تبادل الزيارات بين زعماء الدول، ليست مجرد لحظات دبلوماسية ولقطات تلتقطها الكاميرات فحسب، وبين مصر وأمريكا تاريخ طويل من العلاقات، مر بمنحنيات عده صعودًا وهبوطًا على مدار الـ60 عامًا الماضية، هذا التاريخ يمكنك إدراكه بنظرة عابرة على زيارات الرؤساء المصريين لأمريكا منذ ثورة 23 يوليو 1952 حتى ثورة 30 يونيو 2013.
فمنذ 60 عامًا، وبالتحديد فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، كانت العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى أدنى مستوياتها، حيث لم تطأ قط قدم الزعيم الراحل عبدالناصر أرض الولايات المتحدة بعد أن رفض وصايتها عليه فى حكمه، واقتصرت الزيارات على مستوى وزراء الخارجية فقط وما دون ذلك.
وكانت بداية اضطراب العلاقات المصرية الأمريكية فى عهد عبدالناصر منذ لقائه بوزير الخارجية الأمريكى جون فوستر دالاس، عام 1953، والذى وصفته الأوساط بأنه كان لقاءً عاصفًا منذ اللحظة الأولى، حيث كان يريد زعيم الثورة المصرية تعاونًا قائمًا على الندية والاحترام المتبادل، ودالاس يريد إدخال مصر فى حلف ضد الاتحاد السوفيتى.
وقدم عبدالناصر أسباب رفضه للعرض الأمريكى، والتى كان فى مقدمتها أن الاتحاد السوفيتى لم يقدم على أى خطوة أو إجراء عدوانى ضد مصر، كما أن الشيوعية ليست خطرًا على الشعب المصرى لأن الشعب المصرى عميق التدين.
وهكذا فشلت أولى محاولات أمريكا فى استمالة مصر لجانبها لتبدأ مرحلة من العداء الأمريكى التى تصاعدت شيئًا فشيئًا، وحملت محطات عديدة خلال حكم الرئيس عبدالناصر مرورًا بالعدوان الثلاثى وحتى نكسة 5 يونيو 1967 والاحتلال الإسرائيلى ووفاة الزعيم الثورى الذى تصدى لرغبات الولايات المتحدة فى السيطرة على الدول الكبرى ذات المكانة الاستراتيجية.
ومن النقيض إلى النقيض تحولت العلاقات المصرية الأمريكية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذى انتهج سياسة مختلفة عن سلفه تجاه واشنطن قائمة على الانفتاح، والتى ازدادت قوتها بعد أن رعت واشنطن مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل، والتى انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.
وكشفت زيارة أنور السادات لأمريكا قبل أن يتولى الرئاسة مدى ميله للمعسكر الأمريكى على خلاف سياسة عبدالناصر، حيث قام السادات بزيارة لأمريكا فى فبراير 1966، بصفته رئيس مجلس الأمة آنذاك، تلك الزيارة التى استمرت 10 أيام، وكانت الزيارة فى واشنطن ونيويورك ثم كاليفورينا، التقى خلالها بالرئيس الأمريكى، ووزير خارجية أمريكا، والمستر ماكورماك، رئيس مجلس النواب الأمريكى، ورؤساء اللجان البرلمانية.
وخلال فترة حكمة القصيرة زار السادات أمريكا عدة مرات كان أولها فى أكتوبر 1975 فى أعقاب انتصارات أكتوبر 1973، لبحث تطورات الأزمة ودعم التعاون بين البلدين، وإمداد مصر بالأسلحة الأمريكية المتقدمة، كما ألقى الرئيس المصرى فى نوفمبر 1975 خطابًا أمام الكونجرس الأمريكى حول الأزمة فى الشرق الأوسط، وفى إبريل 1977 كانت بداية المباحثات بين السادات والرئيس الأمريكى جيمى كارتر فى واشنطن حول أزمة الشرق الأوسط.
إلى أن جاءت زيارة السادات التاريخية إلى أمريكا فى عام 1978 من أجل التفاوض لاسترداد الأرض، وتحقيق السلام كمطلب شرعى لكل دولة، وخلال هذه الرحلة وقع اتفاقية السلام فى كامب ديفيد، برعاية الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، وقد وقع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل مع كل من كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحيم بيجن، عام 1979 والتى عملت إسرائيل على إثرها على إرجاع الأراضى المصرية المحتلة إلى مصر.
وبعد اغتيال الرئيس السادات خلال العرض العسكرى لانتصارات أكتوبر فى 1981، وتولى الرئيس محمد حسنى مبارك لم تختلف العلاقات كثيرًا، فعلى مدار 30 عامًا، حكم مبارك، سارت العلاقات بين القاهرة وواشنطن على نفس النهج وتوالت الزيارات بنفس الوتيرة.
ومع استقرار العلاقات بين الجانبين تحولت زيارة الرئيس مبارك إلى العاصمة الأمريكية واشنطن كعادة سنوية لم ينقطع عنها، خاصة أن مصر أصبحت شريكة للولايات المتحدة فى قضايا المنطقة، خاصة فى القضية الفلسطينية، ويعتبر العام 2002 مثالًا على ذلك والذى شهد قمتين بين مصر وأمريكا إحداهما فى شهر مارس والأخرى فى بداية يونيو من العام نفسه، على خلفية تصعيد العدوان الإسرائيلى تجاه الشعب الفلسطينى وتأزم عملية السلام.
إلا أن العلاقات مرت بمنحنى منخفض فى عهد الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن، أدى إلى انقطاع مبارك عن عادته السنوية، وكان ذلك بعد زيارته الشهيرة لمزرعة الرئيس بوش فى كروافورد بولاية تكساس عام 2004، والتى قيل إنها شهدت سجالًا حاد بين الطرفين حول التطور الديمقراطى فى مصر، وملف الانتخابات وقضايا حقوق الإنسان وهو ما اعتبرته القاهرة تدخلًا فى شؤونها وعبرت عن رفضها له بشدة. إلى أن جاء باراك أوباما فى 2008 والذى اختار جامعة القاهرة ليوجه منها خطابًا للعالم الإسلامى لينهى بذلك قطيعة دامت سنوات، ويقوم مبارك فى أعقابها بآخر زيارتين فى عهده لواشنطن، كانت الأولى فى أغسطس 2009 لبحث التوتر الذى كانت تشهده منطقة الشرق الأوسط فى فلسطين ولبنان وسوريا والخطر الإيرانى، ثم فى سبتمبر 2010 حيث شارك مبارك مع نظيره الأردنى الملك عبدالله الثانى، والفلسطينى محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، فى المحادثات التى استضافها البيت الأبيض بقيادة أوباما لحل القضية الفلسطينية.
وفور قيام ثورة 25 يناير 2011 تحول موقف واشنطن حيث تخلى البيت الأبيض عن حليفه مبارك، وبدأت مرحلة جديدة من دعم الحكم الإسلامى فى مصر ودفع الإخوان المسلمين للوصول للرئاسة، ولم يتمكن الرئيس الإخوانى محمد مرسى من زيارة واشنطن، حيث لم تدم فترة حكمه سوى عام واحد وثار عليه الشعب المصرى مجددًا دفاعًا عن هويته التى حاول الإخوان تغييرها، إلا أنه حضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك.
وتحول الدعم الأمريكى للإخوان إلى حالة عداء تجاه الشعب المصرى عقب ثورة 30 يونيو، التى أطاحت بالجماعة الإرهابية وأجهضت مخطط واشنطن، حيث عاقبت الإدارة الأمريكية مصر على ثورتها بقطع المعونات العسكرية وتوتر فى العلاقات دام خلال السنوات الماضية، ولم يزر الرئيس عبدالفتاح السيسى واشنطن خلال السنوات الأخيرة لعهد أوباما، إلا أن نيويورك شهدت فى سبتمبر 2014 عقد قمة بينهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
واليوم تقف العلاقات الأمريكية المصرية أمام منحنى جديد يؤشر على عودة التعاون بين البلدين إلى سابق عهده، بعد أن غادر أوباما البيت الأبيض ململمًا خيبة الرجاء، بعد فشل مخططه بإقامة حكم إسلامى فى دول المنطقة العربية، وجاء دونالد ترامب الذى يحاول ترميم ما أصاب العلاقات بين مصر وأمريكا خلال السنوات الست الماضية، لتشهد واشنطن خلال أيام أول قمة بين الرئيس السيسى وترامب فى فتح صفحة جديدة من العلاقات.
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد أبراهيم
المشكلة مع مرسي أنه كان حكم اسلامي
هل لهذا تامر عليه الجميع لأنه كان يريد تغيير الهوية المصرية الي هوية أسلامية؟ لو كان ذلك هو السبب فلا عجب أن الله يعاقبنا الأن من انهيار أقتصادي و غلاء معيشي لم يسبق له مثيل و من فشل الي أخر.