فى زمن الحرب، يعرف الجميع من يطلق الرصاصة الأولى، ولكن لا يعلم أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة، ويحوز الموقف المصرى بعدم توسيع ساحات الحرب فى المنطقة، الاحترام والتقدير والثقة، فالنار ليست فى حاجة إلى مزيد من النيران، والقتلى والضحايا تفوق أعدادهم معدلات الكوارث الطبيعية، والمدن تدمرت والثروات نُهبت والبلدان ضاعت، والأهالى تركوا بيوتهم، وذهبوا هائمين على وجوههم إلى المجهول.
قديماً كانت بغداد قلعة الأسوار، وكانت طرابلس وصنعاء وبنى غازى ودمشق، مدناً عربية أبية، تزخر بالخير والحياة وتنعم بالأمن والاستقرار، فهبت عليها نيران الحروب الغادرة، التى حولتها أنقاضاً، وعصفت بكل ما فيها من خيرات، وغرقت المدن فى بحور الدم، وارتفعت أصوات التفجيرات أعلى من أجراس الكنائس وصوت الأذان، ولم يعد فى الأوطان سوى القتل والخراب والدمار.
زعموا أن الحرية قادمة على دقات طبول الحرب، لتخلِّص تلك الدول من سطوة حكام جلسوا فى الحكم سنوات وسنوات، فقتلوا الحكام وأطاحوا بالعروش، ولكن لم يأتوا بالديمقراطية ولا الحرية، ولم تتحقق وعود النخبة المنتظرة التى دغدغوا بها مشاعر الشعوب، وتحولت وعودهم إلى نار مستعرة تحرق الأخضر واليابس.
لو سألنا أنفسنا: هل كان من الأفضل أن يبقى صدام والقذافى وصالح وزين العابدين، مع بقاء دولهم وشعوبهم، تحت قبضة الديكتاتورية وأنظمة الحكم المؤبدة؟ أم كان من الأفضل التبشير بنسائم الديمقراطية الآتية من أمريكا والغرب؟ والإجابة: لا هذا ولا ذاك، فكلاهما سطوا على إرادة الشعوب، وافتئات على حقها فى اختيار من يحكمها بإرادة حرة.
لو خُيِّرت شعوب الدول التى مزقتها الفوضى الخلاَّقة، فربما اختاروا نار الديكتاتورية، بدلاً من فوضى الحرية فى ظل ضياع الأوطان، فمن ذاق مرارة القتل، قد يفضِّل الحياة بشىء من الخوف، ومن حُرم من نعمة جدران البيت، قد يفضل حاكماً ظالماً يوفر له مأمن العيش، وكأنه كُتب على شعوب المنطقة أن تختار بين السيئ والأسوأ.
فرضت الحرب قانونها الظالم و«سبق السيف العزل»، خصوصاً إن كان طرفها الفاعل أكثر ظلماً، وهو تلك الجماعات الإرهابية الظلامية، التى استدعت من مذبلة التاريخ أبشع صور القتل، وأعادت صوراً همجية كنا نقرأ عنها ولا نصدق أنها حدثت بالفعل.
كيف يعود العرب إلى العرب، وترتفع أصوات الأذان فوق المآذن وتدق أجراس الكنائس، ونغنى من جديد «أمجاد يا عرب أمجاد»؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة