- ظاهرة تعيين أبناء القضاة فى السلك القضائى من ظواهر عدم تكافؤ الفرص بين المواطنين
- نحتاج لإجراءات استثنائية لمواجهة الإرهاب.. والعدالة الناجزة لا تتحقق بالتشريعات فقط ونحتاج لزيادة عدد القضاة وزيادة الدوائر
- لا حديث عن المصالحات مع الإخوان مادامت الأمور وصلت إلى الإرهاب والترهيب والتخريب
تولى المستشار عادل عبدالحميد، وزير العدل الأسبق، حقيبة هذه الوزارة المهمة مرتين فى مرحلتين شديدتا الحساسية فى عمر البلاد، الأولى كانت عقب ثورة 25 يناير فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى، والثانية عقب ثورة 30 يونيو فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى، حتى أنه يلقب بـ«وزير الثورتين»، كثير من التفاصيل والمشاهد والكواليس كان المستشار عبدالحميد شاهدا عليها، وكشف عن جزء منها فى حواره مع «اليوم السابع»، ومن بينها زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة له بمكتبه «آن بارتسون» لتطلب تدخله فى قضية التمويل الأجنبى، وهو ما رفضه الوزير، وغيرها من الكواليس المرتبطة بجماعة الإخوان، بالإضافة إلى رأيه فيما يتم من إصلاحات تشريعية تتعلق بمنظومة العدالة التى على رأسها تعديل قانون الإجراءات الجنائية.
. وإلى تفاصيل الحوار..
هل تشعر أن هناك إصلاحا يتم على مستوى المنظومة القضائية من خلال التعديلات التشريعية التى تحقق العدالة الناجزة وأبرزها مشروع قانون الإجراءات الجنائية؟
- التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تشهدها البلاد تتطلب نهضة تشريعية وإجرائية تلبى تطلعات وآمال الشعب المصرى، لذلك لابد من وضع سياسة متكاملة للإصلاح القضائى والتشريعى.
وفيما يتعلق بمشروع قانون الإجراءات الجنائية المعروض على مجلس النواب حاليا، كان لابد من تعديله، لأن كل زمان لابد أن يكون مصحوبا بفكر جديد يتماشى مع المتغيرات فى البلد، بالتالى يجب أن نبتعد عن النظريات الموجودة فى القانون القديم، لأنها لا تتناسب مع ذلك العصر، فلا مانع من إجراء أى تعديل على نصوص قانون الإجراءات الجنائية طالما أنه يضمن عدم المساس بالحريات العامة، والتعديلات هنا يجب أن تشمل بكل ما يتعلق بإجراءات الاستدلالات والتحقيق والضبط والتفتيش ومراقبة المراسلات البريدية والتليفونية، خاصة نحن نواجه ظاهرة الإرهاب والتطرف، وعلاج هذا يتطلب وجود ملفات استثنائية قضائية.
وما المقصود بالملفات الاستثنائية القضائية؟
- إجراءات سريعة تختلف عن الإجراءات العادية، لتعطى نوعا من المرونة والحرية، حتى يتم إنجاز القضايا فى وقت سريع.
كيف ترى التعديلات التى أجريت على قانون إجراءات الطعن أمام محكمة النقض الذى حولت منها لمحكمة موضوع من المرة الأولى؟
- القانون القديم كان يعطى الحق لمحكمة النقض، أن تفصل فى الموضوع، وأتذكر أنى أصدرت أول حكم قضائى فى طعن يتعلق بقضية مخدرات، وكان الحكم معيبا، ويتعين نقضه، لكننى فصلت فى الموضوع، وسار على هذا النهج بعض دوائر المحكمة.
لكن هنا يمكن أن نجعل محكمة النقض مثقلة بتراكم الطعون، ويؤدى الأمر لبطء فى إجراءات التقاضى، خاصة أنها تولى جميع الطعون اهتماما عادلا خاصة الطعون المتعلقة بأحكام الإعدام، حيث تستحوذ على أكبر قدر من الضمانات والرعاية حتى يخرج الحكم مطابقا للحقيقة وعنوانا لها طبقا لنصوص القانون وأحكام الضمير الإنسانى المتمثلة فى ضمير القاضى، وكانت كل دوائر المحكمة الجنائية تنظر لمحكمة النقض بمنظار خاص، باعتبار أن الطعن المنظور أمامها متعلق بمصير إنسان، فالقضايا المهمة لابد من التحقيق والبحث والتدقيق، حيث إن كل مهمة القاضى يطبق القانون والعدالة.
ولكن البعض ينظر لهذا التعديل على أنه خطوة لاختصار الإجراءات وتحقيق للعدالة الناجزة؟
- لدى تحفظ على كلمة «العدالة الناجزة» فلا يجوز تصنيف العدالة وهى لا تتجزأ، ولا يصح أن نسمى عدالة ناجزة وعدالة غير ناجزة، لكن الذى دعانا إلى أن نطلق عبارة «العدالة الناجزة» هى أن الأنظمة القضائية الراهنة أغرقت وتمسكت فى الشكل وتمسكت بالإجراءات حتى صار الشكل غاية والأصل أنه وسيلة، بالتالى هناك ضرورة لتعديل قانون الإجراءات الجنائية لينتج أحكاما عادلة سريعة لا تقييدها الإجراءات ولا يعطلها وجود عقبات شكلية تستثمر بعض ثغرات القانون لإطالة أمد النزاع.
هل تتحقق «العدالة الناجزة» بالتعديلات التشريعية فقط؟
- «العدالة الناجزة» لا ترتبط فقط باختصار إجراءات التقاضى وتبسيطها، وإنما ترتبط أيضا بتنفيذ الأحكام على نحو سريع وصحيح يؤكد احترام وسيادة القانون.
كما أن الأمر لا يتم من خلال إصدار القوانين والتشريعات، لكن هناك عوامل أخرى تساعد على تحقيقها مثل زيادة عدد القضاة، وزيادة عدد الدوائر من خلال الإسهام فى تعيين العناصر القضائية فى السلطة القضائية، وأيضا تسهيل إجراءات التقاضى، من خلال تقديم الخدمات للمواطنين عن طريق التكنولوجيا، وحين كنت وزيرا للعدل قدمت كما كبيرا جدا من التشريعات، منها ما يتعلق بالإرهاب، والتظاهر، والاستثمار، وتعارض المصالح، وتداول المعلومات، وحماية الشهود، بعضها لم يصدر حتى الآن مثل تداول المعلومات، رغم أهميته لدعم مبادئ الشفافية والنزاهة، وما يتم طرحه من حماية الشهود وغيرها فى مشروع قانون الإجراءات الجنائية، كنا قد تطرقنا له من قبل حين كنت فى الوزارة لكن لم يصدر وقتها.
هل لدينا مشكلة فى عدد القضاة؟
- بالطبع هناك مشكلة فى عدد القضاة مقابل كم القضايا المتراكمة فى المحاكم، بالتالى إجراءات التقاضى بطيئة، والبطء يولد الإحباط واليأس، وزيادة عدد القضاة يأتى عن طريق الأعضاء خريجى كليات الحقوق الراغبين فى الالتحاق بالسلطة القضائية فى حدود الميزانيات المتاحة.
ذكرت قانون تداول المعلومات وأنكم قد عملتوا عليه منذ أن كنت فى الوزارة عام 2013 وحتى الآن لم يصدر هذا القانون.. لماذا فى رأيك؟
- وجود قانون لحرية تداول المعلومات مهم للغاية، حيث إنه يسهم بطريقة إيجابية فى مكافحة كثير من قضايا الفساد، إذا كنا نرغب فى محاربة الفساد، حيث إن هذا القانون يدعم مبادئ الشفافية والنزاهة، ولابد من إصداره خلال الفترة المقبلة، بشرط مراعاة طبيعة الأمن القومى والمصلحة العليا للبلاد طالما أن المعلومة فى هذه الحالة تمس الأمن القومى.
بشكل عام ما الذى تحتاجه منظومة العدالة فى مصر حتى يتم حل كل ما تعانيه من مشاكل وهموم؟
- تحتاج أمورا كثيرة، بداية من القاضى وحسن اختياره وتأهيله، حيث أن أحد السمات الأساسية لأى نظام قضائى متقدم أن يدعم حسن اختيار القاضى، ويكون اختياره بمعايير محددة معينة، حيث إن اختيار القضاة يختلف عن اختيار أى شخص آخر فى أى وظيفة عامة.
ولكن دائما ما يتردد أنه ليست هناك معايير واضحة للتعيين فى القضاء خاصة مع وجود ظاهرة تعيين أبناء القضاة؟
- ظاهرة تعيين أبناء القضاة من ظواهر عدم تكافؤ الفرص بين المواطنين، وأنا ضد هذه الفكرة، وحين كنت رئيس مجلس القضاء الأعلى، وضعنا معايير محددة للتعيين فى النيابة العامة بصرف النظر عن أى معايير آخرى، وكانت الكفاءة وحسن السمعة، هما شرطان أساسيان فى الاختيار، وطالما توافرا فلا مانع من تعيين الشخص.
وبالنسبة لفكرة تعيين أبناء القضاة، للأسف هذه ثقافة موجودة فى كل المجالات وفى جميع الوظائف بالدولة، «أستاذ الجامعة عايز يطلع ابنه زيه، والدكتور عايز ابنه دكتور، وهكذا»، وهذا الفكر للأسف يهدر مبدأ تكافؤ الفرص، لأنه وفق الدستور فإن المواطنين متساوون.
مرة أخرى نعود إلى المشاكل التى تواجه منظومة العدالة وكيفية الارتقاء بها؟
- كما ذكرت الموضوع فى الأساس يبدأ من القاضى، فبعد اختياره وفق المعايير السليمة تأتى عملية تدريبه وهو أمر مهم للغاية، وأحد محاور النهوض بمنظومة العدالة، وكنا قد وضعنا مشروعا لإنشاء أكاديمية قضائية أكبر أكاديمية فى الشرق الأوسط، يلتحق بها القضاة ليتعلموا كيف يصيغون الأحكام، وكيف يستنبطون الحقيقة من الأوراق، ويتعلموا من تجارب وخبرات أسلافهم، لكن المشروع للأسف لم يخرج للنور.
توليت وزارة العدل فى فترتين شديدتين الحساسية فى تاريخ مصر، الأولى عقب ثورة 25 يناير والثانية عقب ثورة 30 يونيو حتى أنك أطلق عليك «وزير الثورتين».. كيف تتذكر أهم المشاهد خلال هاتين الفترتين حاليا؟
- فيما يتعلق بالفترة الأولى، بعد ثورة 25 يناير وقت تولى المجلس العسكرى إدارة شؤون البلاد، كانت حكومة الدكتور كمال الجنزورى، حكومة إنقاذ وطنى، والمجلس العسكرى كان كل همه الإشراف على تكوين مؤسسات الدولة الرسمية، فيما يتعلق بوجود دستور وانتخابات رئاسية وتشريعية، وهذه مرحلة مهمة جدا، وكانت مهمة هذه الحكومة إنجاز كل هذه المشروعات ونقل السلطة إلى سلطة منتخبة ديمقراطية، كانت فترة مهمة للغاية وعصيبة لكنها ليست أصعب من الفترة الثانية بعد ثورة 30 يونيو.
قبل الحديث عن تلك الفترة المهمة وثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم الإخوان.. ما أبرز المواقف أو المشاهد الصعبة التى تتذكرها وقت تولى الوزارة بعد ثورة 25 يناير؟
- قضية التمويل الأجنبى كانت من أكثر القضايا التى أثارت ضجة خلال هذه الفترة، رغم أن وزير العدل ليس له دخل بها على الإطلاق وليس من اختصاصه أى تدخل سواء فى هذه القضية أو غيرها، كانت هذه القضية يتولاها قضاة تحقيق، ووزارة العدل لا دخل لها من قريب أو بعيد فيما يتعلق بإجراءات سير القضايا، وفوجئت وقتها بخطاب وصل منزلى من السفارة الأمريكية، وهو أمر آثار دهشتنى كثيرا كون السفارة أرسلت خطابا لى على المنزل وليس على مكتبى فى الوزارة أو من خلال وزارة الخارجية، وشعرت بخطورة الأمر، ففتحت الخطاب ووجدت أنه من وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك «آن باترسون» ويتعلق بقضية التمويل الأجنبى. فقمت برد الخطاب ثانية إلى السفارة وأبلغتهم عدم مراسلتى على المنزل، وأن هناك طرقا رسمية إذا كانوا يريدون مخاطبتى.
بعدها جاءت «باترسون» لزيارتى ومعها وفد من الخارجية الأمريكية، وتحدثت معى فى القضية، وقالت لى إن رجال الأمن داهموا مقرات المكتب الجمهورى والديمقراطى، وصادروا بعض الأجهزة والأوراق، وطلبت استرداد هذه الأشياء، فأجابتها بأن وزير العدل لا دخل له على الأطلاق بالأمر، وأن القوانين المصرية تحظر التمويل المرتبط بالنشاط السياسى، ومن يخالف يقع تحت طائلة القانون، وأبلغتها مخاطبة قضاة التحقيق إذا كانوا يرغبون فى استرداد ما تم مصادرته.
وماذا عن فترة الوزراة الثانية بعد ثورة 30 يونيو؟
- كانت فترة صعبة جدا أصعب من الفترة الأولى، حيث بدأت بناء مؤسسات الدولة المصرية وأولها لنا كان إجراء الاستفتاء على الدستور، والمساءلة كانت مصيرية، هذا إلى جانب العمل المكثف الذى كانت تضطلع به وزارة العدل فى هذا الوقت، حيث كنت رئيس اللجنة التنسيقية الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس اللجنة التشريعية بالوزارة، وكانت أمامنا مهام كبيرة، منها ما يتعلق بالتشريعات، وما يتعلق بتطهير الوزارة من العناصر الإخوانية والتخلص منها، وهى العناصر التى دخلت الوزارة فى عهد الوزير أحمد مكى.
هل تقصد أنه كان هناك قضاة ينتمون للإخوان؟
- طبعا.. حين توليت منصبى بعد ثورة 30 يونيو فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى، أول شىء فعلته هو أننى أنهيت ندب جميع مساعدى الوزير الذين كانوا ينتمون للإخوان، وكل من هم على صلة بهم، لأنه لا يجوز أن يكون فى الوزارة أو القضاء أشخاص ينتمون لتيار معين، هذا أمر محظور فى قانون السلطة القضائية،هذا بالإضافة إلى أن الإخوان حين تولوا السلطة كان همهم الأول الاستحواذ على المؤسسات المهمة بالدولة، من ضمنها القضاء والتعليم بصفة خاصة، وزرعوا المقربين لهم وأعضاء الجماعة فى هذه المناصب، فكان إبعاد هؤلاء عن الوظائف الأساسية أمر يتعلق بتماسك المجتمع، لأن وجودهم كان ينال من تماسك المجتمع.
ماذا عن علاقتك بجماعة الإخوان؟
- فى عهد محمد مرسى وصلنى كلام عن أنهم كانوا يريدون ترشيحى وزيرا للعدل، لكن اعترض على ترشيحى خيرت الشاطر، وقال «ده اللى وقف قدامنا فى قانون العزل السياسى»، حيث اعترضت على مشروع القانون الذى أعدوه فى مجلس الشعب وقت تولى وزارة العدل عام 2012، وهو القانون الذى أعدوه لإقصاء أى مرشحين غيرهم فى الانتخابات الرئيسية، وأعلنت وقتها رأيى فى المشروع وقلت إنه غير دستورى، ولا يجوز حرمان أى مواطن من حقوقه إلا من خلال حكم قضائى، لذلك اعترض الشاطر على طرح اسمى للوزارة فى عهد محمد مرسى.
بخلاف ذلك رشحونى فى الجمعية التأسيسية للدستور الأولى والثانية، وحضرت فى المرة الأولى وقدمت مقترحات، لكن صدر حكم ببطلان تشكيلها، المرة الثانية اختارونى أيضا بصفتى وزير العدل، لكن لم يوجهوا الدعوة رسميا لى لحضور الاجتماعات، وقاموا بتعيين المستشار حسام الغريانى رئيسا للجمعية، حتى أنه أرسل لى وطلب أن أحضر، وقال إنهم يريدون الاستفادة من خبرتى، لكننى لم أحضر، لأننى كنت أعلم من واقع خبرتى أن هذه اللجنة سيتم بطلان تشكيل أعضائها أيضا وقد حصل.
ماذا ترد على الذين مازالوا يطالبون بمصالحات مع الإخوان؟
- طالما الأمور وصلت لحد الإرهاب والترهيب وجرائم ارتكبت وتخريب ودمار للمنشآت والمؤسسات الحكومية، فكيف يتم التصالح مع هذه العناصر؟ ثم إن هذه الجماعة كانت لها قرارات لا مثيل لها على الإطلاق، ولم تحدث من قبل فى التاريخ المعاصر، وبالأخص مع السلطة القضائية، فكان الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى، وحصار المحكمة الدستورية العليا، وعزل النائب العام، كلها أمور آثارت غضب القضاة لأنها لم يكن لها سابق أو مثيل فى تاريخ القضاء، المصالحة لا تجوز مع الإخوان لأنهم متورطين فى العنف والقتل والدم.
كيف ترى جهود الدولة فى مجال مكافحة الإرهاب.. وهل نحتاج لتشريعات جديدة للقضاء عليه؟
- قوانين الإرهاب لابد أن تتضمن إجراءات استثنائية سريعة تدفع بسرعة الفصل فى الجرائم الإرهابية، لأن الإرهاب أصبح منظما وعابرا للحدود، ويقف خلفه تمويل من جهات ومنظمات ودول، لذا نحتاج لتعديلات لتعطى استثناءات لمكافحة الإرهاب، هذا بالإضافة إلى تخصيص دوائر للفصل فى قضايا الإرهاب وتحقيق القصاص العادل السريع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة