الضربات المتتالية التى توجهها الرقابة الإدارية فى قضايا الفساد، تؤكد الحاجة الملحة إلى ثورة تشريعية، تسد الثغرات وتمنع الفساد من المنبع، فما يتم اكتشافه قد لا يشكل إلا نسبة قليلة وما خفى كان أعظم، والأمر الغريب هو الجرأة والبجاحة وعدم الخوف، واتباع نفس الأساليب القديمة فى الرشوة، ولا يفكر هؤلاء فى عيون الرقابة التى تتابعهم وترصد تحركاتهم، ولا فى لحظات السقوط المدوى، ولا فى العبر والدروس من سابقيهم، وأشهرهم وزير الزراعة الأسبق، الذى خرج من الوزارة مباشرة إلى طرة، انتظارا لمصير أسود، بعد أن كان صاحب منصب يتودد له الجميع.
الناس جميعا يعلمون أن هناك جنة وناراً وحساباً وعقاباً وموتاً حتمياً لا يفر منه أحد، ورغم ذلك لا يفكر أحد فى لحظة أن يغلق عليه القبر المظلم المخيف، تماما مثلما لم يفكروا أنه سيأتى يوم تغلق عليهم أبواب الزنازين، فتمتلئ الأرض والسماء بدموع الندم وقت لا ينفع ندم ولا تجدى توبة، لقد تصور الفاسدون أن «الكفن له جيوب» فأخذوا يملأونها بالمال الحرام الذى يمنحهم القوة فى الدنيا، فلم يعطهم إلا عاراً فى الدنيا، وحساباً عسيراً فى الآخرة، هل سيذهبون بما نهبوه إلى القبر؟ هل يستمتعون به فى زنازين طرة؟ هل تساوى الدنيا كلها الحبس والسجن والبهدلة؟ لو كانوا يعلمون مصيرهم، هل ارتكبوا نفس الجرائم؟ المشكلة أن لا أحد كان يفكر فى المصير.. الكل كان مطمئنا و«حاطط فى بطنه بطيخة صيفى».
أتعجب لرجال أعمال ومسؤولين سابقين، تسلحوا بالغباء والعناد وهم يُحاكمون الآن فى قضايا فساد، ويعضون بالنواجز على المال الحرام التى جنوه باستغلال النفوذ وتسخير السلطة، ولا يبادرون بالتصالح وإبراء ذمتهم وضميرهم ورد الأموال المشبوهة للدولة، حتى يريحوا ويستريحوا ويعيشوا فى هدوء وسلام، ويغلقوا ملفاتهم السوداء ويعودوا إلى الحياة من جديد، لكنهم يصرون على المناورة والمماطلة والتلاعب أمام المحاكم.
مصر ليس فيها رجل أعمال أو مستثمر ولد وفى فمه ملعقة من ذهب، ولحم كتافهم من خير البلد ولها فى رقبتهم ألف دين ودين، وجاء وقت المساندة ورد الجميل، ووقف الفساد بكل صوره وأشكاله، ابتداءً من العبث بالدولار، حتى التلاعب فى الأسعار والاحتكار، لتكتمل منظومة المواجهة، وحتى يحدث ذلك لا نملك إلا أن نشد على أيدى رجال الرقابة الإدارية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة