نعم أفسدوا الفرحة والبهجة، ليس فقط فى طنطا بلد السيد البدوى صاحب المعجزات والكرامات، والإسكندرية عروس الصيف والبحر بل فى مصر كلها التى تتفتح زهورها، للاحتفال بشم النسيم والربيع والأعياد، وأطفأوا الأنوار وجلبوا الأحزان ولوثوا السعف الأخضر بالدماء، وتكرر نفس سيناريو حادث الكنيسة البطرسية، وسطرت دماء الشهداء فصلًا جديدًا فى ملحمة التحدى والإصرار.
(1) الثأر قبل تقديم واجب العزاء:
فى حادث البطرسية لم تمضِ سوى ساعات قليلة، وأعلن رئيس الجمهورية فى جنازة الشهداء، التوصل للجانى الذى فجر نفسه والمشاركين معه، ولم تنَم مصر ليلة ذبح الأقباط على أحد الشواطئ الليبية، إلا بعد أن دكت الطائرات المصرية حصون داعش، العين بالعين والسن بالسن، ولن تهدأ النفوس إلا بعد إنزال أشد العقاب بالإرهابيين، عقابًا بحجم الجريمة وبعدد الشهداء وحجم الدماء، فالشهداء مصريون قبل أن يكونوا مسلمين أو مسيحيين، والإرهاب يختار المسيحيين والكمائن ورجال الشرطة والجيش للمساس بهيبة الدولة، وإثارة الخوف والذعر فى نفوس الناس.
(2) موسم الأعياد موسم التفجيرات!
ورغم اليقظة وحالة التأهب القصوى والاستنفار والاستعداد، تسلل الإرهابيون الذن فجروا كنيسة مار جرجس، فى وقت يشتد فيه الزحام وتصعب المراقبة الكاملة، عمل إرهابى خسيس يكشف صعوبة المواجهة وأهمية الاصطفاف والالتحام، فليس وقت البكاء واجترار الاتهامات، وإنما وحدة الصف والإصرار على استكمال الحرب ضد الإرهاب، حتى يتم تطهير الوطن من دنسهم ورجسهم، وأن يتسلح كل المصريين بالوعى والفهم، وأن يعلموا جيدًا أن استهداف الأقباط هو للضغط على الدولة، وإظهارها فى صورة من يعجز عن حماية مواطنيها، والرد يجب أن يكون عاجلًا وصاعقًا، فالدماء التى تسيل لن تضيع هباء، وهذه الأعمال القذرة لا تراعى حرمة أو دين.
(3) لن نقدم عبارات العزاء التقليدية:
ولن نقول لإخوتنا الأقباط فقط نشاطركم الأحزان، فالمصاب للوطن كله والعزاء لنا ولهم والمواساة فى الشدائد حق وواجب، كما تعلن الكنائس الحداد تعلن المساجد الحداد، ويقف المسلمون كتفًا بكتف مع المسيحيين، يحمون الكنائس ويلاحقون الجناة، فهذا الوطن العظيم نموذج رائع للتسامح والتعاطف والتآزر والالتفاف، مسلمون يذهبون إلى المساجد، وأقباط يذهبون إلى الكنائس ولا فرق بينهم، متساوون فى الحقوق والواحبات، وشهيد وراء شهيد فى معركة الوطن الكبرى، يستشهد محمد وأحمد وعلى وعبدالله على أرض سيناء المقدسة، ويستشهد مينا وبطرس وتريزا فى ساحة مار جرجس بطنطا، دماؤهم واحدة مصدرها الأرض الطيبة وماء النيل، والتعايش الآمن فى الشدائد والأزمات.
(4) ليسوا مسلمينا بل عبدة الشيطان:
تاريخهم ملوث بالماء منذ قتل السفاح ابن ملجم الإمام على، وهو ساجد فى صلاة الفجر، ويردد سبحان ربى الأعلى سبحان ربى الأعلى سبحان ربى الأعلى، وصنعوا الفتن الكبرى التى شقت الأمة شيعًا وأحزابًا، وجاءوا إلى مصر الآمنة من مستنقعات النار والدماء، مسلحين بالمطامع السياسية وإزهاق أرواح الأبرياء، يقطعون الرقاب فى أرض الشام والعراق، ويستبيحون النساء فى أسواق النخاسة فى الموصل والبصرة، ويستهدفون مصر ولاية لغزوهم ووطنًا للخوف والذعر والدماء، ولما استعصت عليهم لجأوا إلى إرهاب الآمنين، وهم يعلمون أن نهايتهم قريبة ولن يفلتوا من عدل الثأر والقصاص.
(5) إنها ضريبة الحرية وثمن البقاء:
أوجعتهم الضربات القاصمة لفلولهم فى جبل الحلال، وأيقنوا أن الدولة والشعب قد عقدوا العزم على إسدال الستار على الإرهاب، فتسللوا كالفئران القذرة التى تثير الفوضى، هروبًا من مصائد نيران جهنم التى تصليهم فى الكهوف والأنفاق، إلى الأماكن الآمنة التى يرتادها الناس فى هدوء وطمأنينة وسلام، يقتلون نساء وأطفال وعجائز يرتلون الدعاء فى الصلاة، فتحولت الترانيم إلى صرخات ألم، تشق عنان السماء وتقدم أرواح الأبرياء ضريبة للحرية وثمنًا للبقاء، ولا تقولوا لماذا الأقباط؟، إنهم يستهدفون الوطن كله ويستخدمون أقذر الوسائل فى تاريخ البشرية، ولكن لمصر وشعبها البقاء، ولهم الخزى والعار والفناء.
(6) توقيت زيارة أمريكا وورقة الأقباط:
أرادوا أن ينالوا من نجاح مصر فى الحصول على دعم وتأييد أمريكا، ومساندتها فى الحرب ضد الإرهاب، فلجأوا إلى عمل أكثر خسة ودناءة من ضرب أطفال سوريا بالغازات السامة، وتصوروا أن أقباط مصر سيحتشدون أمام الكونجرس ضد بلدهم، نعم سيحتشدون تأييدًا لدولتهم وتفويضًا لرئيسها ليستمر فى الحرب ضد الإرهاب، فالأقباط جزء من نسيج الوطن وأمانهم فى أمنه وسلامتهم فى سلامته، ويدركون حجم المؤامرة الكبرى التى تتعرض لها بلادهم، ومضى زمن الوقيعة والتأليب والتحريض.
(7) الأزهر والكنيسة شركاء المحنة:
حكمة فرعونية قديمة تقول إن المصريين فى المحن والشدائد، يصبحون روحًا واحدة فى جسد واحد، وكل المسلمين فى مصر يستنكرون الحادث الجبان، فلسنا أمة مطحونة فى أتون الصراع بين المذاهب والأديان، ونسكن مع إخوتنا نفس البيوت ونجلس على نفس المقاهى، وتربط بيننا أواصر المحبة والوئام، وأول من يتحرك للمشاركة والمواساة هو الأزهر الشريف، قلعة المحبة والتسامح والوسطية والاعتدال، بعلمائه وشيوخه وعلى رأسهم الدكتور أحمد الطيب، الذى يجسد مع الأنبا تاوضروس نموذجًا رائعًا للوحدة الوطنية، فهذه هى مصر يا أعداء الأديان، يحتفل مسلموها بأعياد ومناسبات الأقباط، ويصوم مسيحيوها رمضان مشاركة ومحبة، ولن تزيدها المحن والشدائد إلا عزيمة وإصرارًا.
(8) إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى:
يعلم الأقباط جيدًا أن الألم يعتصر قلبك، وأن الحزن لن ينال من عزيمتك، لتستمر حارسًا أمينًا لكل أبناء الوطن، فأنت من أنقذ البلاد من الانهيار، وأعاد الروح إلى وطن أطبقت على رقبته عصابات السيف والجلاد، فوضك الشعب لإنقاذ البلاد من خطر الإرهاب، وبسقوط كل شهيد يتجدد التفويض لاستمرار الحرب ضد الإرهاب، واثقين أن الشمس سوف تشرق قريبًا على وطن تطهرت ربوعه من أعداء الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة