قبل الحادث الإرهابى فى مسجد الروضة ناقشت فى مقالى الأسبوعى هنا، قواعد التغطية الإعلامية للإرهاب، وذلك على هامش استضافة قناة تليفزيونية أحد الإرهابيين الذين شاركوا فى حادث الواحات، وقد ناقشنى عدد من الأصدقاء وزملاء المهنة فيما طرحته، وسأكتفى بعرض تعليقين من هذه المناقشات تعميمًا للفائدة، وتشجيعا لحوار مجتمعى عام حول الموضوع.
التعليق الأول يعكس وجهة نظر أكاديمية محترمة وملتزمة للدكتور حسين أمين أستاذ الإعلام المرموق بالجامعة الأمريكية، والرجل هو أحد أهم المتخصصين فى مصر والعالم فى مجال التشريعات الإعلامية وقواعد عمل الهيئات التنظيمية للإعلام، أما التعليق الثانى فكان لكاتب صحفى فلسطينى قدم وجهة نظر رجل يعمل فى ميدان الصحافة والإعلام، لذلك ناقش بصراحة ووضوح فكرة السبق الصحفى وأهميتها، حتى وإن كان هذا السبق مرتبطًا بحوار مع إرهابى!!.
كتب د. أمين قائلاً: «اسمح لى أن أبدى بعض ملاحظاتى على مقالكم المنشور بجريدة اليوم السابع، أولاً: انحراف بعض شركات بحوث المشاهدين واستطلاع الرأى أدى إلى فسادهم، والتوقف المؤقت لحين تكوين شركة وطنية مستقلة أمر جيد للمنافسة، وعلى المجلس الأعلى الإسراع لاسترجاع النموذج الأول لتعددية شركات البحوث بعد تصحيحه. ثانيًا: أجمعت معظم أدبيات ودراسات «الإعلام والإرهاب»، على أن الظهور فى قنوات الإعلام الرئيسية هو هدف أساسى للإرهابيين، وأن التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية بشكل مكثف تتيح الفرصة لهم للوصول إلى قاعدة أكبر وشريحة أعرض من الجمهور العام، وذلك منذ ظهور حركاتهم المتطرفة وحتى غزوهم لوسائل الإعلام الإلكترونية واستخدامها وتوظيفها فى الراديكالية والتطرف.
ثالثا: ظهور الإرهابى وهو يقارع الإعلامى حجة بحجة فى قنوات الإعلام الرئيسية بحد ذاته انتصار للإرهابى، لأنه أصبح نجمًا فى نظر فئات معينة، خاصة من الطبقات الدنيا الأشد فقرًا والأقل تعليمًا والأدنى مناعة. والعلاقة بين الفقر والتطرف معروفة، والتجنيد الإلكترونى يمضى على قدم وساق فى كثير من دول العالم عامة وبلدان الشرق الأوسط خاصة مصر تحديدًا. رابعًا: تطرح الدراسات الغربية مقولة إن ثقافة الخوف فى الشعوب تترسخ مع العمليات الإجرامية الكبرى وتأثير ظهور الإرهابيين فى قنوات الإعلام الرئيسية على الناس، وهو ما كان متوافرًا، وأن ثقافة العنف تتبلور مع ظهور الدماء والأشلاء فى هذه القنوات حتى اعتيادها واعتمادها كجزء من ثقافة المجتمع ومنتجاته الثقافية.
خامسًا: أوافقك الرأى فى إصدار توجيه عام من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لوسائل الإعلام، يطرح فيه وثيقة استرشادية للعمل بها فى أوقات تغطية العمليات الإجرامية والأحداث الإرهابية، وقد يكون لها ثلاث درجات من الفاعلية. سادسًا: بعيدًا عن الأسماء والسبق الصحفى.. إذا نجح الإرهابى فى أن يؤثر على العشرات من الشباب المتألم من الظرف الاقتصادى أو الاجتماعى، ولا أقول الآلاف، فليس هناك سبق ولا يحزنون، فالولوج لوسائل الإعلام المرئية الرئيسية للإرهابيين كان دائمًا وسيبقى خطرًا داهمًا وسلاحًا ذو حدين.
سابعا: المزايدة على مكانة مقدم البرنامج أمر مرفوض فى تقديرى لسجله المهنى، ولكن ليس هناك أحد فوق النقد الإيجابى، فكلنا فى هذا الهم سواء. وأخيرًا: لابد من مراجعة الدراسات العلمية فى هذا الشأن، فالأكاديميون بطبيعة عملهم دارسين باحثين، وطرحهم للأفكار أمر مهم، حتى ولو كان ذلك بعد الحدث، لأن استخلاص الدروس المستفادة أمر مفيد لمن يعقلون.
انتهت ملاحظات د. حسين أمين التى أجدنى متفق معها تمامًا، لأنها تثرى الحوار وتضيف للباحثين والإعلاميين الممارسين معلومات ونتائج بحوث لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها.
أما ملاحظات صديقى الكاتب الصحفى الفلسطينى فقد بدأت بالقول: اسمح لى أن أشكرك على طرح الفكرة ومناقشتها بشكل عقلانى، للوقوف على آثارها السلبية، ولكن ثمة فكرة رائجة فى هذه الأيام تقول إن الصيد السمين لو لم أصيده أنا كصحفى فقد تركت الفرصة لغيرى ليصيده، وعلى سبيل المثال لو أن شبكة سى إن إن علمت بوجود هذا الإرهابى «يقصد إرهابى الواحات» أو غيره فى أى مكان، فإنها لن تتركه، وستُجرى معه مقابلة.. ولو وجدته الجزيرة أو أى قناة يهمها تحقيق السبق فإنها ستسعى إليه مهما كلفها الأمر!!.
ويشعر البعض أنه من حق هؤلاء العثور على فرصة للتحدث على المنابر بدلاً من التحدث بواسطة السلاح، وقد تقلل هذه الوسيلة من إحساس مثل هؤلاء بالتهميش، ولا يهتم هؤلاء لأثر ذلك على شريحة من الشباب المحبط أو الطامح فى لعب أدوار بطولة مهما تكن، أما بالنسبة للتفاؤل فى مقالك حيال دور المجلس الوطنى للإعلام وكأنه الضابط لحركة الإعلام المصرى.. فأنا أختلف معك.. لأنه لو كان الأمر هكذا لما كان هذا هو حال الإعلام المصرى.
هكذا اختلف معى صديقى الكاتب الفلسطينى، وطرح فكرة السبق الإعلامى التى تحرك كل الصحفيين فى العالم، وهو محرك مشروع، لكنه ليس صحيحًا فى كل الأوقات من وجهة نظر المصلحة العامة والمسؤولية الاجتماعية، لأن بعض أنواع السبق الصحفى قد تلحق ضررًا كبيرًا بالأمن القومى، وقد تنهى مسيرة الصحفى نفسه، لذلك على الصحفى أن يتعلم كيف يحقق السبق، وفى الوقت نفسه يتعلم كيف يسمو عليه أو يرفضه إذا تعارض مع مصلحة الوطن، أو كانت له آثار سلبية على المجتمع.
وهنا قد يرى البعض أن رفض تحقيق السبق الصحفى المتعارض مع مصلحة الوطن قد يدفع صحفى آخر أو وسيلة إعلامية أجنبية لاقتناص هذا السبق الذى سبق وأن رفضه صحفى آخر لأسباب وطنية أو لمراعاة مصلحة المجتمع، وبالطبع هذا ما يحدث فى أرض الواقع، من هنا تأتى ضرورة وضع مواثيق شرف صحفية، ومدونات سلوك دولية عابرة للحدود الوطنية، فيما يتعلق بتغطية أحداث الإرهاب وإجراء الحوارات مع الإرهابيين، لأن الإرهاب صار ظاهرة دولية تستحق إجراءات وتنظيمات دولية وتعاون عابر للحدود الوطنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة