فى اللعبة السياسية تخسر إن كانت مفاتيح لعبتك محدودة العدد أو الكفاءة، عليك أن تمتلك منها الكثير والمنوع من حيث الشكل أو طريقة الأداء، وإلا ستظل الأبواب مغلقة فى وجهك ولن ينفع معها كتف يمين أو كتف شمال.
الأبواب فى لعبة السياسة، ليس بالضرورة أن تلين كوالينها أمام البدل الرسمية، لكل دولة باب وأكثر يمكنك أن تقفز من خلاله تمرر مصلحتك وتحقق هدفك.
الأبواب الرسمية غالبا مغلقة، وكثيرا معقدة تحتاج إلى أكثر من 6 تكات لكى تفتحها، لهذا تخسر الدولة، أى دولة، إن اكتفت فقط بالمفاتيح الأصلية الرسمية، لأن الكثير من العلاقات بين الدولة والكثير من الأزمات التى تتطلب حلا لا تفلح معها اللقاءات الرسمية ولا المؤتمرات الكبرى، الكثير من الأزمات والكثير من العلاقات يحتاج إلى طرق ودية تفض تشابكها وتمهد للآلة الرسمية طريقا للتحرك دون أن تتعرض للخسارة أو الإحراج الدولى.
الكلام هنا عن رجال دولة لايرتدون زيها الرسمى ولا يحملون من حقائبها الرسمية شيئا، عن رجال بلا مناصب رسمية أو كانوا أصحاب مناصب رسمية فيما مضى، ولكنهم أحيانا ما يخدمون الدولة أكثر مما يستطيع رجالها الرسميون أن يفعلوا، وعلى مدى السنوات السحيقة الماضية كان لمصر كثيرا من هؤلاء لم يغلبهم هوى المصلحة ولم تشوه قلوبهم أحقاد، كانوا على استعداد لدعم الوطن والدولة بعض النظر عن هوية الجالس فى السلطة، تعانى مصر الآن فقدان لهذا النوع من رجال الدولة الذين يعملون يعملون بشكل تطوعى ويجيدون التفرقة بشكل جيد بين الدولة والإدارة الحاكمة.
ما هو مفهوم رجل الدولة؟ ومتى تلجأ لهم الحكومة؟ وهل يعنى لجوء الحكومة إليهم اعترافا صريحا بضعف رجالها غير الرسميين؟.. السؤال الأخير قد يكون بداية جيدة للحديث، خاصة إذا أشرنا إلى أن التوسع فى استخدام رجال الدولة فى مصر قد يعبر عن ظاهرة صحية خلاصتها أن هناك اتفاقا بين الطوائف المختلفة على العمل لصالح الدولة، كما أنه يعنى أن هناك وعيا لدى الإدارة الحاكمة بضرورة الاستفادة من الخبرات، كما أن الكثير من الأزمات أو العلاقات التى تربط مصر بدول مختلفة أو قضايا مختلفة يكون فى حاجة إلى التحرر من القيود الرسمية والدبلوماسية للتعامل معها.
حسنا أقول هذا فى محاولة لعلاج بعض من الفزع الذى زار قلوب الناس وهم يشاهدون أسماء يظنونها معارضة للسلطة وهى تسير فى بعض المواقف والأزمات لمساعدة القيادة السياسية للدولة، أو هؤلاء القادمون من زمن مبارك لتولى حقائب وزارية أو تقديم نصائح استشارية فى بعض الملفات، مثل عمرو موسى أو أبو الغيط أو المصيلحى أو فايز أبو النجا أو حتى بطرس غالى.
فى مصر أسماء مختلفة منها القديم ومنها الجديد كانت مفاتيح مهمة استخدمتها الدولة لحل أزمات معقدة فى الداخل والخارج، قائمة طويلة تضم أسماء قريبة من النظام وأسماء أخرى تقف على النقيض منه، فى القواميس السياسية تعريفا لهذا النوع من رجال الدولة يقول بأنهم أشخاص لهم معرفة عامة ودراية واسعة بشؤون الحكم والسياسة، بحيث يؤدى كلا منهم دورًا قياديًا فى الشؤون العامة، ويرى معظم الناس أن رجال الدولة يهتمون باحتياجاتهم ومصالح بلادهم ككل، وهذا على عكس وجهة نظرهم فى السياسيين أصحاب المناصب الذين يراهم الناس أصحاب أهداف حزبية وسلطوية ومنصبية فقط.
ووصل البعض إلى أن ربط بعض العلماء بين عملية بناء الدولة ووجود رجال دولة، مفسرا ذلك بأن بناء الدولة يحتاج إلى رجال دولة أكثر من الحاجة إلى رجال سياسة، على اعتبار أن رجل الدولة هو ذلك الشخص الذى يمارس القيادة السياسية بحكمة متحررة من الحزبية الضيقة، أما رجل السياسة فهو ذلك الشخص الذى يهتم بالحصول على موقع رسمى فى السلطة.
الواضح من التعريفات السابقة أن قواميس اللغة والعلوم السياسية تقدم صورة إيجابية لرجل الدولة، فيما تقدم صورة ضبابية ببرواز سلبى لرجل السياسة، وهذا يتطابق مع ما سبق وقلناه حول خدمة رجل الدولة للوطن نفسه لا للنظام، وهذا على عكس أدوار رجل السياسة التى تقتصر على خدمة السلطة بغض النظر عن مستقبل الدولة نفسها، والنقطة الأخيرة تمثل الخط الفاصل فى تاريخ رجل الدولة ومدى استقبال المجتمع له، فإن نجح أن ينجو من فخ خدمة السلطة، نجح فى دخول قلوب الناس، وبعيدا عن التعريفات، هناك عدة مقومات لا غنى عنها لكل من تطوع للعب دور رجل الدولة يأتى على رأسها ما يمتلكه من الفطنة والمعلوماتية والوعى بحركة الزمن وبإيقاع العصر، وقدرته على التعامل مع جميع المعطيات بما يساعد بلاده على الاستفادة من علاقاتها الخارجية، ولابد أن يكون على وعى بأنه رجل علاقات، مهمته الأساسية تسويق علاقة بلاده السلمية للعالم أجمع، وأن يعرف أن العوامل المحيطة قد تتحكم به، خاصة وضعية المجتمع، والموقع الجغرافى لبلده.
هذا ما تحتاجه مصر حاليا، نوابا وشخصيات سياسية وإعلاميون وكتاب ومسؤولون سابقون قادرون على تجاوز أى اختلاف فى وجهات النظر وأى خصومة من أجل خدمة هذا الوطن، ومد يد العون للقيادة السياسية الحالية، لتحقيق هدف واحد فقط هو حماية هذه الأرض، وبقاء هذه الدولة وسط زحمة من الفوضى تعصف بالمنطقة ككل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة