9 أيام عاشها محبو السينما وصناعها فى رحاب الدورة الـ 67 لمهرجان برلين السينمائى الدولى (9 فبراير الجارى وحتى 19) ما بين عروض المسابقة الرسمية والتى تنوعت فى موضوعاتها والقضايا التى تناقشها، وأيضا قدمت مجتمعات مختلفة من أوروبا وآسيا وإفريقيا وعروض البانوراما والأقسام الموازية، إضافة إلى المؤتمرات الصحفية وسوق الفيلم.. والمختلف والأهم فى المهرجانات الكبرى هو مشاهدة أحدث إنتاجات السينما العالمية أى كانت جنسيتها وهو الأمر الذى لا يتوفر فى مصر وعدد كبير من دول العالم والتى باتت تعانى حصارا من السينما الأمريكية فى برلين وأنت تلهث من عرض إلى آخر أمامك الفرصة لتشاهد فيلما من السينما الفرنسية وآخر من السينما الفنلندية وثالث من هونج كونج أو الصين وأيضا من الكونغو، ذلك هو سحر السينما التقاء الثقافات المختلفة، فى برلين والمهرجانات الكبرى احتفاء بالنجوم والميجا ستار بالتأكيد ولكن الاهتمام الأكبر ينصب على المخرجين المهمين من كل دول العالم وأصحاب المدارس والاتجاهات السينمائية المختلفة.. وهو ما شهدته الدورة ال 67 لمهرجان برلين السينمائى الدولى والتى حفلت بالعديد من الظواهر أهمها أن قصص الحب كانت هى المحور الرئيسى للعديد من أفلام المسابقة الرسمية_( 18 فيلما)- أفلام المرأة سواء تلك التى تتناول قضايا بطلته امرأة أو وجود المرأة كمبدعة ومخرجة للعديد من الأفلام المشاركة، ومنهم إديكو إنيادى، وسالى بوتر بفيلمها the partyو أنييسكا هولاند بفيلمها spoor والمخرجة جيرندير تشادلها.. صاحبة فيلم Viceroy’s house إضافة إلى نماذج لبطلات يكافحن بأنفسهن كمعيلات لأسرهن أو عاملات مستقلات بحياتهن.
ana mon amour
ana mon amour
felicite
إضافة إلى إعلاء قيمة كل ما هو إنسانى فى القضايا السياسية الكبرى حيث خفتت التوجهات السياسية لقضايا اللاجئين وصار يتم التعامل معها بمنطق انسانى وهو حقهم فى الحياة، بعيدا عن أى تصنيف أو موقف سياسى.. ومن المفارقات التى لا تحدث كثيرا أن معظم الجوائز لهذا العام جاءت متوافقة تماما مع توقعات النقاد ولم تخرج عنها فى معظم الفئات. حيث فاز الفيلم المجرى “عن الجسد والروح” للمخرجة إديكو إنيادى، بجائزة “الدب الذهبى” لأحسن فيلم، واستندت اللجنة فى منحه الجائزة بناء على طرحه لمعالجة رائعة، مشبعة بروح المرح، لموضوع مبتكر يدور حول صعوبة التواصل بين رجل وامرأة يعملان فى مسلخ للحيوانات التى يتم تقطيع لحمها وبيعها لمحلات الجزارة. توج الفيلم الفرنسى " فسليتيه" للمخرج السنغالى الأصل آلان جوميه بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم “الدب الفضي”، وهو الفيلم الذى يصور حياة مغنية وراقصة شعبية فى إحدى حانات كنشاسا عاصمة الكونغو، حصل فيلم "مقتفية الأثر" البولندى للمخرجة "أنييسكا هولاند" على جائزة الدب الفضى (أو جائزة ألفريد باور) وهى جائزة مخصصة للفيلم الذى يفتح آفاقا جديدة فى التعبير السينمائى، جائزة الدب الفضى لأحسن إخراج ذهبت للمخرج الفنلندى "أكى كوريسماكى" صاحب فيلم "الجانب الآخر من الأمل" جائزة أفضل ممثلة حصلت عليها الممثلة الكورية كيم مينهى عن دورها فى الفيلم الكورى "وحيدة على الشاطئ ليلا" للمخرج هونغ سانجسو جائزة أفضل ممثل فقد ذهبت إلى جورج فريدريش عن دوره فى الفيلم الألمانى- النرويجى المشترك "ليال متألقة".
علاقات حب معقدة.. وعنف مكتوم
تتنوع عادة قصص الحب باختلاف الشخصيات والظروف، ولكن يظل الحب فى كثير من الأحيان هو الملجأ والملاذ عن تعب الحياة والعنف الذى بات يحاصر كثير من المجتمعات مهما اختلفت أسباب هذا العنف فى الفيلم المجرى لفيلم المجرىon the body and soul نرى قضية شديدة الإنسانية وتحمل فى نفس الوقت تساؤلات فلسفية، حول الروح والجسد، وهل إذا تحقق الالتقاء الجسدى يأخذ من الروح؟ وكيف لإنسان أن يجد توأم روحه؟ من خلال طرحه لمعالجة رائعة، مشبعة بروح المرح، لموضوع مبتكر يدور حول صعوبة التواصل بين رجل وامرأة يعملان فى مجزر للحيوانات التى يتم تقطيع لحمها وبيعها لمحلات الجزارة.. الفيلم يحمل الكثير من الدلالات على مستوى السرد السينمائى والبصرى فالحس الجمالى فى تكوين وتشكيل الكادرات، وتوزيع الإضاءة ما بين الظلال والنور شديد التميز، كذلك زوايا التصوير والانتقال ما بين الزوايا الواسعة أو الضيقة حسب تطور الأحداث دراميا، والحالة النفسية لأبطال العمل ورغم طبيعة العمل الجافة والمليئة بالدماء والذبح والسلخ، إلا أن الفيلم تدور أحداثه حول الحب من خلال الأحلام المنفصلة التى يحلمها كل من الرجل والمرأة وفيها يجدان نفسيهما معا كغزال وغزالة، يهيمان معا فى الغابة.. وهذا التناقض فى الفيلم هو ما صنع عوالمه المميزة التى صاغتها المخرجة إديكو إنيادى برقة وذكاء والفيلم من بطولة ريكا تينكى وإيرفين ناجى وجيزا مورسانى وأليكساندرا بوربلى.
on the body and soul
on the body and soul
on the body and soul
on the body and soul
on the body and soul
on the body and soul
أما الفيلم الفرنسى “Félicité" للمخرج السنغالى الأصل آلان جوميه والذى حاز على الجائزة الكبرى للجنة التحكيم “الدب الفضى”، وهو الفيلم الذى يصور حياة مغنية وراقصة شعبية تجسد دورها فيرو تشاندا بيا مبوتو فى إحدى حانات كنشاسا عاصمة الكونغو، وصمودها رغم معاناتها وسط مجتمع ذكورى، حيث تكافح من أجل إنقاذ حياة ابنها الذى أصيب فى حادث، ويصور الفيلم مختلف تفاصيل المرأة فى بحثها عن مساعدات مالية فيما يرفض أقرب الناس إليها مد يد العون لها، مثل شقيقها وشقيقتها وغيرهما ممن تنكروا لها بسبب طبيعة العمل الذى تمارسه، ورغم صعوبات الحياة والتى تقف فى مواجهتها بمفردها إلا أن هناك عاشق يتبعها ويطلب منها الزواج ليشاركها فى كل مشاكلها.. وقصة الحب تلك هى النقطة المضيئة فى عالم البطلة الموحش.
أما فى فيلم "ana mon amour" تدور أحداثه عن "توما وآنا"، واللذان يقع أحدهما فى حبّ الآخر أثناء دراستيهما الجامعية قبل أن يقعا نهبا للأمراض النفسية انطلاقا من أسئلة وجودية فلسفية، حيث تبدأ علاقة الحب مع البحث عن الكمال من الآمال والأحلام آنا لديها خلفية عائلة معقدة وتعانى من نوبات خوف ورعب شديدتين الشديد فى نفس الوقت يبدأان فى عزل نفسيهما عن أسرهم وأصدقائهم مع ذكريات الماضى المستمرة والمحرمات العميقة بالمجتمع الرومانى.
ويتناول المخرج الأميركى ستانلى توتشى فى فيلم " Final Portrait تفاصيل من حياة الرسّام والنحّات السويسرى" ألبرتو جياكوميتي" والفيلم يرصد الكثير من تفاصيل حياة الرسام الشخصية والفنية فهو دائما فى حالة عمل سواء نحت تماثيل، أو رسم لوحات وأيضاً فى حالة حب سواء مع صديقته التى تصغره كارولين أو زوجته، وكيف أنه أيضا يتغاضى عن علاقتها بشاب يصغرها يأتيها إلى المنزل أحيانا بل يرتبط معه بصداقة، الفيلم يكشف الكثير من تناقضات حياة ألبرتو والذى لا يستطيع أن يحيا بدون الحب مهم اختلفت أشكال هذا الحب. وهو من إخراج المخرج والممثل الأمريكى ستانلى توسى (من الإنتاج الفرنسى البريطانى المشترك)، ويجسد أدوار البطولة فيه أرمى هامر وكليمنس بويسى إلى جانب الأسترالى جيوفرى راش.
وفى فيلم. Una mujer fantásticaللمخرج الأسبانى سيباستيان ليليو وبطولة دانيلا فيجا وفرانسيسكو ريايز ولويس جنيكو والين كابينهيم وأمبارو نوجيارا، نشاهد قصة حب مختلفة مثلما تحمل الكثير من النعومة تضم ايضا الكثير من العنف وهو الفيلم الذى حصل على جائزة أفضل سيناريو وتدور أحداثه حول شخصية رئيسية هى امرأة عاملة مارينا (تعمل فى مطعم) ترتبط بعلاقة عاطفية مع رجل ثرى يكبرها فى العمر بنحو 30 عاما.
the other side of hope 1
the other side of hope
the other side of hope
una mujer fantastica
una mujer fantastica
وفى اليوم الذى تنتقل فيه للإقامة معه فى شقته الفخمة، وبعد ممارسة الجنس، يموت الرجل نتيجة لانفجار أحد شرايين جسده بسبب ورم، ورغم أنها لم ترتكب أى خطأ يمكن أن تحاسب عليه، ومع هذا، تتحول حياتها إلى جحيم، بعد أن تنقله إلى المستشفى حيث يلفظ أنفاسه وتتعرض لضغوط هائلة وضرب وإهانات من جانب أهله وتحديدا الزوجة السابقة للرجل، وابنه الشاب، وكلاهما يطالبان بالعثور على سيارة المتوفى وشقته، التى يتم طرد مارينا منها، بل ويستولى الابن أيضا على الكلبة التى رافقت مارينا طويلا وأهداها لها الرجل قبل وفاته، وتحيط بمارينا الشكوك والاستجوابات من جانب الشرطة، والتى تصل إلى درجة مهينة، ورغم كل هذا إلا أن مارينا لا تحيد أبدا عن هدفها وهو توديع الرجل الذى أحبها بصدق وأحبته، واسترجاع هديته وهو الكلب. الفيلم رغم العنف إلا أنه ممتلئ بتفاصيل إنسانية شديدة الرهافة.
"يهمنى الإنسان ولو ملوش عنوان"
بعيدا عن النظرة العنصرية للاجئين أو المواقف والتعصبات الحزبية يقدم المخرج الفنلندى المخضرم "آكى كوريسماكى" فيلمه "«the other side of hope »، والذى ينتصر فيه للإنسان وحقه فى الحياة بعيدا عن قوانين اللجوء والهجرة من خلال لاجئ سورى يصل إلى فنلندا، يرفض طلب لجوئه فيضطر للعيش بصورة غير شرعية يواجه صعوبات فى التأقلم مع المعيشة هناك، كما يواجه أشكالا من العنصرية ويتعرض للقتل اكثر من مرة ومن خلال الفيلم لقاء، بين خالد وصاحب مطعم ينفصل عن زوجته المدمنة على الكحول. إلا أنه يتعاطف معه ويأخذه ليعمل عنده ولكن بشكل غير شرعى ليس ذلك فقط بل أنه يلجأ لأحد المزورين الشباب لاستخراج هوية لخالد ليعيش بها ويساعده فى العثور على شقيقته والتى فقدها على الحدود أثناء رحلة الفرار من حلب.. والمخرج المخضرم "كوريسماكى" تعامل مع قضية اللاجئين والتى باتت تزعج كل الدول الاوربية بقدر عال من الإنسانية والسخرية ايضا من تلك المجتمعات التى هرمت وشاخت حيث يؤكد المخرج من خلال الفيلم أننا جميعا متساوون لأننا خلقنا بشر، وأن أيا منا يمكن أن يكون لاجئا فى يوم ما ويأمل "كوريسماكى" أن يغير النظرة إلى اللاجئين فى أوروبا، خصوصا فى ظل تنامى الشعور المعادى للاجئين.
una mujer fantastica
una mujer fantastica
المخرجة اديكو انيادى
المخرجة سالى بوتر
مرزاق علواش
"تحقيق فى الجنة "عن المرأة الملعونة والحور العين
عن المرأة الملعونة فى الدنيا، والمباحة والمستباحة من قبل المجتمع الذكورى والتى تتعرض للعنف والإهانات، فى الحياة وحور العين فى الجنة واللائى من المفترض أن يظفر بهن المسلم Investigating Paradise أو "تحقيق فى الجنة" وهو فيلم تسجيلى بالأبيض والأسود مدته 135 دقيقة ويدور حول تحقيق بالفيديو عن الجنة فى عقول المسلمين وتصوراتهم للحور العين والخمر، وكيف تدور مخيلة الشباب والرجال والنساء حولها ؟ خاصة بعدما استوقفه كيف أن هناك من يتلاعب بمفهوم الجنة ونعيمها ويحاول أن يجعله معبراً للحصول على مآرب أخرى، مثلاً تتم الدعوة للاستشهاد فى سبيل الله مقابل الدخول للجنة، وهكذا نجد الجماعات التكفيرية تلتقط هذا السلاح، لإقناع الشباب بالموت بالحزام الناسف، لدخول الجنة، فالمخرج الجزائرى مرزاق علواش ألتقط الفكرة بذكاء وقرر أن يجعلها نقطة لانطلاق فى فيلمه، وتبدأ الأحداث مع «نجمة» التى تعمل فى صحيفة يومية وتقوم بدورها الممثلة الجزائرية سليمة عبادة، وهى تبدأ تحقيقا جديدا بمساعدة زميلها مصطفى عن الجنة، ولكن ليست أى جنة.. إذ تتركز أسئلتها وبحثها على الجنة التى يقدمها الدعاة السلفيون المتطرفون فى المغرب العربى والشرق الأوسط وأوصافها والتى يتم الترويج لها لإقناع الشباب بالجهاد، والذين يدعون إلى الجهاد من خلال خطب فيديوهات تنتشر الآن على شبكة الإنترنت، وتقرر لاستكشاف هذه الظاهرة. السفر عبر البلاد، لإجراء حوارات ومقابلات مع عدد كبير من الناس بما فى ذلك المثقفين، الشباب والمراهقين وعلماء الدين المستنيرين، لنكتشف أن الجنة اصبحت سلعة، ويروج لها الوهابيون والذين حملهم الفيلم مسئولية العنف والتطرف فى العالم العربى وحملهم أيضا مأساة ماعرف بـ«العشرية السوداء»، فى الجزائر وهم يحظرون فى خطبهم الجنس والمخدرات فى الأرض، لكن فى السماء هناك نساء وخمر، فالفيلم يتعمق فى طرح اسئلة حول مفهوم الجنة والنار، وهل ما سيحدث فى الجنة مثلا حول أن كل شخص ستكون له 72 من الحور العين شىء مادى كما يعتقد بذلك عدد من رجال الدين أم أنها مجازية فى النص الدينى.. وإذا كان للرجل 72 حورية، فما هو نصيب المرأة عندما تدخل الجنة ويدخل المخرج الجزائرى مرزاق علواش بفيلمه منطقة شائكة جديدة وهو المعروف عنه إثارة الجدل دائما فى أفلامه الروائية فما بالك فى فيلمه التسجيلى والذى لا نعرف حقا مصيره من العرض فى الدول العربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة