توجه حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها العام، إلى وكيل وزارة الداخلية، عبدالرحمن بك عمار، وبكى أمامه بكاء شديدًا، فرفع «عمار» تقريرًا عن هذه المقابلة إلى رئيس الوزراء، محمود فهمى النقراشى باشا.
كان الحديث يتعاظم حول قرب إعلان «النقراشى» قراره بحل الجماعة بعد تعدد عملياتها الإرهابية، وحسب طارق البشرى فى كتابه «الحركة السياسية» عن «دار الشروق - القاهرة»: «عرفت مصر بعد الحرب العالمية الثانية موجة من أعمال العنف والإرهاب، تمثلت فى بعض حوادث الاغتيال وإلقاء القنابل، على أن الموجة الأساسية للاغتيالات والإرهاب كان ينظمها ويقوم بها الجهاز السرى لجماعة الإخوان، وزاد نشاطها كثيرًا خلال عام 1947، فقتل بعض أعضاء الجماعة أحمد الخازندار، رئيس محكمة الجنايات فى مارس عام 1948، وألقت القنابل والمتفجرات على المحال الكبيرة التى يمتلكها اليهود فى مصر، كـ«شيكوريل» و«أريكو» فى شهر يوليو 1948، و«بنزايون» و«جاتينيو» فى أغسطس، وشركة الإعلانات الشرقية فى نوفمبر، واغتيال حكمدار بوليس القاهرة سليم زكى فى 4 ديسمبر بقنبلة ألقيت عليه من سطح كلية الطب بقصر العينى.
أدى هذا بالحكومة إلى قرار حل الجماعة، وقبل صدوره أسرع «البنا» بمحاولاته لوقفه، فسعى إلى اثنين من القيادات الأمنية، هما عبدالرحمن عمار، وطلب منه توصيل رسالة إلى «النقراشى»، وأحمد مرتضى المراغى، مدير الأمن العام، وطلب منه توصيل رسالة إلى الملك فاروق.
ويذكر «المراغى» تفاصيل هذه المقابلة فى مذكراته «كنت شاهدًا على حكم فاروق» عن «دار المعارف - القاهرة»، أما تفاصيل لقاء «البنا» و«عمار» فنعرف بعض وقائعه من التقرير المرفوع عنه إلى «النقراشى»، وتأتى الدكتورة هدى شامل أباظة بنصه فى كتابها «النقراشى» عن «دار الشروق - القاهرة».
يقول التقرير: «حضر الليلة الشيخ حسن البنا إلى ديوان وزارة الداخلية، وطلب مقابلتنا بحجة الإفضاء إلينا بأمور مهمة يرغب فى إبلاغها فورًا إلى صاحب الدولة، رئيس مجلس الوزراء، فلما قابلناه حدثنا بأنه قد علم بأن الحكومة أصدرت قرارًا بحل جماعة الإخوان، أو هى فى سبيل إصدار هذا القرار، وأنه يريد أن ينهى إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد عول نهائيًا على ترك الاشتغال بالشؤون السياسية، وقصر نشاط الجماعة على الشؤون الدينية، كما كان الحال فى بداية قيام جماعة الإخوان، وأنه يود من كل قلبه التعاون مع دولة الرئيس تعاونًا وثيقًا مؤيدًا للحكومة فى كل الأمور، وأنه كفيل بتوجيه رجاله فى جميع الجهات بالسير على مقتضى هذا الاتجاه، كما أعرب عن أسفه لما وقع من جرائم ارتكبها أشخاص يرى أنهم اندسوا على الإخوان، وراح يترحم على سليم زكى باشا، قائلًا إنه كان صديقًا حميمًا له، وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام، ثم أكمل مادحًا دولة النقراشى باشا، قائلًا إنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته فى كل الأمور، وإنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد أن مضت سنتان لم يلتقيا فيها بسبب جفوة أثارها الوشاة، لأقنع دولته بأنه من صالح الحكومة والأمة معًا أن يبقى الصرح الضخم الذى جاهد الإخوان سنوات طويلة فى إقامته، كما قال إنه يعز عليه بل ويزعجه ويؤلمه أن ينهار هذا الصرح عى يد دولة النقراشى باشا، الحريص على خدمة بلاده».
يواصل «عمار» فى تقريره: «قال البنا إنه إذا قدر أن تمضى الحكومة فيما اعتزمته من حل الجماعة، فإنه يؤكد أنه ورجاله سوف لا تبدو منهم بادرة تعكر صفو الأمن، إذ لا يقدم على مثل هذا العمل إلا مجنون، كما أكد أن الحكومة لو تعاونت معه لضمن للبلاد أمنًا شاملًا، وختم حديثه بقوله إنه على استعداد للعودة بجماعة الإخوان إلى قواعدها بعيدًا عن السياسة والأحزاب، متوفرًا على خدمة الدين ونشر تعاليمه، بل إنه يتمنى لو استطاع أن يعتكف فى بيته ويقرأ ويؤلف، مؤثرًا حياة العزلة، ثم جعل يبكى بكاء شديدًا ويقول إنه سيعود إلى مقره فى انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء، داعيًا له بالخير والتوفيق».
وقع «عمار» على هذا التقرير، وقام بتأريخه 8 ديسمبر «مثل هذا اليوم» 1948، أما لقاء «المراغى» و«البنا» فيذكره «المراغى»، وكان قبل ساعات من قرار الحل، وحسب «المراغى» فإنه حمل تهديدًا ووعيدًا لـ«النقراشى»: «هل يظن أننا لعبة فى يده يستطيع تحطيمها بسهولة؟»، ولما أبلغ «المراغى» ما دار فى هذه المقابلة لـ«النقراشى»، علق: «أعرف ديتها، إنها رصاصة أو رصاصتان فى صدرى»، وفى نشرة الساعة الحادية عشرة مساء أذيع قراره بحل الجماعة وشعبها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة