اعترافًا بخطورة المرحلة وإدراكًا لما تمر به بلادنا من صعاب خلال حربها مع عدو متلون كالحرباء لا يعلم غير الغدر والخيانة قواعد فى معركته التى اختلق أسبابًا لها كأى مريض نفسى يرى أن أفعاله مبررة بالعقل.. نجتهد ونبحث عن "جانى" يسعى لنشر دماء ضحاياه بفخر وكأنه محارب "شريف" يدافع عن حق أو أرض وعرض وهو لا يمت لأى شرف بصلة فى حقيقة الأمر، والبحث ما زال جاريًا ولن يتوقف إلا بوجود مواطن واعٍ يدرك خطورة المرحلة ليكون الأمن القومى لوطن أعزه الله، وانتصارًا على الإرهاب وأعوانه الذين أصبحوا أشباحًا يهددون الآمنين فى كل بقاع الأرض المحروسة.
وقوفًا على أرض الواقع واستنادًا لما يُعلن رسميًا عن المتهمين فى أحداث الإرهاب سواء بالعمليات الدموية واللا انسانية أو بنشر أفكار ظلامية وهدامة، يمكن الإشارة إلى قواسم مشتركة قد تكون ناقوس خطر يدق على مسامعنا منذ فترة وحان وقت الانتباه والحذر، وبالتأكيد على ضرورة رفض فكرة التعميم فى هذا الأمر، يمكن الإشارة إلى أربعة عوامل تشاركها أغلب القتلة، أولها الفئة العمرية "شباب" واستشهادًا على ذلك نستحضر آخر عمليتين إرهابيتين بكنيستى المرقسية بالإسكندرية ومارجرجس بالغربية، حيث أعلنت الدولة ممثلة فى وزارة الداخلية، أن منفذ حادث التعدى على الكنيسة المرقسية هو المدعو محمود حسن مبارك عبدالله من مواليد 28/9/1986، والمطلوب إلقاء القبض عليهم فى حادث كنيسة مار جرجس أغلبهم من مواليد الثمانينات أو التسعينات.
شبابًا يقررون الانتحار وهم تحت تأثير أفكار شيطانية، حالمين بـ"جنة" كان الحديث عنها معهم مفتاحًا لدخول أى فكر متطرف وإجرامى إلى عقولهم عند تجنيدهم من مجرمين هم جهلة بالدين وبفنون الحياة الإنسانية، شبابًا لم يجدوا كبارًا فى منازلهم يحدثوهم بعقلانية عن وطن ودين، بعد أن توارت القيم والأصول خلف مشقة الحياة وظروفها الصعبة واستسهال الأمور فى كثير من الأحيان بالجلوس فى عالم "افتراضى" أكثر من الجلوس وسط ذويهم، فليس كلامًا مرسلاً عندما نقول أن هناك "غيابًا" للأسرة المصرية عن نفسها، الأب والأم أصبحا لا يجيدان فى كثير من الأحيان متابعة أبنائهم، وهم بعيدًا عن أعينهم حتى وأن استمر الغياب عن المنزل أيامًا أو شهورًا أو ربما سنوات، شبابًا لم يجدوا من يحنوا عليهم من وجهة نظر خاصة بهم، سواء فى منزلهم أو فى الشارع بعد أن أصبح المجتمع فى حاجة لاستعادة الوعى أو "عودة الروح"، كما جاء فى تحذير الأستاذ الكبير توفيق الحكيم عام 1927.
وإن كانت الفئة العمرية قاسمًا مشتركًا بين أغلب من يقومون بالعمليات الإرهابية، فإن العامل الآخر هو "التعليم"، حيث تقع عيناك عند قراءة المعلومات المتوافرة عن أغلب من يقومون بتنفيذ الإرهاب وقتل الأبرياء على نقطة فى غاية الخطورة، وهى أن الأغلب منهم إما "أمى" أو تعليم متوسط، والقليل منهم إما طالب جامعى أو خريج حديث، كما هو مشار إليه فى تفجير الكنيسة البطرسية والمتهم فيها محمود شفيق 22 سنة وطالب جامعى، وأيضًا فى تفجير الكنيسة المرقسية والمتهم فيها "عامل"، وأشارت معلومات الأمن لأن هذا المتهم يرتبط بإحدى البؤر الإرهابية يتولى مسئوليتها الهارب عمرو سعد عباس إبراهيم من مواليد 18/11/1985، وحاصل على دبلوم فنى صناعى.. شباب لم يحظوا بتعليم مناسب ماتوا من أجل غرض شيطانى وهم ينفذون بوعى أو بدون خطط أعداء الوطن والإنسانية، إلا أنهم وضعوا أيديهم على نقطة ضعف شديدة الخطورة فى بلادنا وهى أزمة "التعليم".
لا يمكن لأحد أن يعارض فكرة تطوير المناهج التعليمية وتنقيتها من الكثير الذى لا يتماشى مع العصر أو التحضر، وليست صرخات الكثير من أبناء الوطن هنا وهناك بضرورة تنقية مناهج الأزهر الشريف، الذين أكدوا أن بها ما يحرض على العنف والكراهية بالمخالفة لصحيح الدين الإسلامى، ولسنا فى حاجة لمن يقنعنا بأن المناهج الدراسية لم تعد صالحة فى كثير من الموضوعات لنشأة مواطن واعٍ ومدرك لحقيقة ما حوله، لذا يجب أن يمتلك الوطن سلاحًا ردعًا حقيقيًا، وهو المواطن الواعى وعلى من يتولى الأمر أن يسابق الزمن فى إنجاز مهمة خطيرة مثل تطوير المناهج الدراسية وتنقيتها من سموم تطيح بالعقل، وما أمس الحاجة له خلال حرب مصر ومكافحتها للإرهاب الأسود.
وثالث القواسم المشتركة محل الحديث هنا، يأتى محل الإقامة، حيث تشير كافة المعلومات المتاحة أن الأغلب ممن يقتلون الأبرياء ويقدمون على الانتحار خلال تنفيذ العمليات الإرهابية هم من مواطنى القرى والنجوع "الأرياف"، حيث يغيب التحضر عن هناك وتغيب العقول المستنيرة عن أرض الواقع هناك، وهنا يمكن أن نتذكر مقولة للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، عندما أشار إلى إحدى مشاكل الجمهورية، وهى ما أسماه بترييف المدن وليس تمدين الريف.. الواقع يشير إلى وجود "جوامع" و"زوايا" يلقى فيها كثير من الذين لا يعلمون شيئًا عن الوطنية أو الدين خطبًا أو دروسًا تحمل شروحًا وتوضيحات هى فى الأغلب خاطئة مع غياب للنخبة والمثقفين من أهل هذه القرى والنجوع لها بحثًا عن المدينة وما تحمله من مزايا لهم.
الحديث عن الريف المصرى يجب أن يرتبط به الحديث عن تجديد الخطاب الدينى الذى لم ير المصريون فيه جديدًا غير كلامًا مرسلاً وليس فعلاً على أرض الواقع، كما هو حال أهل النخبة الثقافية والدينية والسياسية الذين فضلوا "الكلام" عن التحرك الفعلى والعملى على الأرض فى مختلف المحافظات، فلم نعد نسمع عن ندوات أو مؤتمرات تعقد من قبل المثقفين والخبراء لتوضيح خطورة المرحلة ودعم الدولة فى حربها، واكتفى البعض بالحديث غير المبرر فى هذه المرحلة عن عدم اهتمام الدولة بهم، أو ينتظر البعض استدعاء الدولة له ليتحرك رغم الاعتراف بأن التعويل على المواجهات الأمنية وحدها ليس كافيًا، ولن يقضى على الجذور الفكرية لبعض الرجعيين والدمويين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة