عمرو خالد

التمسك بالوطن.. ضرورة دينية

الثلاثاء، 21 فبراير 2017 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نريد غرس حب الوطن فى أولادنا حتى لا يكبروا وهم لا يدركون قيمته ومعناه

 
عرفت المجتمعات البشرية، الأوطان، حتى قبل أن تكون هناك حدود بالشكل المتعارف عليه الآن، وارتبط «الوطن» - الأرض - فى المفهوم الشعبى بـ«العرض»، الذى لا يقبل أبناؤه المساس به، أو التفريط فيه، وإن كلفهم الحفاظ عليه حياتهم، لكن ذلك لا ينفى وجود خلط فى المفاهيم لدى البعض، فيعتبرون أن حب الوطن يتعارض مع حب الدين، وأسسوا معتقدهم الخاطئ على أن الوطن «فكرة مضادة للأمة»، وأن الأوطان «عبارة عن حدود صنعها الاستعمار»، يفسرون قوله تعالى: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ».. على أن المقصود بالمساكن هنا الوطن.. وأن الله نهانا عن حب الوطن بنص هذه الآية، ويعتبرون الوطن فى مفهوم «عصبية جاهلية» نهى عنها الإسلام، هؤلاء لا يفهمون أن الوطن ليس «حفنة تراب»، بل هو شعب، تاريخ، علماء، إنجازات، حماية الدين، لو لم يكن هناك وطن لما عرفنا هذا التنوع والتعدد والاختلاف الإيجابى، فلكل دولة علماؤها، لهم أفكارهم وثقافتهم المرتبطة فى الأساس بوطنهم.. مالك بن نبى «الجزائر»، الشيخ الغزالى «مصر»، الشيخ الشعراوى «مصر»، على الطنطاوى وراتب النابلسى «الشام»، كل واحد من هؤلاء العلماء أفاد الإسلام من زاوية، ولو لم يكن هناك وطن لما ظهر هذا التنوع.
 
الأمة والوطن: فكرة الأمة هى جزء من عقيدة المسلم، لكنها تستخدم لتمرير ثقافة قبول تفتيت الوطن أو عدم التمسك به، لتقديم مصلحة الأمة على مصلحة الوطن، وهذه فكرة خطيرة يستفيد منها أعداء الوطن وأعداء الإسلام فى آن واحد نتيجة الفهم السطحى الساذج.
 
فالأمة والوطن عبارة عن دوائر متداخلة وليست متقاطعة، كلما سعيت لمصلحة الوطن فأنا بالضرورة «فكريًا وهندسيًا» أسعى لمصلحة الأمة.
 
حدود الاستعمار: من يقولون بأن الأوطان وضع حدودها الاستعمار، لا يفرقون بين الوطن والحدود، إذ إن الأولى أقدم من كل الحدود.. مصر، العراق، الجزيرة، الشام، اليمن، المغرب.. هذه أوطان قديمة قدم التاريخ، وليس معنى أن الاستعمار هو الذى وضع الحدود، أن أرفض فكرة الوطن تحت هذه الذريعة، فالعدوان على الحدود القائمة حرام.
 
الوطن فى القرآن والسنة: كما أن هناك من يتذرع فى رفضه لفكرة الوطن بأنه لم يرد مفهوم الوطن فى القرآن والسنة.. وهذا غير صحيح.. ففى القرآن «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا».. «الفخر الرازى» فى تفسيره جعل فراق الوطن معادلاً لقتل النفس، أما باقى المفسرين فقالوا إنه أعلى قيمة حب الوطن وجعله فى مقام حب النفس، كان رسول الله إذا رجع من سفر فأبصر جدرات المدينة حرك إليها دابته من حبها.. يقول «ابن حجر» إن هذا دليل على مشروعية حب الوطن والحنين إليه، عندما أرغم على الهجرة منه إلى المدينة، نظر إلى مكة والدموع تنساب من عينه، وقال: «والله إنك لأحب بلاد الله إلىّ، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت أبدًا».
 
«استوصوا بمصر خيرًا» : النبى يقول: «من قاتل دون أرضه فهو فى سبيل الله»، ولو لم يكن للأرض قيمة لما جعل من يقتل دفاعًا عنها شهيدًا، وقد دعا لكل بلد ولأهل كل وطن، فقال عن مصر: «ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا، فإن لكم منهم صهرًا وذمة»، و«إذا دخلتم مصر فاتخذوا منها جنداً فهم خير أجناد الأرض».. والحفاظ على الوطن حفاظ على الدين ذاته، فالدين يحتاج إلى جملة من الأشياء: الأمان - المال، وكل هذا يحتاج إلى وطن بعيدًا عن الصراع، ولا يجوز لأحد أن يشمت فى وطنه إذا أصابه مكروه، لأنها من الشماتة فى الدين. والوطن لا يحسب عمره بالأزمات، لكن يحسب عمره بالعافية، وإذا كانت مصر فى حالة حرب، فإنها «فى رباط إلى يوم الدين»، وهذا ليس رباطًا عسكريًا فقط، لكن رباطًا مجتمعيًا، نريد غرس حب الوطن فى أولادنا، حتى لا يكبروا وهم لا يدركون قيمة ومعنى الوطن.. فتضيع أرضنا ويأخذها عدونا.. وعندها نكون ارتكبنا إثمًا عظيمًا.. علموا أولادكم أن بر الوطن مثل بر الوالدين، وأنه مثلما لا يوجد شخص يكره أمه، فلا يوجد شخص يكره وطنه.. اللهم احفظ بلادنا.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة