تناولت فى مقال سابق المشكلات التى تواجه الهيئات الإعلامية الثلاث، وهى الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، والمجلس الأعلى للإعلام، وأكدت ضرورة حل هذه المشكلات حتى يمكن أن نضمن نجاح عمل الهيئات الثلاث كجهات مستقلة ممثلة للمجتمع، ولها سلطات تمكنها من تنظم ومراقبة الأداء الإعلامى، علاوة على ضمان حقوق المواطن الاتصالية وحمايته من تغول احتكارات الإعلام وتوحش بعض مقدمى البرامج.
أول مشكلة هى عدم التوازن فى تكوين المجالس، حيث خلت تقريباً من الأصوات المعارضة التى تنتقد الإعلام المصرى، وتتهمه بأنه أصبح إعلام الصوت الواحد، كما أن اختيار ممثلى نقابة الإعلاميين جاء مخالفاً لنص قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام «قانون إنشاء الهيئات الثلاث» وقانون إنشاء نقابة الإعلاميين، فالنصوص تؤكد أن مجلس إدارة نقابة الإعلاميين يختار من غير أعضائه ممثلين للنقابة فى الهيئات الإعلامية، لكن النقابة لم يتم تشكيلها، ولم تجر انتخابات لمجلسها!!. ومن جانب آخر لم يتم اختيار سيدة صحفية واحدة ضمن الهيئة الوطنية للصحافة.
وأخيرا ظهر عدم التوازن فى استبعاد الشباب من عضوية الهيئات الثلاث، فكل الأعضاء فوق سن الخمسين، على الرغم من أن غالبية الصحفيين والإعلاميين هم من الشباب أقل من أربعين، وهنا قد يرد البعض بأن هذه الهيئات تشترط الخبرة والحكمة، إلى آخر مفردات الخطاب التقليدى عن الشباب والشيوخ.. وأقول إن قانون إنشاء الهيئات الثلاث اشترط خبرة 15 سنة فقط، ما يعنى أن أى صحفى أو إعلامى فى الأربعين من عمره أو أقل قد حقق هذا الشرط.. إذن فلماذا تم استبعاد الشباب.
على أى حال فإن مشكلة عدم التوازن فى التمثيل قد يكون من الصعب إصلاحها، لكن على الأقل فإن استقالة عبدالقادر شهيب من عضوية الهيئة الوطنية للصحافة تفتح الباب أمام احتيار صحفية شابة، ولعل فى ذلك تحقيق لبعض التوازن.
المشكلة الثانية هى كيفية تحقيق الاستقلال المالى والإدارى للهيئات الثلاث، وتحديد العلاقة فيما بينها، حتى يمكنها أن تكون بشكل حقيقى صوت الشعب فى تنظيم الإعلام ومحاسبته بشفافية، وهنا أشير إلى مؤتمر عقدته كليتا الإعلام والقانون بالجامعة البريطانية قبل شهرين، وانتهى إلى مجموعة من التوصيات بشأن إصدار لائحة تنفيذية لقانون إنشاء الهيئات الثلاث تضمن:
أولاً: تحديد المدة التى يتعين على المجلس الأعلى للإعلام إبداء الرأى بشأنها فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال بعمله «مادة رقم 4/1 من قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام».
ثانياً: بيان إجراءات تقديم الإخطار بإنشاء الصحف والبيانات والمستندات المطلوب تقديمها مع الإخطار ومواعيد اعتراض المجلس الأعلى «مادة رقم 4/ 2 من القانون».
ثالثاً: وضع إجراءات وحدود للقروض الداخلية أو الخارجية التى يحصل عليها المجلس الأعلى لتمويل أعماله.
رابعاً: تحديد البيانات الرئيسية التى يتضمنها التقرير السنوى الذى يقدمه المجلس الأعلى لرئيس الجمهورية ومجلس النواب، والمدة التى يتعين عليه تقديم التقرير فيها «مادة رقم 23».
خامساً: الإجراءات الواجب اتباعها من جانب الأمين العام لعقد الاجتماع بناء على طلب ثلث أعضاء المجلس الأعلى وتقاعس الرئيس عن الدعوة، والمدة التى يتعين فيها قيام الأمين العام بتوجيه الدعوة «مادة رقم 10». وجوب تضمين اللائحة ما يتبع حال امتناع الرئيس إصدار قرارات المجلس «مادة رقم 16».
سادساً: تفصيل بعض مقتضيات الأمن القومى التى يتعين التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بها «مادة رقم 3/4».
سابعاً: وضع قواعد تفصيلية للممارسات الاحتكارية.
ثامناً: تحديد عناصر الاستقلال المالى والإدارى للهيئات الثلاث.
سابعاً: التوفيق فى المنازعات وفى ضوء ما نصت عليه المواد: «مادة رقم 5/2» و«مادة رقم 57/18» و«مادة رقم 30/10» من وسيلة التوفيق لفض المنازعات وتسوية المشكلات بين المؤسسات الصحفية والإعلامية، فنرى أن تتضمن اللائحة التنفيذية للقانون الإطار العام المنظم لإجراءات التوفيق.
أعتقد أن هذه التوصيات وغيرها يمكن أن تنص عليها اللائحة التنفيذية التى يجب الإسراع بإصدارها، لأن الهيئات الثلاث جرى تشكيلها وبدأت فى ممارسة عملها من دون لائحة تنفيذية، وهو ما قد يثير مشكلات وصراعات ظهرت للأسف بعد أيام من تشكيل الهيئات، وأخشى أن تتفاقم فى المستقبل.
المشكلة الثالثة والأخيرة تتعلق بكيفية منع تعارض المصالح بين أعضاء الهيئات الثلاث وقيامهم بأدوارها الرقابية، لأن كثيراً من أعضاء الهيئات صحفيين وإعلاميين ناجحون يمارسون المهنة، وبالتالى كيف يتحول كل منهم إلى حكم وخصم، فهو يمارس الإعلام من خلال مؤسسات إعلامية خاصة أو عامة، وفى الوقت نفسه عليه أن يقوم بمراقبتها والتأكد من التزامها بالضوابط ومواثيق الشرف الإعلامى.
والحل ببساطة ومن دون محاولة اختراع العجلة من جديد أن يتفرغ الأعضاء ورؤساء الهيئات لعملهم فى الهيئات، ويتوقفوا عن أداء وظائفهم كإعلاميين وصحفيين لحين انتهاء مده عضويتهم بالهيئات الثلاث، وعلى الهيئات الثلاث أن تعطى لكل منهم أجراً يساوى ما يحصل عليه من عمله الأصلى، كما تضمن لهم الدولة وظائفهم الأصلية.
طبعاً هذا الكلام لن يعجب البعض رغم أن قانون إنشاء الهيئات الثلاث نص عليه بالنسبة لرئيس وأمين كل هيئة، إذن المبدأ معمول به لكنه لا يطبق على الأعضاء، بالرغم من أن قانون إنشاء الهيئات نص على عدم قيام الأعضاء بأى عمل يتعارض مع استقلال المجلس، من دون تحديد أو تفصيل .. وأتصور أنه لابد من التوضيح والتفصيل والنص صراحة على عدم ممارسة الأعضاء للمهنة «مثل رؤساء الهيئات الثلاث» أثناء عضويتهم فى الهيئات، وطبعاً سيكون من حق أى عضو الاختيار بين الاستقالة من عضوية الهيئة والاستمرار فى ممارسة عمله الصحفى أو الإعلامى، أو التضحية بعمله فى الإعلام والتفرغ لممارسة دوره التنظيمى والرقابى.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الاستقلال
الاستقلال