نعيش فى القرن الحادى والعشرين من الزمان، وأخذ الحديث فى هذا الموضوع يأخذ شكلاً آخر، فصارت هناك إعلانات على شاشات الفضائيات تشير إلى أناس بأسمائهم وأرقام هواتفهم يوهمون الناس بأنهم يعالجون من السحر، حتى بلغ الأمر أنهم يعلنون عن قدرتهم على فك السحر فى الحال ورد المطلقة خلال ثمانى ساعات وجلب الحبيب خلال ست ساعات !!
وأعتقد هذا القول هو الوهم بعينه، لأنه بمنتهى البساطة لا يعدو كونه وجهاً جديدا للنصب على الناس بإيهامهم بأمر كاذب بقصد الاستيلاء على أموالهم من خلال اتصالاتهم الهاتفية التى تُحتسب الدقيقة فيها بجنيه ونصف، والغريب فى الأمر أن هناك من يصدق هذه الهراءات حتى يجد نفسه لا يقدم على أمرٍ إلا بعد الاتصال بأحدٍ من هؤلاء ليسّتفتيه فى هذا الأمر فيُفتيه، وتلك حقيقة !!
إذن نحن بصدد وهم يتمثل فيما ورد بالفقرة الأولى، وبصدد حقيقة تتمثل فيما ورد بالفقرة الثانية، وكلاهما واقع نشاهده، ولكن هذا الوهم وتلك الحقيقة ليسا هما مقصدى من هذا المقال، لأن من المفترض علمياً أن الوهم يتبعه سراب وليس حقيقة، فإن تبعه حقيقة، أصبح صُناع تلك الحقيقة على مشارف هاوية الشرك بالله، لأن كلاً منهم سيُنادى هذا الذى يسميه شيّخَهُ فى أى أمر يصيبه بدلاً من أن ينادى ربه الواحد الأحد !!
والسحر المقصود هنا ليس هو سحر الحاوى بالسيرك، وإنما هو تلك الأفعال التى يأتيها بعض السحرة الذين يستخدمون الجن فى إيذاء الآخرين، وهذا هو السحر الأسود، كما أن هناك نوعاً آخر من السحر يستخدمه آخرون بقصد جلب المنفعة كما يعتقدون من وجهة نظرهم الخاطئة، وهو ما يسمى بالسحر الأبيض، وكلاهما يؤثر سلباً على حياة من يتبع هؤلاء السحرة.
ودعونى أقول إن عالم الجن هو عالم آخر موجود من صنع الخالق، خلقهم سبحانه ليعبدوه، ولكن بنى البشر دائماً يتطلعون إلى مزيد من المعرفة، فصار بعضهم يسعى لاختراق هذا العالم لتسخير بعض منهم لتنفيذ أوامره، ونجح البعض منهم فى ذلك، فكانت أعمال الإيذاء كثيرة، وهذا ليس جهلاً كما سيقول البعض، فقد ورد فى القرآن الكريم قوله تعالى "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " صدق الله العظيم ،، الآية 102 سورة البقرة .
وأعتقد الآية الربانية جامعة للأمر برمته شرحاً وإيضاحاً وتفسيراً لهذا السحر جُملةً، فأولئك الناس الذين تعلموا السحر هم تلاميذ الشياطين فى منهجهم، فيتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه، ولكن ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، وأعتقد الأمر يتوقف هنا على درجة إيمان المسحور له، فإن كان ضعيف الإيمان نفذ فيه هذا السحر، وإن كان إيمانه قوياً ما تأثر به.
إذن السحر حقيقة، ولكنها حقيقةٌ معلق تأثيرها على مدى درجة إيمان المرء بربه، وهو أيضاً وهم بالنسبة لضعيف الإيمان الذى يتأذى منه، لأنه أوهم نفسه بقدرة السحرة على الإيذاء ونسى قدرة الخالق على الشفاء إذا كان منغمساً فى اليقين بالله.
وفى الختام، العلاج لكل من يعانى من تلك الأمور، ولكل الأديان، اجعلوا من ترديد (لا إله إلا الله) تسبيحاً لكم، فإنها تسبيحة الأنبياء، فو الله ما خلق هذا الكون إلا من أجل تلك التسبيحة، فإنها اليقين بالتوحيد الذى لم يبعث الأنبياء إلا من أجله، وفوق كل ذى علمٍ عليم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة