أصبح عزوف الشباب من الجنسين عن الارتباط والزواج ظاهرة تحتاج للبحث والتدقيق من جهات مختلفة، فبعد أن كان حلم الزواج وتكوين أسرة مشروعا طبيعيا لدى الجميع، انقلبت الآية وتحول الأمر لرفض الكثير منهم الدخول فى علاقة إنسانية جديدة والاكتفاء بالعيش وحيداً وسط قائمة من الاهتمامات التى لا تشمل "شريك الحياة" .
تتعدد الأسباب التى تدفع الشباب من الذكور للعزوف عن التفكير فى الزواج والارتباط، وقد تكون الظروف الاقتصادية هى السبب الرئيسى الذى يعيق الغالبية العظمى منهم، أو حتى الخوف من تحمل مسؤولية بيت وأسرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأرى أن السبب الثانى يعود لمشكلة كبيرة فى التربية التى أنتجت لنا رجالا لديهم أزمة ثقة فى قدرتهم على إدارة مجريات الأمور، وممارسة القوامة التى ميزهم الله بها عن النساء، ولأننى غير مدركة جيدة لطبيعة تفكير الرجل بشكل كامل لن أخوض فى هذا الجزء كثيراً.
السبب الذى دفعنى لكتابة هذا المقال هو ما لاحظته على صديقاتى والكثير من فتيات جيلى اللاتى فضلن الاهتمام بالعمل والدراسة وعيش حياتهن بعيداً عن رجل يفرض عليهن الكثير من القيود البالية، وأحياناً تدفعه أنانيته لأن يطلب منهن التنازل عن طموحهن وأحلامهن من أجل أن ينعم هو براحة فى حياته دون النظر لأهمية ذلك بالنسبة إليهن.
أخبرتنى صديقتى - يوماً ما - عن رفضها لأحد الأشخاص الذين تقدموا لخطبتها "ماعنديش طاقة أهتم بحد وأتعامل بطريقة لطيفة وآخد بالى من كلامى والارتباط مش فى دماغى أو حتى نفسى فيه"، تلك الجملة التى دفعتنى للتفكير فى أسباب شعور الكثير من بنات جيلى بتلك المشاعر الدخيلة على الفطرة التى تدفع الفتيات منذ نعومة أظافرهن لأن يحلمن بارتداء الفستان الأبيض وبالفارس الذى سيأتى إليهن على حصانه الأبيض.
سبب آخر دفع الفتيات لذلك أيضاً وهو أن الكثير من الزيجات تحول لشكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية التى تعتمد فقط على توفير الاحتياجات المادية المتمثلة فى الأثاث وتجهيز المنزل بأثمن الأشياء للتباهى أمام الأهل والمعارف، ليسيطر التوافق المادى والاجتماعى على الأمر دون للنظر للتوافق النفسى والروحى، ولا استطيع أن أنكر أننى اتفق معهن بدرجة كبيرة، فعلى عكس الواقع الذى يحاول أن يجعلنا نشعر أننا خلقنا لنعمل فقط، فالحقيقة أننا خلقنا لنحيا.
أرى أن الأمر تحول لظاهرة "الاكتفاء الذاتى" بالفعل دون مبالغة، خاصة بعد أن أصبح كل طرف فينا يشعر بأن الآخر عبء عليه، وأن المشاعر اختفت تماماً من الحياة الزوجية، حتى أن البعض ممن اتخذوا قرار الزواج تمنوا لو لم يفعلوا، خاصة بعد أن اختفت من حياة الغالبية العظمى منهم "السعادة" التى قتلها الروتين وظروف الحياة، فهل وصل بنا الحال لاستغناء كل طرف فينا عن الآخر والرضا بحياته منفرداً رافعاً شعار "أنا بخاف من الكوميتمنت"؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة