الحرب على الفساد والفاسدين على أشدها الآن، وهى أكبر بكثير من الإطاحة بوزير فاسد قبل رشوة، أو مسؤولين سهلوا عمليات الاستنزاف والنهب من أموال الدولة بالقانون حمّال الأوجه، الذى يمكن استخدامه لكل شىء والعكس فى مصر.
الحرب على الفساد والمفسدين تبدأ بالردع الشامل لكل من تسول له نفسه مخالفة القانون، واستحلال موارد الدولة للتربح الشخصى، واستمرار هذا الردع المتمثل فى الكشف أولًا بأول عن قضايا الفساد، وتجريس المفسدين، يمكنه تحجيم وباء الانفلات فى المصالح الحكومية ومؤسسات الدولة التى باتت تحت رحمة قانون «فتح مخك».
ولا تنتهى هذه الحرب إلا بعودة الضمير والقانون حكمين وحيدين لجميع المعاملات بين المواطنين والمستثمرين وأصحاب المصالح من جهة، والدولة من جهة أخرى، وهو ما يفرض على الأجهزة الرقابية العمل بسرعة على ميكنة كل أشكال التعامل بين الأفراد المنتفعين والمؤسسات والمصالح الحكومية، وكلما تراجع عدد الوسطاء فى إنجاز التعاملات تراجعت معدلات الفساد الصغير والكبير.
والحرب على الفساد مفروضة علينا، مثلها مثل الحرب على الإرهاب بالضبط، فإذا كانت شبكات الإرهاب الممولة والمسلحة من الخارج تستهدف إسقاط البلد، وإعاقة نهوضه، والوصول إلى إتمام مخطط خارجى بالتفتيت، فإن شبكات الفساد القديمة والمتغلغلة فى جميع مفاصل الدولة، وتقودها مجموعة كبار النهابين والهباشين وبياعى الهواء والتراب لكل من هب ودب، لن يسمحوا بقيام دولة القانون، والعدالة الاجتماعية، والعمل الشاق والإنتاج، فهم يعرفون أنهم لن يكونوا جزءًا منها، وبالضرورة سيصطدمون بها فى معركة حياة أو موت، إما هم وإما هى.
وحوش المال الكبار فى مصر بعلاقاتهم المتشعبة مع الجهات الخارجية، والأعداء التقليديين والجدد فى المنطقة والعالم، يستطيعون إحداث هزة كبيرة للاقتصاد الهش الحالى، كما يملكون آلاف البلطجية والسماسرة فى مختلف المصالح والمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام، مما يمكنهم من إحداث بلبلة كبيرة فى وقت قصير، وأنتم تعرفون المتربصين المنتظرين مثل هذه الفرصة للنهش فى النظام والضغط عليه، بل وتحويل تلك الاحتجاجات إلى شأن دولى.
المعركة ضارية مع الدولة العميقة المسيطرة، والتى تلتف مثل أذرع الأخطبوط على كل أجهزة الدولة، وتعمل على حفظ مصالح السادة المنتفعين منذ أيام دولة مبارك حتى الآن، وهى من ناحية أخرى معركة لإعادة الهيكلة والتطوير والإنقاذ، بعد أن تحولت المناصب التنفيذية الرفيعة، والمكاتب الفنية المتخصصة إلى مجرد كراسٍ فارغة يشغلها غير المؤهلين، مما أدى إلى وقوع الكوارث وتضييع الحقوق.
تجديد الخطاب الدنيوى يعنى فى جانب منه محاربة الإهمال الجسيم الذى يجعل من المسؤول غير مهتم، وغير مبالٍ لعدم وجود المحاسبة والرقابة الفعلية على أدائه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة