يقف المواطن أمام المياه التى تأتيه من الصنابير الموجودة داخل منازل مدينة القصير بالبحر الأحمر، عاجزا عن شربها بعدما اتضح من خلال التحاليل التى أجراها أهالى المدينة على مياه الخزانات أنها لا تصلح إلا لأغراض الغسيل والاستحمام فقط.
بشكل يومى تحتاج مدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر، إلى 20 ألف متر مكعب من مياه الشرب، لكن ما تنتجه الحكومة لا يتجاوز 10 آلاف متر مكعب، 7 آلاف متر ونصف منها تنتج من مياه التحلية والباقى يضخ من خط مياه النيل القادم من قنا المعروف بخط قنا سفاجا القصير، بحسب شركة مياه الشرب بالبحر الأحمر، التى تواجه هذا النقص من خلال تقسيم مدينة القصير إلى 6 مناطق ترسل يوميا إلى كل منطقة من هذه المناطق ما يكفيها من مياه الشرب لمدة أسبوع، يخزنها الأهالى فى خزانات حديدية أعلى أسطح البيوت.
على سطح أحد منازل أهالى القصير، يقبع خزان مياه من الحديد يأكل الصدأ جسمه الخارجى، بينما تتراكم الطحالب والريم على جدرانه الداخليه، مما يجعلها غير ملائمة للشرب ويجعل المواطنين بحاجة إلى مياه النيل القادمة فى خط سفاجا القصير التى لا تكفى لاحتياج المدينة.
الدكتور الصيدلى محمد بديع، أحد أهالى القصير، يؤكد أنهم ليس لديهم مانع فى شرب مياه التحلية، لكنهم يريدون فقط أن تكون هذه المياه مطابقة للمواصفات، لأن نتائج تحليل المياه المتوفرة داخل المنازل أثبتت احتواءها على نسبة عالية من الأملاح وكذلك وجود طحالب بالمياه. بديع أشار إلى أن نسبة الأملاح والصديد تزيد عند الجميع، وأغلب المواطنين فى المكان مصابون بأمراض الجهاز البولى والكلى، لهذا تتكرر باستمرار مطالب أهالى القصير بزيادة حصة مياه النيل أو الارتقاء بخط المياه التى يتم تحليتها من البحر، بدلاً من الوضع الحالى وكأن المسؤولين يقولون لأهالى القصير «لو مش عاجبك اشرب من البحر». الوقوف لدقائق وسط شوارع مدينة القصير، سيجعلك تمتلك إجابة عن الطريقة التى يلجأ لها المواطن فى هذه المدينة للتغلب على مشكلة مياه الشرب، حيث تجوب المدينة أعداد كبيرة من التروسيكلات التى تتحرك بسرعات عالية محملة بجراكن المياه، وبالبحث عن مصدر المياه التى يحملها أطفال تحت السن وينقلونها للأهالى.
فيما حاولت الدولة التغلب على هذه المشكلة بوضع صنابير عامة فى الشارع الرئيسى بالمدينة لتعويض المواطنين من خلال ضخ مياه نهر النيل فى هذه الصنابير بهدف استخدامها لأغراض الشرب.
هذه الصنابير تُكلف الدولة 300 ألف جنيه يوميا، تتحملهم الحكومة دون تحصيل مقابل من المواطنين، بما يعادل 109 ملايين و500 ألف سنويا، لكن أصحاب التروسكيل يستغلونها، لأن الجميع لا يقدر على الذهاب يوميا إلى شارع بورسعيد وسط مدينة القصير لملء «الجراكن» بهذه المياه، هذا ما أكده المهندس يحيى صديق، رئيس شركة مياه البحر الأحمر، فى تصريح لـ«اليوم السابع».
فحسب محمد عبده حمدان، رئيس مدينة القصير السابق، فإن أغلب المواطنين فى قرى مركز القصير وعددهم ما يقرب من 60 ألف مواطن لا يقدرون على النزول إلى المدينة لملء الجراكن للشرب، ويعتمد نسبة تقل عن 10% من الأهالى على الفلاتر فى منازلهم لارتفاع أسعارها وتكلفة صيانتها، مشيرا إلى أن الأهالى يلجأون إلى تخزين المياه على أسطح المنازل، لأنها لا تصل إليهم إلا يوما واحدا فقط فى الأسبوع ويستخدمونها فى أغراض الغسيل والاستحمام ويقومون بشراء مياه الشرب من مياه النيل عبر التروسكيلات التى تجوب المدينة.
محمود سعد، طفل لا يتجاوز عمره 16، وهو أحد بائعى مياه الشرب، يقول إنهم يقومون بملء الجراكن وبيعها للمواطنين، ويقوم آخرون بملء خزانات كبيرة وبيعها للمواطنين.
وأشار سعد إلى أن إجمالى الحصة التى يوزعها التروسكيل الواحد فى اليوم تقدر بـ10 جراكن، نظرا لأن هناك ما يقرب من 100 تروسكيل تعمل فى مجال بيع المياه، مشيرا إلى أن تحركهم فى هذا المجال جاء من عدم رغبة الأهالى فى شرب مياه التحلية وشرب مياه النيل وعدم امتلاك الجميع وسائل نقل تقلهم من أماكن مسكنهم إلى الصنابير الموضوعة فى الشوارع من قبل الحكومة.
فى المقابل رد المهندس يحيى صديق، على عدم ملائمة المياه المقدمة من الشركة، قائلا إن المنطقة تعتمد بالأساس على مياه التحلية، لكن الكمية المعطاة إلى المدينة لا تكفى، حيث تحتاج القصير إلى 20 ألف متر مكعب يوميا، لكن محطة مياه المدينة لا تنتج سوى 10 آلاف يوميا، لذلك تقسم المدينة إلى قطاعات يرسل إليها المياه على أيام مختلفة، إلا أن الأهالى لا يهتمون بنظافة الخزانات وهو ما يترتب عليه تلوث المياه.
وأكد أن لديهم معامل على أعلى مستوى تقوم بتحليل المياه المحلاة من البحر، وتتأكد من مطابقتها للمواصفات قبل ضخها للمواطن، علاوة على أن هذه المياه تخضع للتحليل من جهات مختلفة من بينها وزارة الصحة، إلى جانب جهات رقابية أخرى مما يعنى أن المياه المنتجة من محطة التحلية مطابقة للمواصفات، بحسب قوله.
وردًّا على رغبة المواطنين فى الحصول على مياه من النيل، قال رئيس شركة مياه البحر الأحمر، إن احتياج المواطن لمياه النيل أمر غير منطقى فى وقت تتجه الدولة لمد كل المدن الساحلية بمياه التحلية لتوفير مياه النيل، مؤكدا أنه تم التعاقد مع القوات المسلحة لتوسيع محطات مياه الشرب فى القصير حتى تتم تحلية الكميات المطلوبة ويترتب على ذلك استدامة ضخ المياه للمواطنين، لتجنب أزمة تلوث المياه فى الخزانات. صديق اعترف أن الأزمة تكمن فى عدم توافر المياه المطلوبة يوميا حيث تقسيم المدينة لـ6 مناطق وتوزيع المياه عليها بمعدل يوم كل أسبوع، وما ينتج عنه من خلو للمواسير وتعرضها للتلوث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة