كل شىء فى عهد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جائز حتى مخالفة كل المواثيق والأعراف التى سارت عليها الدبلوماسية الأمريكية لعقود طويلة، وآخر قراراته المنتظرة هى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وفقا لوسائل إعلام عالمية إلا أن الكثيرين يتوقعون إحداث ذلك القرار حال صدوره بشكل رسمى عواقب وخيمة قد تصل إلى انتفاضة ثالثة من أبناء الشعب الفلسطينى الغاضب، وستذهب إلى الجهود الداعية للسلام إلى نقطة اللارجعة.
وفى 4 ديسمبر الجارى، أوردت وكالة الأنباء تقارير مفادها أنه خلال الساعات القادمة سيعلن ترامب قراره بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أن ترامب سيقرر ما إذا كان سيُمدد تجميد قرار نقل السفارة إلى القدس خلافاً لقرار الكونجرس الذى طلب منذ 1995 نقلها.
ترامب يدفع فاتورته الانتخابية
ويُشار إلى أنه رغم أن قرار الكونجرس مُلزم، لكنه يتضمن بندا يسمح للرؤساء بتأجيل نقل السفارة ستة أشهر لحماية "مصالح الأمن القومى" وقام رؤساء أمريكيون متعاقبون بصورة منتظمة بإصدار أمر تأجيل نقل السفارة مرتين سنويًا، وهذا ما أقدم عليه ترامب أيضًا فى يونيو الماضى.
فى فترة الماضية، بدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المعروف بتغريداته المثيرة عبر موقع التدوينات القصيرة "توتير" التفكير فى سلك مسار مخالف بالإقدام على نقل السفارة وتنفيذ الوعد الذى قطعه على نفسه إبان فترة ترشحه بالانتخابات الأمريكية كأحد الوسائل آنذاك من أجل الحصول على الدعم الإسرائيلى والاستفادة من نفوذه القوى داخل دوائر الحكم الأمريكية، وبناءً عليه ينتظر المسئولون الإسرائيليون تغريدة تويتر بالاعتراف بالقدس عاصمة لهم وليست أرض محتلة، ليحقق حلمهم الغائب منذ عقود.
تفكير ترامب فى اتخاذ خطوة نقل السفارة أدى إلى حالة من الغضب على الصعيد العربى سواء الرسمى أو الشعبى وبالفعل أعلنت عدد من الدول العربية رفضها القرار وحذرت من عواقبه وعلى رأسها مصر، وهذا ما أكده وزير الخارجية المصرى سامح شكرى فى اتصال هاتفى مع وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ريكس تيلرسون من أجل مناقشة احتمالات إعلان الولايات المتحدة الأمريكية اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
مصر تُحذر من عواقب القرار
وركز وزير الخارجية المصرى خلال الاتصال الهاتفى على التعقيدات المرتبطة باتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذا القرار، وتأثيراته السلبية المُحتملة على الجهود الأمريكية لاستئناف عملية السلام، مشيرا إلى أن مكانة مدينة القدس القانونية ووضعها الدينى والتاريخى تفرض ضرورة توخى الحرص والتروى فى التعامل مع هذا الملف الحساس المرتبط بالهوية الوطنية للشعب الفلسطينى على مر العصور، ومكانة القدس لدى الشعوب العربية والإسلامية مما قد يؤجج مشاعر التوتر فى المنطقة.
وفى نفس الوقت، أكدت لجنة الشئون العربية بمجلس النواب برئاسة اللواء سعد الجمال، أن اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة إسرائيل سيكون لها مردود وتأثيرات سلبية لا حصر لها على استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط
وقالت اللجنة، في بيان لها إنه سيتم إدانة هذه الخطوة ورفضها باعتبارها اعترافًا وتكريسًا للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة ومكافأة المعتدي على عدوانه وتنسف هذه الخطوة كافة قرارات الشرعية الدولية وتعقد الحل السياسي للمشكلة الفلسطينية وتأجيج الصراع المسلح فضلاً عن عودة التوتر والعنف والأعمال العدائية فى المنطقة.
وعلى الصعيد الفلسطينى فإن ردود الفعل الغاضبة سواء على الصعيد الرسمى أو الشعبى لم تكف منذ تم تداول الأنباء عن دراسة ترامب لقرار نقل السفارة، وبخلاف تصريحات وتحذيرات المسئولين فإن الأوساط الشعبية والنشطاء السياسيين أكدوا عبر حساباتهم على مواقع التواصل على أن القرار فى حال اتخاذه لن يمر مرور الكرام وقد يكون هناك توابع وردود فعل غاية فى الخطورة.
الانتفاضة الثالثة المنتظرة
ما تم سرده سابقًا يدفع لتساؤل هل يمكن أن يشعل قرار ترامب المحتمل الأجواء فى الشارع الفلسطينى حد الوصول إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، فالتاريخ يحتوى على انتفاضتين شهيرتين الأولى ما سميت بانتفاضة الحجارة وقامت فى الفترة من 8 ديسمبر 1987 حتى 13 سبتمبر 1993، بينما الثانية التى تم إطلاق عليها لقب "انتفاضة الأقصى"، بدأت فى 28 سبتمبر عام 2000 وتوقفت فى 8 فبراير عام 2005.
وتعليقًا على إمكانية تفجر الأوضاع فى فلسطين حال صدور القرار، يقول الدكتور جهاد الحرازين، المحلل السياسى الفلسطينى والقيادى بحركة فتح وأستاذ القانون العام لـ"اليوم السابع": "القرار إذا تم اتخاذه من قبل الإدارة الأمريكية بإعلان القدس عاصمة إسرائيلية سيواجه بحالة من الغضب الشديد من الشعب الفلسطين ولأن المساس بالقدس يساوى اللعب بالنار مع الشعب العربى والإسلامى أجمع".
ويضيف المحلل السياسى الفلسطينى:"ما تم الإعلان عنه بالبيان الختامى لمنظمة التعاون الإسلامى والتى تحدثت صراحة عن قضية القدس وأكد أنها ليست خاصة بالفلسطينيين وحدهم إنما بالأمة العربية والإسلامية والمسحيين فى العالم وأى مساس أو تغيير لوضعها القانونى أو قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن سيعتبر اعتداء سافر لن يقابل فقط بالإدانة أو الشجب أو الاستنكار فقط"،
بروفة بوابات الأقصى الإليكترونية
وتابع أستاذ القانون العام حديثه: "الكل يعلم مدى صمود الشعب الفلسطينى وآخر تجربة عندما حاولت إسرائيل وضع البوابة الإلكترونية أمام المسجد الأقصى الكل شاهد الشعب الفلسطينى وأهالى القدس كيف صمدوا بشكل أسطورى حتى قاموا بإلغاء هذا القرار، وكيف استطاعوا أن يوجهوا أنظار العالم إلى قضيتهم خصوصا أن هناك تكاتف بين الجميع على رفض مثل هذه القرارات الإسرائيلى".
واختتم الحرازين حديثه قائلاً: "الآن يوجد تحركات على كافة المستويات سواء رؤساء الدول أو المنظمات الدولية وذلك على الصعيد الدولى والإقليمى من أجل الانتفاض لمدينة القدس، وهناك ورسائل وجهت للتحذير من خطورة تفجر الأوضاع حال إقدام الإدارة الأمريكية على هذا الأمر لأنه يعنى قتل عملية السلام وإنهاء دور الولايات المتحدة الأمريكية فى أن تكون وسيطًا فى عملية السلام، وقتل مقترح حل الدولتين"، مضيفًا :" هذا ما يعنى أن المنطقة ستشهد حالة من الفوضى ستطال الجميع ولن يكون مقتصرًا على جزء محددة لأن المساس بمشاعر المسلمين والمسحيين فى كافة أنحاء العالم هو من الخطوط الحمراء التى لا يجب تجاوزها نهائيًا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة