ فلسفة التاريخ بجامعة الزقازيق، ما قاله يوسف زيدان، وما طرحه الأصفهانى، ويؤكد فى بحث له نشره مركز «عين» للدراسات، أن ملحمة التحرير التى قادها صلاح الدين الأيوبى بدأت منذ اللحظات الدامية التى سقطت فيها المدينة أمام جحافل الفرنجة الظالمة فى السنة الأخيرة من القرن الحادى عشر الميلادى، كما أن القدس كانت رمزًا وعنوانًا للوجود الصليبى «مملكة بيت المقدس»، ولكن «صلاح الدين» كان رمزًا وعنوانًا على المقاومة والجهاد الإسلامى ضد العدوان، وكان هو الذى كرّس حياته لتحرير القدس.
ويؤكد أن صلاح الدين الأيوبى بنى دولته على أساس من الوحدة الأخلاقية والدينية للعالم الإسلامى، تحت راية الجهاد ضد الصليبيين، مشيرًا إلى أن سيرته تكشف أيضًا أنه كرّس الجزء الأكبر من جهوده لتحقيق الوحدة بين الفرقاء فى المنطقة العربية، على حين كانت معاركه ضد الصليبيين قد شغلت ثلث الوقت الذى استغرقته جهوده العسكرية ضد الأمراء الزنكيين، وغيرهم من المارقين.
وعلى عكس ما طرحه الأصفهانى، يؤكد عبده قاسم سمو أخلاق «صلاح الدين»، وسعيه للوحدة والجهاد، ومراعاة المبادئ، قائلًا: «أدرك صلاح الدين أن استمرار الوجود الصليبى فوق الأرض العربية رهن باستمرار انحطاط الخلق السياسى لدى الحكام»، معتبرًا أن موقف «صلاح الدين» فى حقيقته استمرار لثورة عماد الدين زنكى، ونور الدين محمود على هذه الأوضاع الشاذة سياسيًا وأخلاقيًا.
وأضاف: «عبّر صلاح الدين عن هذه الحقيقة خير تعبير، حين كتب إلى الخليفة العباسى المستضىء بالله: ولو أن أمور الحرب تصلحها الشركة، لما عز علينا أن يكون هناك كثير من المشاركين، ولا أساءنا أن تكون الدنيا كثيرة المالكين، وإنما أمور الحرب لا تحتمل فى التدبير إلا الوحدة، فإذا صح التدبير لم يحتمل فى اللقاء إلا العدة».
محمد على باشا
أسس الحكم الفردى وضمن أن يرثه أبناؤه من بعده
أطاح بعمر مكرم الذى أتى به للحكم ونفاه لدمياط
محمد على باشا
تقرب من العلماء والمشايخ للوصول إلى الحكم ثم انقلب عليهم بعد استقرار الأوضاع
مؤسس نهضة مصر الحديثة، الباشا الذى لقب بالكبير بعدما نقل مصر من حال إلى حال، ولكنه فى الوقت نفسه عرف بمكره ودهائه وربما خيانته، بداية من تنصيبه واليًا على مصر محمولًا على أعناق المشايخ والأشراف مرورًا بالخلاص من المماليك فى مذبحة القلعة وحتى آخر يوم فى حياته.
مضت أربع سنوات بعد رحيل الفرنسيين من مصر، واضطربت أمور إدارة البلاد ولكن ظل المشايخ الكبار والقادة الجدد من جماهير الشعب فى مصر رقباء على كل من يحاول أن يتصدى لإدارة أمور البلاد، وخاصة المماليك الذين عادوا بعد غيابهم ثلاث سنوات كانوا فيها معزولين عن مباشرة ما كانوا يباشرون من قبل الحملة الفرنسية.
وأخيرا استقر رأى المشايخ والقادة على إسناد الأمر إلى رجل كانت تركيا بعثته مع ثلاثمائة من الجند فى أواخر أيام الحملة الفرنسية وكان اسمه محمد على سرششمه، وسرششمه درجة بسيطة يلقب بها قائد عدد من الجنود فى الدولة العثمانية، وكان ذلك فى سنة 1801 م 1216هـ.
أسند إلى محمد على ولاية مصر، وكان لا يقرأ ولا يكتب وقضى أكثر عمره تاجرا يتاجر فى الدخان ثم انضم إلى الجند.
ولكنه كان ذكيا داهية عريق المكر، وفى أثناء مقامه فى مصر من سنة 1801م إلى سنة 1805م، ظل يراقب اضطراب أمورها واختلال إدارتها، وبنظره الثاقب وذكائه خالط المشايخ والقادة والمماليك الذين حاولوا العودة إلى ولاية الأمور فى مصر، فنافقهم جميعا وأظهر لجميعهم المودة والنصح وسلامة الصدر، حتى انخدع به المشايخ والقادة وآثروا ولايته على ولاية المماليك فنصبوه واليا على مصر، وعلى رأس من انخدع به عمر مكرم أكبر قائد للمشايخ والجماهير، فبذل كل جهده فى إسناد ولاية مصر إليه.
وكانت أول غدرة غدرها محمد على، بالذى نصبه واليا على مصر وبذل له فى ذلك كل جهد وهو قائد الأمة ومشايخها وجماهيرها الأشراف، عمر مكرم، وبمكره ودهائه أوقع بينه وبين بعض المشايخ.
ثم انتهى الأمر بأن نزع عنه نقابة الأشراف ثم نفاه إلى دمياط فى 12 أغسطس 1809م، أى بعد ولايته بأربع سنوات فقط، وبقى عمر مكرم فى منفاه الأول عشر سنوات حتى استدعاه إلى القاهرة فجاءها فى 9 يناير سنة 1819م. ثم عاد محمد على ونفى مكرم مرة أخرى إلى طنطا 15 إبريل سنة 1822م فتوفى فى تلك السنة نفسها، ثم استدار الحاكم الماكر بعد ذلك على المشايخ يوقع بينهم ليفتت قوة الجماهير بعد القضاء على قادتهم وتشتيت شملهم.
انتقد الكثيرون محمد على الكبير ورأوا فيه أنه ميكيافيللى آخر، وأطلق عليه كثيرون «ابن الدخاخنى»، وهو مصطلح يشير إلى أنه ابن تاجر الدخان والطباق لأن آباء محمد على، وهم من أصل ألبانى، كانوا يشتغلون بهذه التجارة، وصارت السخرية منه ومن أحفاده، وتخوينهم فى كثير من الأحيان، جزءاً من الخطاب الوطنى فى وسائل الإعلام.
وشاعت مقولة «محمد على صنع من مصر دولة كبيرة، لكنه جعل من المصريين شعباً صغيراً»، خصوصاً أن علاقته القائمة على القوة والحزم مع المصريين كانت كفيلة بترسيخ هذه المقولة فى الأذهان.
ويؤكد المؤرخ عبدالوهاب بكر، أستاذ تاريخ العصور الحديثة بجامعة القاهرة، فى بحث له عن «الجندية والمواطنة فى عصر محمد على» أن محمد على لجأ إلى تجنيد الشعب المصرى، الفلاح المصرى على وجه الخصوص، بعدما فشل فى مشروع تجنيد أهالى السودان، وأن ذلك كان مرتبطاً بمجده الشخصى وتأكيد شهرته. ويؤكد بكر أن محمد على لم يثق بقدرات هذا الشعب، الذى تولى أمره عام 1805، لذلك حرص كل الحرص ألا يدع الفرصة للارتقاء إلى مناصب جيشه الجديد أو تولى مراتب قيادية.
واستند بكر إلى ما قاله الطبيب الفرنسى الذى أوكل له محمد على تأسيس كلية الطب المصرية «كلوت بك»، من أن «المصريين فى المراتب العالية لا يقدّرون كرامة مراكزهم الجديدة، وسرعان ما يتحولون إلى عاداتهم القديمة»، فكف محمد على وابنه إبراهيم باشا الفاتح عن ترقيتهم.
ويروى الأديب المصرى يوسف القعيد أن جلسة جمعته مع سفير ألبانيا فى القاهرة، وكان رأى السفير أن محمد على رجل استعمارى.
ويضيف القعيد: هناك كتاب لدكتور زوقان قرقوط يقارن فيه بين جمال عبدالناصر ومحمد على حاول أن يثبت فيه أن محمد على فعل كل هذا ليؤسس الحكم الفردى وحكم عائلته من بعده وتأسيس إمبراطورية علوية خاصة به، وأن يضمن أن يرث الحكم من بعده أبناؤه.
الملك فاروق
فاروق.. متدين رفض إطلاق الرصاص على الضباط الأحرار
منذ ثورة 23 يوليو عام 1952، توحدت الصورة النمطية عن الملك فاروق فى الإعلام والسينما والدراما، فهو الملك المكروه من شعبه الغارق فى نزواته المفتون بالنساء وبملاهى القمار، وهو الحاكم الذى حرم الفلاحين من نيل شرف العسكرية فثار عليه الضباط الأحرار، إلا أن بعض من المؤرخين اختلفوا مع هذه الآراء، ومنهم لطيفة سالم صاحبة كتاب «فاروق من الميلاد إلى الرحيل»، والتى ذكرت أن فاروق كان ملكًا محبوبًا من شعبه فى بداية حكمة، على عكس والده الذى اتسم بالاستعلاء على الرعية، مشيرة إلى أن الملك فاروق قام باستثمار الدين لخلق شعبية له ورسم له هذا الخط على ماهر باشا.
وأشارت سالم إلى العمل على انتشار صور فاروق ومشاركاته الدينية فى المتابعات الصحفية، خاصة فى شهر رمضان، ومن هذه المتابعات أننا نجده واقفًا ومبتسمًا للشيخ المراغى أثناء حلم الخلافة الإسلامية، ونجد صورة له وقد أطلق لحيته ممسكًا بمسبحته ويقرأ الفاتحة على قبر والده الملك فؤاد، وصورة أخرى فى مجلة الإذاعة المصرية فى 21 رمضان 1371 هجرية، الموافق 14 يونيو 1952، مفترشاً الأرض إلى جوار شيخ المسجد وهو ممسك بالمسبحة، وكانت المناسبة هى الاحتفال بذكرى جده محمد على باشا، وصورة فى نفس المناسبة فى مسجد محمد على بالقلعة، كما نشرت «المصور» بتاريخ 2 أكتوبر 1941 الذى وافق 21 رمضان 1361، صوره مع المشايخ ومنهم شيخ الأزهر والشيخ عبدالمجيد سليم والشيخ محمد الفحام، وصوره وهو يتصدر مأدبة إفطار رمضانية تضم شيخ الأزهر المراغى.
واعتاد الملك فاروق فى كل رمضان إقامة موائد رحمن للفقراء، بل كان هناك مطعم خيرى أقامه وهو مطعم فاروق الخيرى، ونشرت «المصور» على صفحتين بتاريخ 3 أكتوبر 1941 لقطات مختلفة لهذا المطعم وهو يمنح الوجبات الرمضانية لأسرة فقيرة، وللفقراء على الموائد والمسؤولين عن المطعم وهم يقدمون الطعام على الموائد.
ستالين..السفاح الدموى يرفض العرى ويعشق الموسيقى والشعر
ستالين مات وجواره قرص موسيقى على الجرامافون
لا يختلف الكثيرون على توصيف «جوزيف ستالين»، الذى أكمل مسيرة هتلر فى القتل والتعذيب، فمن ينكر ما فعله ستالين من مجازر دموية أودت بحياة الملايين من الشعب السوفييتى والشعوب الأخرى؟
لكن وجها آخر شديد التباين مع شخصية السفاح الدموى لم يلحظه المؤرخون، فستالين كان يمتلك موهبة لم يفارقها حتى مع صعوده إلى سدة الحكم فى الإمبراطورية السوفيتية العظمى، ألا وهى كتابة «الشعر». كان ستالين شاعرًا مرهف الحس، كتب مئات القصائد، التى جمعت فى كتاب وترجمت لعدة لغات بعد موته، ومن فرط حبه للشعر كان يكتب كلمات بعض الأغانى، وسيناريوهات الأفلام التى كان يصر أن تعرض عليه قبل عرضها فى السينمات، والتى تبين من خلالها وجه آخر للديكتاتور «الملحد»، حيث كان يرفض مشاهد التعرى، حتى إنه عندما شاهد قبله ساخنة فى فيلم فرنسى غضب بشدة، وأمر رجاله بحذف المشهد قبل عرض الفيلم.
ومن ستالين الشاعر المحب للسينما إلى ستالين العاشق لموسيقى موتسارت، التى أكدها مشهد موته، حيث وُجد على قرص الجرامافون المجاور لسريره أسطوانة لموسيقى موتسارت من عزف الفنانة السوفييتية المتدينة «ماريا يودينا»، والتى كان لها قصة غريبة معه؛ فيروى أن ستالين عندما سمع عزف يودينا لكونشرتو موتسارت، من الراديو، طلب أسطوانة المقطوعة، وبالطبع لم يجرؤ أحد على إخباره بأن ذلك كان أداءً مباشرًا لم يسجل، فكان الحل أن طُلب من يودينا الحضور على الفور إلى الاستوديو، حيث أمضت ليلة من العمل المكثف مع الأوركسترا لتسجيل عزفها الذى نقل إلى ستالين على أسطوانة.
وعندما تسلم ستالين الأسطوانة كافأها بمبلغ كبير من المال، فشكرته برسالة قالت فيها: إنها تبرعت بالنقود لكنيستها، وأضافت أنها ستدعو الله أن يغفر لستالين خطاياه الكبرى، ولا شك فى أن رسالة كهذه كانت كفيلة بأن تكتب نهاية «ماريا»، بيد أن المفاجأة كانت عدم تعرضها للأذى، ويبدو أن عزفها كان شفيعا لها عند الديكتاتور.
الحجاج شيد الآبار والسدود وأسس المساجد فى مكة
الحجاج ورع محب للقرآن الكريم وأول من أمر بتشكيله
«إنى أرى رؤوسًا قد أينعت وحان وقت قطافها»، المقولة الأشهر فى التاريخ والتى نقلت على لسان الحجاج بن يوسف الثقفى، تصوره وكأنه قاتل مأجور، إلا أن الوجه الآخر من التاريخ ينصفه، فهو أول من شكل القرآن الكريم، وكان مشهورا بالتدين وترك المحرمات مثل المسكر والزنى.
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبدالملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان فى حاجة إليه حتى ينهى الصراع الدائر بينه وبين عبدالله بن الزبير الذى أعلن نفسه خليفة سنة «64هـ = 683م» بعد وفاة يزيد بن معاوية، ودانت له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامى، ولم يبق سوى الأردن التى ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح فى استعادة الشام ومصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفى تاركا لابنه عبدالملك استكمال المهمة، فانتزع العراق من مصعب بن الزبير.
جهز عبدالملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولة بن الزبير، فحاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمى بالبيت، وكان أصحابه- بما فيهم ولديه- قد تفرقوا عنه وخذلوه، بسبب سياسته وشدته، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التى أصبحت فى ذلك العام «73 هـ = 693م» تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبدالملك بن مروان.
وكان من أثر هذا الانتصار أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما فى إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.
«عرف عن الحجاج صلاته، وإمامته بكثير من الصحابة، وخطبه فيهم، وعرف عنه عبادته»، وقال بعض السلف: «كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة».
نابليون
نابليون الإمبراطور العاشق وفارس الحب النبيل والفنان مرهف الحس
لم تشغل شخصية نابليون بونابرت القائد الفرنسى بال المؤرخين فحسب، بل شغلت كذلك علماء النفس والاجتماع، حيث يراه الجميع شخصية غريبة ومحيرة ومليئة بالغموض المثير للجدل!
صعد نابليون إلى السلطة فى المرحلة الأخيرة من الثورة الفرنسية؛ ليصبح إمبراطورًا لفرنسا عام 1804م، وقام بتنفيذ العديد من الإصلاحات الليبرالية فى أوروبا مثل إلغاء الإقطاع والقضاء على سطوة رجال الدين، وعلى جانب آخر، تمكن القائد العسكرى الفذ من اجتياح معظم أنحاء القارة الأوروبية، ليحكم ما يزيد عن 70 مليون نسمة، فى مساحة تقدر بحوالى 1,1 مليون كيلومتر مربع، ويصبح لفرنسا اليد الطولى فى الشؤون الخاصة بجميع الدول الأوروبية تقريباً، ليعيد لفرنسا المجد والقوة.
لكن، من منا يعرف الوجه الآخر من شخصية بونابرت، ذلك الجانب العاطفى والوجدانى الذى ملأ حياته، بعيدا عن ميادين القتال؟
من يقرأ القصص والحروب الشرسة التى قادها، وصراعاته العسكرية والسياسية، لا يخطر بباله أنه كان واحدًا من أعظم عشاق الدنيا، وأنبل فرسان الحب الذين سطروا أجمل رسائل الحب إلى حبيبته «جوزفين»، ولكن الإمبراطور العاشق كان من السهل عليه تحطيم أعظم حصون أوروبا، فى حين أنه فشل فى تحطيم حصون قلب «جوزفين».
تزوج نابليون من جوزفين لمدة 14 عاما كان فيها كثير السفر، اندفاعا خلف طموحه فى غزو العالم، وكان يعبر لزوجته عن مشاعره فى خطابات، عندما نقرؤها نعلم كم أحب الإمبراطور العظيم بصدق حقيقى.
ويقول نابليون فى إحدى رسائله: «لا يمر يوم دون أن أحبك، ولا تمضى ليلة دون أن أضمك بين ذراعى، لا أتناول كأس شاى دون أن ألعن المجد والطموح اللذين يبعداننى عن روح حياتى، فى وسط أعمالى، وعلى رأس جيشى، وبينما أتجول بين خيام العسكر، تسكن معبودتى جوزفين وحدها قلبى وتشغل أفكارى وعقلى، إذا ابتعدت عنك بسرعة نهر الرون؛ فلأننى أرغب أن أعود إليك فى أسرع وقت، وإذا استيقظت فى وسط الليل وانكببت على العمل، فلكى أرقب موعد لقياك».
ومن نابليون العاشق إلى نابليون المثقف، يتضح جانب آخر من شخصية القائد الذى انتصر فى كل معاركه وغزواته، والذى لم يهزم إلا فى معركة دخوله إلى الاتحاد السوفييتى، والذى قضى فى عصره الملايين، كان له وجه آخر حالم، وجه المثقف الذى يعشق الكتب والثقافة واللوحات، فكان راغبا فى ترسيخ مجد فرنسا وعظمتها عن طريق الفن، كان يأمل أن يجعله الفنانون حياً فى ذاكرة البشر.
كان نابليون يدفع بسخاء، لأنّه كان يتطلع إلى الخلود عبر الزمن، ويطمح فى لفت الأنظار لإنجازاته بالتقرب إلى أهل الأدب والفن، ومن ثم كان له دور بارز فى إعلاء شأن فنون المسرح، فقام ببناء الكثير من المسارح، وعمل على تشجيع الفنانين المسرحيين بتقديم مسرحياتهم على نفقة الدولة، كان فنانًا مرهف الحس يحب الألوان والرسم، ويؤمن أن للفن واللوحات دورا كبيرا فى تشكيل الوعى.
هتلر
هتلر الوحش الرومانسى فنان يعشق الرسم والموسيقى
عندما تسمع اسم هتلر تتذكر مباشرة إشارة يده ورمز الإبادة النازية، وما أقامه من مذابح ومحارق الهولوكوست والانتقام من اليهود.
ولكن بعيدا عن طبول الحروب التى اجتاحت العالم فى القرون الماضية، فإن لهتلر وجهًا لا يعرفه أحد، فقد كان رسامًا حلم بالالتحاق بأكاديمية الفنون النمساوية وأخفق فى ذلك مرتين، وكان يستعرض دائمًا مجموعته الفنية الوحيدة التى تعود إلى العام 1925، إضافة إلى شغفه بفنون الموسيقى والأوبرا، وظل فشله المستمر فى دخول أكاديمية الفنون يؤرقه، بعد حصوله مرتين على نتيجة «غير مُرض»، وبمساعدة أحد الأصدقاء حصل هتلر على بطاقات بريدية باع منها مجموعة للسياح، وكان اليهود من بين زبائنه.
وقال هتلر فى إحدى المناسبات: «لقد أصبحتُ سياسيًا ضد رغبتى، لو عاد بى الزمنُ إلى الوراء لما اخترت الدخول إلى معترك السياسة، ولكنت فنانًا أو فيلسوفًا». لكن فن هتلر أيضا يعتمد على العنصرية من خلال تشييد مبان ذات أسوار، وحصون شامخة تعيد أمجاد الرايخ الألمانى.
وكان هتلر شغوفًا بالفنون الموسيقية وبخاصة «أوبرا فاجنر» إلى جانب العمارة والجرافيك، لكن ذوقه الفنى ظلّ غير مستنير.
فماذا لو أصبح هتلر فنانًا؟، فقد ظل يحلمُ بأن يكون واحدًا من أكبر فنانى العالم، لكن ما فعله الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية لم يكن هينًا، و أشار الباحث البورتوريكى صاحب كتاب «المتحف المفقود» هيكتور فيليسيانو، إلى أن «هتلر كان يقف خلف كل عمليات النهب التى تعرضت لها صالات المتاحف الأوروبية، بسبب حبه واهتمامه بالفن، ولرغبته فى أن تكون لديه مجموعة أعمال فنية خاصة به، وبناء متحف للفن فى فيينا». فذهب الفن، وظل وجه الوحش قائمًا.
لم يكن هتلر يشرب الكحول أو يدخن السجائر، بل كان يشجع على الترويج لحملات مناهضة التدخين فى أنحاء ألمانيا، ويقال إنه وعد بمنح أى فرد من المقربين له ساعة ذهبية إذا تمكن من الإقلاع عن التدخين، وقام بالفعل بمنح البعض منهم ساعات ذهبية عندما تمكنوا من ذلك.
كما أنه صمم شبكة الطرق السريعة فى ألمانيا والتى ما زال بعضها فى الخدمة حتى الآن، وتبنى مشروعا يقضى بمنح سيارة خاصة لكل مواطن ألمانى، كما أنه كان يعطى نصيبه فى الإعانة التى تمنحها الحكومة للأيتام لشقيقته باولا، وقام بتجربة العيش فى مأوى للمشردين قبل أن يستقر فى منزل يقطن فيه فقراء العمال.
وفى مقابل موقفه من اليهود، كان هتلر معجبا بالإسلام والحضارة الإسلامية، ورأى أنها خير دليل على تحضر أهلها، وطبع مطبوعات تعرف الناس بالإسلام ووزعها على جيشه ليطلعوا عليها وخصوصا غير المسلمين، وفقا لما يرويه كتاب الوجه الآخر لهتلر.
ويؤكد الكتاب أن هتلر أعطى المقاتلين الألمان من المسلمين الحق فى الصلاة بأى مكان وفى أى وقت مهما كانت الظروف، فكانوا يصلون جماعة فى ساحة برلين وهتلر ينتظر حتى يكملوا صلاتهم ليلقى بعدها خطاباته للجيش النازى.
وعن علاقته بالنساء، فقد كان الحب الأول لهتلر من طرفه فقط، حيث ارتبط عندما عندما عاش فى فيينا بفتاة يهودية تدعى «ستيفانى»، غير أنه لم يجرؤ على التحدث معها وكان فى المقابل يكتب عنها قصائد الحب، وبرغم أنه اعتبر نفسه جذابا للنساء، فإنه بقى أعزب لتحقيق مكاسب سياسية معتقدا أن زواجه يمكن أن يقلل من كاريزمته وعظمته لدى الشعب.
عدد الردود 0
بواسطة:
العائش بين الأوهام
من يتحجر عند ماضيه لا يبنى مستقبله
لن تتقدم شعوبنا قيد أنملة ، وستنحدر من سىء الى أسوأ ، ماظل أبناؤها يعيشون على أوهام تضخيم الذات التى احترفها كتبة السلاطين ومؤرخوهم بدءً بأشعار الحماسة والفخر من قبل داحس والغبراء وحتى أيامنا الحالية والمستقبلية المبتلاة بشعوب تعيش على خرافات كتبة السلاطين ومن يتوهمون أنهم وكلاء رب السماء وأوصيائه على سائر الخلائق من عرب وعجم لاخراجهم مما يتوهمون أنها الظلمات الى مايتوهمونه النور ! تباً لشعوب يصنع مستعبدوها الخرافة ، فينساقون خلفها قطعاناً من الأغنام التى تقتات على أساطير الوهم والهراء ! لا مكان فى هذا العالم لمن يتحجرون عند خزعبلات ماضيهم !