هل كانت قضية «الأسلحة الفاسدة» أكذوبة أم حقيقة؟
هى لغز كبير فى تاريخ مصر بعد حرب 1948، التى انتهت بهزيمة الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية، وتأسيس دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين، والقضية يلخصها الدكتور حسين حسنى السكرتير الخاص للملك فاروق فى مذكراته «سنوات مع الملك فاروق» «دار الشروق–القاهرة»: «بدأ يشتد اللغط بين الناس، وتروى القصص عن ألوان عديدة من الحوادث التى تعرض أفراد كثيرون لها من المحاربين بسبب فساد بعض أنواع من الأسلحة والذخائر التى كان الجيش المصرى يتلقاها أثناء القتال، مما أدى إلى ظهور حركة بين الضباط الشبان من الساخطين على الأوضاع التى أدت إلى الكوارث المفاجئة التى كانت تنزل بهم، فتودى بحياة البعض أو تطيح بأطراف أو بأجزاء من أبدان البعض الآخر من الزملاء ورفاق السلاح أمام أعين الجميع، وساد الاعتقاد بأن السبب يرجع إلى سوء تصرفات وسوء نوايا المشرفين على الجيش وفى مقدمتهم الملك وأعوانه، ممن كانوا يسيطرون على وسائل توريد السلاح ومعدات القتال إلى الجيش».
فجر الكاتب الصحفى إحسان عبد القدوس القضية على صفحات مجلة روز اليوسف، وطبقا لـ«لطيفة سالم» فى كتابها «فاروق الأول وعرش مصر» «دار الشروق-القاهرة»: «دلل عليها بوثائقه وتورط الحاشية الملكية فيها»، فتقدم حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة ببلاغ إلى النائب العام للتحقيق، وتم ذلك بإذن من الملك، وامتد التحقيق إلى جميع نفقات حملة فلسطين وصفقات الطائرات والذخائر وسلاح البحرية»، وأثناء التحقيقات تم إبعاد حيدر باشا عن منصبه، وعثمان المهدى باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش، وأحيل اثنا عشر من الضباط وقائد البحرية إلى المعاش.
وانتهى التحقيق إلى قرار النائب العام بحفظ التحقيقات فى القضية يوم 28 مارس «مثل هذا اليوم» 1951، وكان رد فعل الملك نحو رجال حاشيته المتهمين «الإنعام عليهم بأوسمة ونياشين»، وحسب لطيفة سالم: «وصف القائم بالأعمال البريطانى فى مصر هذا التصرف بالجنون السياسى»، ولم يكتف الملك بذلك، وإنما حسب تأكيد «حسنى»: «طلب من رئيس الحكومة «النحاس باشا» الاعتذار عما كانت النيابة سببا فى إحداثه من المضايقات لبعض رجال الحاشية، فأجاب الطلب بإصدار تصريح نشرته الصحف فى 31 مارس يعتذر فيه للمقام «السامى» عما جرى من تحقيقات مع بعض رجال الحاشية».
بعد ثورة 23 يوليو 1952 تم فتح التحقيق من جديد فى القضية ولم تثبت التهمة على أحد، غير أن لطيفة سالم تقدم الرأى الآخر بقولها: «الظروف والملابسات تثبت أن فاروقا قام بدور فى مسألة هذه الأسلحة، فلجنة متطلبات الجيش أسندت رئاستها إلى اللواء إبراهيم المسيرى، صهر عمر فتحى كبير الياوران وخالفت قواعد مشترى الأسلحة، وتعاملت مع الكثير من الوكلاء، ومن بينهم عبد اللطيف أبو رجيلة - تاجر سودانى المنشأ إيطالى الجنسية - ومعاملاته مع إيطاليا، وجهلان - مندوب مشتريات الملك - وكيل الشركة البلجيكية، والنبيل عباس حليم–ابن عم الملك–وكيل شركة أورليكون السويسرية، وتبين أن عقد الشراء للصفقة من ورقة واحدة فقط لا تفاصيل فيها ولا بيانات أو اشتراطات أو جزاءات، وفى ذلك الوقت كان لفاروق حساب ضخم فى إيطاليا، وعندما أراد التحويل إلى سويسرا، وحدثت صعوبات، تهيأت الفرصة لشراء الأسلحة من إيطاليا، وبالتالى تم التحويل المالى الملكى».
تضيف «سالم»: «حينما فتح جهلان الخزانة الموجودة بإحدى غرف القصر أمام النيابة عثر على شيكات عرف من أرقامها عن طريق البنك، بأن الملك له يد فى أموال حملة فلسطين، وأنه استولى على سمسرة توريد من شركة الأسلحة البلجيكية، كما عثر على حساب باسم جهلان –ومعروف أنه لصالح فاروق كما اعتاد على ذلك–بالبنك البلجيكى، وتبين أنه فتح فى 15 سبتمبر 1948، وهو اليوم الذى تم فيه شراء مدافع للحرب من الشركة البلجيكية، ومما هو جدير بالذكر أن الصفقات المالية لفاروق لم تكن صراحة باسمه، وإنما بأسماء المقربين إليه من الحاشية، وكانت الأسلحة التى حصلت عليها مصر من مخلفات الحرب، وبالطبع لم تكن فى حالة جيدة، وحتى يخفى الدليل، وعن طريق القصر، اشتعل الحريق فى مخازن الذخيرة بالقلعة، وهو المكان الذى وضعت فيع بقايا أسلحة حرب فلسطين، كى تمحى آثار الجريمة، وبالتالى لا يحتاج المرء إلى تحقيق نيابة أو تقرير خبراء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة