فيلم "Moon light" هو الفيلم الحاصل على جائزة أحسن فيلم فى جوائز الأوسكار الـ89 وهو الفيلم الذى كان فوزه مفاجئا للبعض ولا أتحدث هنا عن الخطأ الذى وقع فى حفل توزيع الجوائز، لكن على فيلم يتميز بإيقاع هادئ ودراما محسوبة أو لنكن أكثر دقة تبدو وكأنها مكتومة وعلى وشك الانفجار، مثل حال أصحابها الذين ينتمون لأصول "أفرو أمريكان" ويعيشون مهمشين مهما بدا أنهم أصحاب حق والفيلم يفتتح مشاهده الأولى على هذا الطفل الصغير الخائف والمرتعد، والمطارد من زملائه فى المدرسة والذين يجدون فيه هدفا لسخريتهم واعتداءاتهم المتكررة، ولا نفهم السبب هل لأنه مسجون داخل خوفه وهم يرون ذلك ويلمحونه؟ أم لأنه ضعيف البنية بالنسبة لهم 10 دقائق كاملة ونحن نرى الصبى على الشاشة فى حالة صمت إلى أن ينطق كلماته الأولى، التى تشعر من خلالها بالخوف المكتوم داخله وكيف أنه يعيش عالما مغلقا ومتقوقعا على نفسه.. داخل هذا الجسد الصغير والنحيل.. وينقذه رجل أسمر - يجسده ماهرشالار على - ويصطحبه من المكان الذى لجأ إليه ليختبئ فيه، الطفل ينظر بعينين مذعورتين إلى ذلك المنقذ وكأنه يسأله ماذا يريد منه؟ والرجل ينظر للطفل المذعور وكأنه يستعيد تفاصيل من حياته مر بها وكأنها دائرة مغلقة كتب على الملونين ألا يخرجوا منها.
Moon light (2)
ويصور الفيلم وهو من إخراج المخرج الأميركى من أصل أفريقى بارى جنكنز (37 سنة) حصل بالإضافة إلى الجائزة الأولى لأحسن فيلم، على جائزة أحسن سيناريو معد عن أصل أدبى ببراعة شديدة وحساسية ملهمة فى كل مشاهد تفاصيل العلاقة بين هذا الصبى والمنقذ، الذى يأخذ بيده ويعلمه أشياء من الحياة - مشهد البحر وكيف جعله يسبح ولا يخاف من المياه - واحد من أكثر مشاهد الفيلم جماليا ونكتشف من خلال الأحداث أن المنقذ نفسه من يقوم ببيع المخدرات لوالدته ذلك الصبى، وأيضا تفاصيل العلاقة بين الأم والولد والتى تخضع لمزاجية الأم وتوافر المخدرات.. ويرصد شعور هذا الصبى بالوحدة والتعويض الوحيد الذى يجده مع صديقة تاجر المخدرات والتى تمارس أمومتها معه، ويحاول الفتى أن يثبت وجوده فى مجتمع ذكورى لا يعرف إلا الأقوياء، ثم يكتشف أن لديه ميولا جنسية مثلية، يحاول إخفاءها لكنه يعود ليكشف عنها ويتعايش معها بعد أن يصبح شابا.. ويصور الفيلم تلك المشاعر الخفية دون مباشرة، ويبنى المخرج فيلمه عبر مراحل مختلفة فى حياة بطله الصغير "شورين"، الذى نراه طفلا ثم مراهقا يرفض التحرش به من قبل زملائه ويتحول إلى شخص عنيف يدافع عن نفسه، ويضرب من يصرون على إهانته دائما بعنف بالغ فيفصل من المدرسة ويذهب لولاية أخرى ويتحول إلى تاجر مخدرات لتظل الدائرة مفرغة وكأنه صورة لنفس الشاب المنقذ الذى قابله وهو طفل وأنقذه.
وفيلم "moon light" لم يحصل على الأوسكار كأفضل فيلم لأنه انتصر للمثلية أو عالج قضية تقبل الآخر بميوله الجنسية لأن هذا الكلام يحمل رؤية ضيقة - خاصة أن المشهد الذى تناول علاقته بصديقه نُفذ برقة متناهية ولم يكن فجا أو هو محور الأحداث - لأنه ببساطة يعبر عن مجتمع الحرمان والفقر والتهميش الذى تعيش فيه الأقلية السوداء فى الولايات المتحدة.. وأيضا الحرمان أى كان نوعه وعدم التحقق أو كيف تكون مختلفا عن الآخر سواء فى لونك أو ميولك الجنسية والتى بسببها تتحول الي انسان منبوذ.. وأجمل ما فى الفيلم هى نهايته المفتوحة والتى تطرح الكثير من التساؤلات وهل يستمر الواقع كما هو يعيد نفسه أم ثمة أفق للتغيير، تدفع بخيال المشاهد لتخيل بدايات جديدة ونهايات أخرى لم يضعها المخرج حائلا أمام تصوره، ويشارك فى بطولة الفيلم داون ساندرسون واليكس ار هيبرت وجانيل موناى وناعومى هاريس وماهرشالا.
Moon light
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة