تمتلئ حياتنا بالأكاذيب، ومع هذا نعيش فى ظلها دون أن يكدر عيشتنا شىء، تنمو الأكاذيب أكذوبة بعد أكذوبة، لا يمتلك أحد دليلا على صحتها، لكنها تنمو، تتفرع، تتكاثر، تصبح حقيقة بفعل التقادم، تصبح هرما عصيا على التجاهل، ٍلا يمتلك أحد دليلا، لكن وجودها يصبح دليل صحتها، تصبح أسطورة لا تفارقنا ظلالها أبدا، وإن كان من غير المستهجن أن نقرأ عن الأساطير فى العصور الغابرة، وقت أن كان التدوين اختراعا والكتابة فعلا من أفعال السحر، فلماذا لا تثير انزعاجنا الآن كل هذه الأكاذيب المنتشر حولنا، ونحن فى عصر القمنة والأرشفة الإلكترونية؟
حتى الآن نجد من يقول أو من يصدق أن اللواء الراحل «عمر سليمان» مازال حيا، أو أن الملائكة نزلت فى ميدان رابعة العدوية، أثناء التجمع الإرهابى للإخوان المسلمين، أو أن الملائكة حملت نعش فلان أو زارت قبر علان، وفى كل واقعة يطلق أحد التافهين تفسيرا خياليا، فيصبح هذا التفسير هو الأكثر انتشارا، بل والأدهى الأكثر مصداقية، أمامنا عشرات الروايات المنطقية، الرسمية منها والتحليلة، لكننا نجنح نحو التفسيرات الخيالية، نغرق فى ذهنية المؤامرة، نبحث عن أرقام سرية لفتح خزانة، أو تعويذة سرية لفتح باب ما، برغم أن المفتاح أمامنا ولا يحتاج منا سوى أن نمسك به وندربه دورة واحدة.
مع ذهنية كهذه، لا تقوم دولة ولا تنهض بلد ذهنية تؤمن بالخرافة، وتجعل منها دينا جديدا يدين به الجميع، ولا بد إذا ما كانت مصر تفكر فعلا فى أن تغير من أوضاعها البائسة، فعليها أن تحارب ذهنية الخرافة الكامنة فى العقول والقلوب، فالحرب على الخرافة بالنسبة لى أهم من الحرب على الإرهاب، لأن الإرهاب لا يجد له مكانا فى قلب مؤمن بالعلم والمعرفة والبصيرة، وتجفيف منابع الخرافة أهم بكثير من تجفيف منابع سيد قطب وحسن البنا وعمر عبدالرحمن، لأن الخرافة هى الركيزة الأساسية التى يعتمد هؤلاء عليها فى إكساب أنفسهم هالة قدسية تجذب إليهم الأتباع، والخرافة هى الأساس الذى يعتمد عليه كل مغرض فى تطويع البسطاء، وفى الحقيقة فإنى أرى أن أهم الكوارث التى تسبب فيها التيار الدينى هو أنه عبث فى عقول المتعلمين ووضعهم فى حالة غريبة من الفصام، فترى طبيبا أو مهندسا أو مدرسا فى الجامعة يباشر القوانين العلمية ويدرسها، وبرغم هذا يؤمن تمام الإيمان بالخرافات ويصدق الأكاذيب، ولهذا يجب على مصر أن تتبى مشروعا قوميا لمحاربة الخرافة، وتنقية العقول المصرية بالمعرفة الشاملة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة