لا يشغلنى هنا إن كان السيد الدكتور «أحمد عماد»، وزير الصحة، قد تراجع عن تصريحه المشين بحق مجانية التعليم والصحة أم لا، وفى الحقيقة أنا لا أعترف بالتراجع المخجل، الذى ارتكبه الوزير، بل أعده ذنبا إضافيا لذنوب الوزير الكبيرة، ففرق كبير بين أن يعترف أحد بالخطأ عن قناعة واقتناع، وأن يتحول بين ليلة وضحاها من النقيض إلى النقيض، دون أن يقدم لنا أسباب اعتناقه لرأيه أو أسباب تخليه عنه.
قال الوزير فى لحظة من لحظات التجلى والعنترية: إن الرئيس الراحل عبدالناصر وقراره بمجانية التعليم والعلاج هو السبب فى تدنى مستوى الخدمة الصحية والتعليمية فى مصر، وحينما نالت منه سهام النقد تراجع تراجعا مزريا ليصدر بيانا قال فيه كلاما من نوعية «عبدالناصر أحسن ناس»، و«يعيش الزعيم الخالد.. يا يعيش.. يا يعيش.. يا يعيش»، وأنى وإن كنت ضد تصريح الوزير الأول للأسباب التى سأذكرها لاحقا، فإنى أيضا ضد بيان الوزير الاعتذارى، وذلك لأنه يدلنا على أن أحد أهم وزراء مصر لا يقدر قيمة الكلمة ولا ينطق بما يعتقد، ولو كان الوزير يعتقد فعلا أن مجانية العلاج التى سنها عبدالناصر هى سبب كل الكوارث الصحية فى مصر، فكان من الواجب عليه أن يتشبث برأيه، وأن يدافع عنه، وأن يشرحه للناس لعلهم يقتنعون، وسأذكرك هنا بتصريح مشابه صدر من وزير سابق هو الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، الذى أدلى ذات يوم بتصريح عن الحجاب، فهاجت الدنيا وماجت، وحينما طالبه مجلس الشعب بالاعتذار أبى، ووضع استقالته فى وجه الجميع، فتراجع الجميع وصمد هو على موقفه، فاستحق كل احترام، وتقدير حتى لو اختلفت مع رأيه.
أعود هنا إلى ما قاله الوزير حول مجانية العلاج المزعومة، وأؤكد لك عن تجربة شخصية خضتها بكل تفاصيلها المؤلمة أن العلاج فى المستشفيات الحكومية بمصر ليس مجانيا على الإطلاق، فالمرضى يتحملون جميع تكاليف العمليات الجراحية التى يجرونها، ولا تتحمل «الحكومة» سوى ثمن إيجار السرير المتهالك ونظافة العنابر القاتلة الموبوءة، وأجور الأطباء المهملين، وهى تكاليف سبق ودفعها المواطن كضرائب، والنتيجة بلا مبالغة هى أن الداخل إلى مستشفيات الحكومة لا يحصل على علاج مجانى بل على موت مجانى، ومن باب أولى أن يهتم الوزير الطبيب الذى كان يشغل منصب عميد كلية طب عين شمس، قبل أن يصبح وزيرا برفع مستوى مستشفياته وأطبائه بدلا من إطلاق التصريحات الفارغة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة