نلتمس من الواقع الذى نعيشه طرقا جديدة ونقتبس من حياة الحيوانات وسائل لخلق الحياة من جديد وحل المشكلات التى تواجهنا، خاصة إن هذه الوسائل التقليدية التى ننقلها من الطبيعة أفضل كثيرا من التقنيات الحديثة التى توصلنا لها وأتبعنا منهجها، ففى تجربة إنسانية لم تمر علينا من قبل تطوعت سيدة لتبنى فكرة جديدة فى رعاية طفلها المولود قبل ميعاده مثل الكانجرو بوضعه تحت ملابسها وملامسة جسدها لجسمه الضئيل طوال اليوم لمدة شهور حتى يكتسب الوزن الطبيعى ويكمل ما ينقصه، وبالفعل نجحت طريقتها بعد أن فشلت الحضانات فى مساعدة طفلها الأول فى البقاء على قيد الحياة.
بدأت القصة وفقا لما نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، عندما حملت كارميلا توريس فى سن الـ18 سنة لأول مرة، وذلك من زوجها الحالى بابلو، وكانوا من كولومبيا، حيث رفض والدها فى ذلك الوقت حمل ابنته لصغر سنها ولعلاقتها التى لم تحدد جديتها بعد مع بابلو، لذلك سافرت مع زوجها بحثا عن الحرية والحياة الجديدة فى بوجوتا العاصمة، وبشكل مفاجئ بدأت الانقباضات الحادة تأتى لها، على الرغم من أنه ما زال متبقيا أكثر من شهرين على موعد ولادتها، وذهب مع زوجها للمستشفى لتضع أول مولود لها وكان يزن 1.650 جرام.
لم يتثن لكارميلا أن تحمل طفلها الرضيع، لأنه تم حجزه فى حاضنة لحديثى الولادة لتلقى رعاية مركزة لحالته، وذهبت لمنزلها تاركة الطفل دون أن تلمسه ومع الزيارة التالية أخبرتها المستشفى بموت طفلها الذى لم تسميه بعد، وذلك فى اليوم الثالث من ولادته.
المولود حديثى الولادة
وعانت الأم من حالة اكتئاب ولكن مر عقد من الزمن لتكون جاهزة للحمل مرة أخرى، وكانت متزوجة فى ذلك الوقت وعادت للتحدث مع والدها مرة أخرى، وقبل شهرين تكررت القصة مرة أخرى ووضعت طفلها جوليان وخافت الوالدة من تكرار التجربة بكل مرارتها، خاصة أنه كان يزن نفس وزن الطفل الأول وتم حجزه فى الحاضنة، ولكن عرض الأطباء على كارميلا طريقة الأم الكانجرو لرعاية طفلها، وأخذت الطفل معها وهى تشعر ببصيص أمل من نهاية نفق معتم، لأنها كانت تفضل أى شىء عن ترك طفلها فى الحاضنة منتظرة خبر وفاته.
فى هذا اليوم تعلمت توريس كيف تحمل طفلها تحت ملابسها، وبالتحديد بين ثدييها مع المحافظة على تلقيه الهواء بسلاسة، وتعلمت أيضا ما هى نوعية الألياف التى ستكون ملائمة لوضع طفلها بداخلها، فكان عليها أن تكون على اتصال جسمانى به مباشر طول الوقت، وتعلمت كيف ترضعه وتنام على ظهرها وألا تحممه لأن ذلك قد يضيع طاقته المهمة جدا.
الطفل جوليان مع والدتها
وربما جاءت فكرة الكانجرو من تشابه مع الإنسان فى أن طفله يكون صغير جدا فى الحجم عند ولادته مثل حبة الفول ويكون غير ناضج، وجوليان كان صغير وضعيف جدا، وتقول كارميلا إن رضاعة الطفل لم تكن سهلة ولكنها تلقت الكثير من المساعدة، وفى البداية تم إعطاؤها رقم تليفون للتحدث معهم فى أى وقت وكانت تذهب دوريا فى مواعيد للمتابعة.
وعادت كارميلا للمستشفى عند إصابة طفلها بعدوى فى الحبل السرى، وكذلك للعلاج الضوئى بسبب إصابته بالصفراء، ولكن على كل حال ظلت تحمله لشهر كامل على مدار الـ24 ساعة يوميا، بتداول النوبات مع زوجها، إلى أن وصل للوزن المستهدف وهو 2.5 كيلو جرام، وحينها لم يعد يحتاج لهذه الرعاية أكثر من ذلك وحصل أخيرا على أول استحمام له.
مشاركة الوالد فى رعاية الكانجرو
يعد صاحب هذه الفكرة الدكتور إدجار رى طبيب النساء والتوليد الكولومبى، الذى قدم طريقة الأم الكانجرو (KMC) فى عام 1978 لأول مرة ثم تبناها المركز الذى كانت تتعالج فيه كارميلا، وجاءت هذه الفكرة فى إطار الزحام على الحضانات وارتفاع نسبة العدوى بسبب استخدام ثلاثة أطفال لحاضنة واحدة فى نفس الوقت، وبالتالى كانت معدلات الوفاة عالية.
وعمل إدجار على الفكرة بعد أن قرأ تقرير عن الكانجرو ورعايته لمولوده والاتصال الجسدى للجلد دون وجود أى شعر، ويظل صغير الكانجرو ملاصق لحلمات والدته إلى أن يزيد حجمه ويكون قادرا على الإندماج فى العالم المحيط له، وبعدها ذهب للمركز وجرب ذلك على الوالدات اللاتى أنجبن أطفال قبل ميعادهم، وبالفعل قلت نسب الوفاة بين الأطفال سريعا وكذلك قل الزحام على حاضنات المستشفى.
الأم الكانجرو
ولعل كارميلا من أوائل المتطوعين لهذه الطريقة، والتى استفادت منها كثيرا فبعد 7 سنوات من ولادة جوليان، وضعت ابنها الثالث قبل موعده أيضا بعد 33 أسبوع فقط من الحمل، وكان يزن 1.6 جرام وذلك أقل من وزن أخواته السابقين له، ولكنها أصبحت أكثر ثقة وتعلمت كيف تتعامل واستخدمت طريقة الكانجرو التى نجحت معها للمرة الثانية، وحاليا طفلها جوليان يبلغ من العمر 22 عاما.
والد يشارك فى طريقة الكانجرو
وعندما خضعت حالات الأطفال الذين اختبروا هذه الطريقة للاختبارات المختلفة، تم اكتشاف أن الرضع أقل معادية للمجتمع عن غيرهم من الأطفال، وكذلك إذا ساعد الوالد فى حمل الرضيع، ستنشأ رابطة أسرية قوية وتقل حالات الانفصال، وكذلك الوالدة إذا تعلمت كيف ترعى طفلها ستكون النتائج الصحية والنفسية للطفل مثل الأمهات التى تكون أكثر تعليما ومستوى اجتماعى، وبذلك تم التأكيد على أن طريقة الكانجرو لا تنقذ الحياة فقط ولكنها أيضا تغيرها للأفضل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة