محمد حبوشه

22% من أراضى مصر مسكونة بالموت !

الثلاثاء، 07 فبراير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل يتحمل الشعب المصرى رفاهية الانتظار 70 عاما أخرى حتى تتحرك الدولة لتنمية هذه المساحات الشاسعة من أجود الأراضى وأكثرها غنى بالأراضى المصرية الصالحة للزراعة وبالمعادن والغاز والبترول؟.

السؤال يبدو صادما للغاية، كما جاء بنصه على لسان اللواء مجدى دياب، رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية لخدمة المناطق المضارة من الألغام، وهو يفتح أبواب جهنم على سياسات الحكومات السابقة فى التعامل مع ملف المضارين منها وإزالتها، خاصة بعد مرور 12 عاما على صدور قرار رئيس مجلس الوزراء عام 2005 بإنشاء "الأمانة العامة لنزع الألغام وتنمية الساحل الشمالى الغربى"، ومقرها شارع عدلى بالقاهرة، الذى ينتهى أثره فى أبريل 2017 ، دون أدنى فاعلية لذلك الكيان الذى اتسمت قراراته بالعشوائية وعديمة الجدوى طوال تلك السنوات.

نعم كانت بلا جدوى بالفعل، فنحن نتحدث هنا عن 22 % من مساحة مصر الكلية فى منطقة صحراء مصر الغربية، والتى كان يطلق عليها سلفا "سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية"، حيث تحتوى الآن وبحسب تقديرات بعثات الأمم المتحدة عدد من الألغام يقدر بـ 19.7 مليون لغم، من مخلفات "معركة العلمين" أسفل رمالها التى يسكنها الموت منذ 70 عاما، هذا بخلاف مليون لغم آخر فى سيناء، وتلك الكميات الهائلة من الألغام تغطى - للأسف - مساحة نحو 24800 ألف كم، يتطلب الكشف عن مواقعها وإزالتها موارد مالية طائلة، وهى بذلك تمثل أحد أكبر العقبات أمام تحقيق طفرة تنموية فى المناطق التى توجد بها سواء من خلال استصلاح الأراضى لأغراض زراعية أو استغلالها لأغراض الجذب السياحى أو استكشاف الثروات المعدنية بها.

الحقائق الصادمة التى وردت فى عدة تقارير محلية ودولية تتحدث عن أن تواجد تلك الألغام والأجسام القابلة للانفجار أدى إلى العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لمصر، حيث تسبب وجود الألغام فى عدم استفادة مصر على مدى الـ 70 عامًا الماضية من مناطق واعدة مزروعة بألغام الموت القادم على جناح الإهمال من جانب حكومات متعاقبة، ما أدى بالضرورة إلى توقف استصلاح نحو مليون فدان صالحة للزراعة، وعرقلة تنفيذ العديد من المشروعات القومية التى يمكن أن تصنع الأمل للمصريين فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، ومنها مشروع منخفض القطارة، وهو مشروع يعادل مشروع السد العالى فى أهميته وفوائده، فقد أكدت تلك التقارير أن المنطقة المزروعة بالألغام وخصوصًا منطقة الساحل الشمالى الغربى تتمتع بثروات بترولية وتعدينية هائلة من البترول والغاز الطبيعي، وقد أدت مشكلة الألغام إلى مساهمة منطقة الساحل الشمالى الغربى حاليًا بنسبة 14% فقط من الإنتاج الكلى من البترول والغاز الطبيعى فى مصر، كما يتوافر بالمنطقة مخزون كبير من المعادن التى يتم استيرادها حاليًا وما يتيحه هذا المخزون من اكتفاء ذاتى وإمكانية التصدير.

صحيح أن وزيرة التعاون الدولى سحر نصر أعلنت مؤخرا عن إطلاق "المركز الوطنى لإزالة الألغام" كبديل لـ "الأمانة العامة لنزع الألغام وتنمية الساحل الشمالى الغربى"، لكن ربما لن يأتى هذا المركز بجديد يذكر، مادام مقره بشارع عدلى بالقاهرة، والتأكيد فإن مجرد تغيير التسمية وحده لا يكفى، فلا ننسى أن الأمانة التنفيذية لمركز الألغام استمرت فى أعمالها لمدة 12 سنة، واعترف القائمون عليها بأن عملها وهمى وعشوائى، ولم تجتمع يوما ما - على حد تعبير اللواء مجدى دياب – كما أن اللجان التى شكلت من عام 2004 لم تؤد الدور المطلوب بنجاح بسبب وجودها بالقاهرة، الجدية إذن تقتضى بأن يقام هذا المركز فى العلمين هناك، حيث أرض الواقع ووجود المتضررين من الألغام والذين يقدر عددهم بأكثر من 8 آلاف قتيل ومصاب، وعانوا سنوات طويلة من اللجان ولا شىء يقدم لضحايا الألغام، ومن ثم فقدت الناس الثقة والمصداقية فى الأجهزة الحكومية وفى الذين يتوافدون عليهم بدون فعل.

ومن هذا المنطلق أضم صوتى لصوت "اللواء دياب" بأن الحل هو الإشراف المباشر من رئاسة الجمهورية على هذا الملف حتى تلتزم الوزارات بمسؤوليتها تجاه هذا الإرث المرير، لأن المركز الذى أعلنت عنه الوزيرة هو مشروع تحت التأسيس وضعت أسسه الحكومات السابقة، وتصريحات القائمين على هذا الملف ترى دائما أن تنمية المناطق المضارة من الألغام هى مشروعات وهمية، أو إنها مجرد حبر على ورق، ومع ذلك أمامنا بادرة أمل طيبة فى التقدم فى هذا الملف، وهى الإرادة السياسية التى جسدها الرئيس عبدالفتاح السيسى بإنشاء مدينة العلمين المليونية، وننتهز هذه المناسبة لنناشد الرئيس بإقامة احتفال كبير لإحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية فى مدينة العلمين فى يوم الألغام العالمى الموافق 4 إبريل القادم، وأن يوجه نداء للعالم، وخاصة الدول التى شاركت فى الحرب العالمية الثانية لتتحمل مسؤوليتها الأدبية فى تعويض مصر عن خسائرها من بقايا الألغام فى أراضيها.

وهناك مشكلة أخرى تتعلق بضحايا الألغام تتطلب تفعيل توزيع الـ3500 فدان المقسمة بين الضبعة والعلمين، والتى كانت مخصصة للضحايا ولم تصل لهم حتى الآن ليستفيدوا منها، وهو الأمر الذى يستلزم الحسم من وزيرة التعاون الدولى مع الوزارات التى ترفض تسلّم المساحات التى تم نزع الألغام منها بناء على اختيارها ومع ذلك تتركها مهجورة، وحاليا تتعرض هذه المساحات لوضع اليد والسلب وأبرزها وزارة الزراعة وهذه الحالة تتمثل فى 28 ألف فدان على ترعة الحمام ولوزارة الزراعة 300 فدان على طريق وادى النطرون- العلمين تطلبها وزارة الإسكان.

قضية نزع الألغام ليست هينة كما أكد اللواء زكريا حسين، رئيس هيئة البحوث العسكرية، ومدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا السابق، بأن الألغام الموجودة فى الصحراء الغربية جراء الحرب العالمية الثانية، مر عليها سنوات طوال، زادت من درجة حساسيتها بشدة، ويمكن أن تصل الآن إلى 100%، وهو ما يعنى درجة حساسية عالية جدًا يجعل من الاقتراب من تلك المنطقة بدون معدات عالية الجودة انتحارًا حقيقيًا، ما يعنى ضرورة تكاتف المجتمع الدولى وفى القلب منه "ألمانيا – إيطاليا – إنجلترا – فرنسا" ، لأن تلك المعدات غير متوفرة إلا فى عدد قليل جدًا من الدول العظمى، واستخدام هذه المعدات يحتاج إلى تجهيزات كبيرة، تتطلب قوة اقتصادية كبرى، وهو ما تعجز حكومتنا عن توفيره فى الفترة المقبلة، أو حتى بعد سنوات طويلة، فما تواجهه الحكومة من تحديات قادرة على إنهاك كل القوى.

وعلى قدر صعوبة المهمة فى عمليات نزع الألغام، لابد لى أثمن دور قواتنا المسلحة المصرية، حيث قامت منذ عام 1981 بتطهير مساحات كبيرة تعدت 50 ألف فدان، وتقوم حاليا بتطهير 150 ألف فدان أخرى من الألغام بالصحراء الغربية، فى وقت لم يحتل هذا الملف مرتبة متقدمة ضمن أولويات الدولة، وكانت تراهن مصر دائما على أن الدول التى شاركت فى الحرب العالمية الثانية هى المسؤولة عن تطهير هذه المناطق، مما أخر عمليات التطهير والتنمية لسنوات طويلة، كما لم تعط الدولة الأهمية لهذه المناطق الصحراوية التى تمثل محور تنمية والحل لمشاكل مصر الاقتصادية إلا مؤخرا .. تحية لجيش مصر العظيم صاحب البطولات الأسطورية فى ميادين الحرب والقتال، ومحقق الإنجازات المستحيلة فى الحياة المدنية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة