محمد أحمد طنطاوى

نخبة لا تدفع فاتورة المياه!

السبت، 29 أبريل 2017 06:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل عامين تقريبا، أصيب والدى، رحمه الله، بتليف فى الكبد، وكان المرض مفاجئا، كما يحدث مع أغلب المصريين، ووقع الخبر على أسرتنا البسيطة كالصاعقة، فلم تكن لنا تجارب عائلية مع هذا المرض اللعين.. كان هما ثقيلا وعبئا لم أحسب له يوما، وقع على كاهلى بوصفى الابن الأكبر.
 
بحثت عمن يدلنى عن طبيب «شاطر»، ليقع الاختيار على أحدهم، فى منطقة الدقى، وأذكر حينها أن ثمن الكشف كان 600 جنيه، ولكن الطبيب قدم لى خصما كبيرا، فلم أدفع سوى 200 جنيه فقط، على طريقة «جُر رجل الزبون»، خاصة أننا أدركنا، فيما بعد، أن هذا المبلغ ثمن الكشف لمرة واحدة فقط دون «استشارة».
 
توالت الزيارات على طبيب الدقى، بمعدل مرة كل شهرين تقريبا، لمتابعة الحالة، وإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، حتى جاءت زيارتنا الأخيرة لهذا الطبيب، وبدت العيادة فى مستوى نظافة أقل، فوجئنا بدورة المياه مغلقة، نظرا لانقطاع المياه، هكذا برر لنا «التمرجى»، رغم أن زوار العيادة من كبار السن وساعات الانتظار الطويلة تجبرهم على الذهاب إليها مرة على الأقل، قبل إجراء الكشف المنتظر.
 
انتهى الكشف وأثناء هبوطنا من المصعد لفت انتباهى ورقة صغيرة معلقة فى مدخل المبنى، عبارة عن إفادة من شركة مياه الجيزة بقطع المياه عن العمارة بالكامل لامتناع السكان عن سداد مستحقات الشركة منذ عام 2008، وحتى نهاية 2014، بمديونية 271 ألف جنيه!!
انشغلت عن مرض والدى قليلا بمرض النخبة، وظللت أتساءل وأفكر، أليس بمقدور كل طبيب فى هذه العمارة الشهيرة التى تضم نحو 40 طبيبا شهيرا فى ميدان الدقى أن يدفع 5 آلاف جنيه، لسداد مستحقات شركة المياه، ويخصص أجر ساعتين أو ثلاثة، ليسدد ما عليه من المال العام، وأن يضع يده فى جيبه ويدفع ديونه، بدلا من وضعها فى جيوب المرضى دون إنصاف أو رحمة.
 
اليوم أروى هذه القصة الحزينة، لأطرح على مسامع القارئ، ومن قبله كل مسؤول فى الدولة، تساؤلات وأفكارا تجول برأسى حول التنمية والتقدم الذى ننشده ونتحدث عنه آناء الليل وأطراف النهار، مع نخبة ترفض دفع ثمن ما تشرب، وكيف لنا أن نتحرك خطوة واحدة للأمام والكل يرى أن الحكومة هى الأب والأم، تعطى فقط، تدعم المياه والكهرباء والغاز، ومجانية التعليم والبنزين والسولار، وتذكرة المترو القطار... إلخ.
 
هل تملك الحكومة رقما للعقارات التى لا تدفع الكهرباء أو المياه فى مصر؟! ولماذا لا تعرف الدولة شيئا عن الشركات التى تخسر على الورق فقط للهروب من سداد مستحقات الضرائب؟ وكم شركة تدفع ضرائب هزيلة لا تناسب %10 من القيم الحقيقية المطلوب دفعها؟ وكم مرة تعلن شركات ومصانع إفلاسها، حتى تسقط ديونها «بحكم القانون»؟، وكيف تظهر تلك الشركات والمصانع مرة أخرى بنفس المعدات وأدوات الإنتاج، ولكن بأسماء مختلفة وشعارات جديدة لخداع الجميع.
لا يمكن أن ننشد نهضة أو تقدم فى وطن نأخذ منه ولا نعطى، نردد شعاراته ولا نقدم له شيئا، نتأثر وننفعل على السوشيال ميديا، ونناضل من خلف الشاشات، دون أن نخاطب الواقع.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة