* الدول الكبرى قادرة على تزييف الحقائق وقلب الوقائع من خلال سيطرتها المالية على الإعلام
نحن لم نفقد الثقة فى الإعلام، بل فقدنا الأمل. حتى أن البعض يقسم بأن شاشة التليفزيون هى المسيخ الدجال، فهى تدعو الناس للباطل طوال الوقت وتنشر الأكاذيب والفتن وبعين واحدة. فكيف نثق فى المسيخ الدجال أو نأمل فى توبة أو هداية. المعضلة قديمة وفى كل دول العالم. تصور مثلًا أن إنجلترا أثناء احتلالها للهند «1858 : 1947» خدعت العالم كله بالإعلام وأقنعته أن الهند أرض جرداء بلا سكان.
رغم أن تعداد الهند وقتها كان حوالى 100 مليون نسمة، وتمتلك حضارة معمارية ودينية وفلسفية أعظم وأطول من الحضارة الأوروبية بمئات السنوات. إلا أن الإعلام استطاع أن يقنع العالم لمائة سنة أن الهند أرض خلاء بلا صاحب مجرد قبائل متبعثرة وسكان أشبه بإنسان الغاب طويل الناب. فكان كبار الصحفيين والكتاب الأوربيين والبريطانيين يكتبون مقالات مثيرة عن زياراتهم للهند بلا أى إشارة لسكانها المحليين وكأنهم أرواح وأشباح لا ترى.
وعظماء الرسامين والمصورين كانوا يذهبون للهند ويعودون بصور خلابة للطبيعة أو للمجتمع الإنجليزى والأوروبى وبلا أى ملامح للمائة مليون بنى آدم هندى. وفى نفس الفترة تقريبًا خدع الإعلام البشرية كلها ونشر أسوأ عادة عرفتها الإنسانية «التدخين»، فالسجائر لم تعرف هذا الرواج المذهل إلا بعد أن قامت إحدى كبرى الشركات بعمل حملات إعلامية مكثفة وضخمة.
كتب فيها الأطباء مقالات يؤكدون فيها أن السجائر من أفضل المنشطات الجنسية وتزيد من نسبة المناعة، وتحسن من عمل كل أعضاء الجسم. وساهمت شركات السجائر فى إنتاج مئات الأفلام العظيمة لمشاهير هوليود ليظهر البطل والسيجارة لا تفارق يده وكأنها سر قوته وذكائه وجاذبيته للنساء. ومن بعد ذلك انتشرت السجائر وكسبت المصانع وتربح الإعلام ويموت الملايين من التدخين كل عام.
لذلك حينما نتحدث عن سقطات الإعلام الآن فإننا لا نتكلم عن شيخ فقد إيمانه أو عن شريف ضل طريقه. بالعكس تمامًا نحن نتكلم عن شيخ منصر نحاول تأديبه أو فاسد نلقنه بعض النصائح. وأسوأ ما أصاب الإعلام منذ مولده هو وقوعه تحت سيطرة السلطة ورأس المال لذلك تسعى كل الدول المحترمة لتخليص الإعلام من هذا الميراث القاتل. فلا تنتظر من حكومة أن تلعن مساوئها ولا تنتظر من رأس مال أن يبحث عن مصالح الناس ويهمل حساباته. لذلك فلا بديل من التخلص من هذه السيطرة للوصول إلى إعلام حقيقى وموضوعى وهو حل على سهولة فهمه يصعب فعله.
فحجم المليارات التى تضخ فى الإعلام كفيلة بإغراق ضمائر كل البشر وسيطرة الدولة على الإعلام أصبحت من بديهيات العمل السياسى فى معظم دول العالم. إلا بعض الدول المحترمة والتى تعتمد على الديمقراطية الواضحة فى إدارة شؤونها «السويد/ اليابان/النمسا/ ألمانيا». وللأسف الدول الكبرى غير محترمة تمامًا فى التعامل مع الإعلام. فرغم أنها تترك أبواب النقد مفتوحة على مصراعيها ويحصل العاملون فى الإعلام على حرية كاملة فى تناول أى موضوع.
إلا أن سيطرتها المالية قادرة على تزييف الحقائق وقلب الوقائع. أما الدول النامية فلها أساليب أخرى لتشويه الإعلام لصالحها، فغالبًا ما تستغل القوانين وقبضتها الأمنية للسيطرة على التوجهات الإعلامية المعارضة، بينما تمنح مؤيديها الرضا والقوة والانتشار. ولكن الجديد أن تتاجر بعض الدول فى الإعلام وتتكسب منه إعلانيًا ولو بسلطتها. فتمنح شعبها إعلامًا ساذجًا يشجع على التسطح وينسيهم مشاكلهم وقضاياهم الفعلية. ولكن الحقيقة المرة التى يجب أن نعترف بها جميعًا أن الشعوب والأفراد عليها دور كبير.
فهم الذين يجلسون أمام هذه الفضائيات وينشغلون بهذا العبث أو يطالعون الصحف ويهتمون بهذه التفاهات. فعلى كل فرد وشعب أن يختار فإما أن يحوله الإعلام إلى مجتمع يسعى للحصول على حقوقه ويفهم دوره، أو أن يصبح مثل بط الفلاحين ينتظر فضلات البيت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة