الأحد- أمس- إجازة فى العراق، احتفالاً بانتهاء الحرب ضد داعش، وتطهير كامل التراب العراقى، والسيطرة الكاملة على الحدود السورية العراقية، وكانت تلك هى المفاجأة التى أعلنها رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، فى الاحتفال الذى أقامه اتحاد الصحفيين العرب، بعد حروب دامية استمرت ثلاث سنوات، سقط خلالها آلاف القتلى والجرحى، واغتصاب النساء وتجنيد الأطفال.
انتهت الحرب ضد داعش، ولكن لم تنته داعش، لأن جيوبها لن تستسلم بسهولة، وبعد أن كانت تستولى على ثلث مساحة العراق، أصبح قادتها ما بين قتلى وأسرى وهاربين فى الصحراء يبحثون عن مأوى، وينتظرون مصيراً مأساوياً، جزاءً لما فعلوه، وأخطره على الإطلاق استنزاف الدول وإفقار الشعوب، وتبدو بصماتهم الإجرامية فى شوارع بغداد.
أصبح «الأمن» هاجساً يؤرق الشعوب العربية، ونفس الكتل الخرسانية التى تحمى البنايات، وتشاهدها فى القاهرة هى نفسها فى بغداد والرياض وطرابلس وسائر العواصم العربية، ولو استُثمرت الأموال التى تُنفق فى الأمن، لتغيرت أحوال الشعوب إلى الأفضل، وتحسنت أحوالهم المعيشية.
لم أزر العراق منذ أيام صدام حسين، وفى نفس الفندق «هيلتون عشتار» الذى أقمت فيه منذ عشرين عاماً، عدت إليه ولم أجد تغييراً كبيراً، إلا المتاريس الأمنية التى تشاهد مثلها فى كل الفنادق بالدول العربية، ويبدو أنه كُتب على الشعوب التى ثارت للتخلص من الديكتاتورية، أن تقع فى براثن جماعات إجرامية، تهون بجوارها أسوأ ممارسات الديكتاتورية، التى كانت توفر الأمن لمواطنيها، ولكن على أيدى الجماعات الإرهابية ضاع الأمن ووأدت الديمقراطية، وخرجت حقوق الإنسان ولم تعد.
انتعشت بداخلى نسائم «العروبة» فى قاعة الاحتفالات، أثناء الحفل الذى أقيم بمناسبة مؤتمر اتحاد الصحفيين العرب، وسمعت أغانى تحرك الصخر فى القلوب، مثل «وطنى حبيبى الوطن الأكبر»، ورحمة الله على محمد عبدالوهاب، وأيضاً أغنية «بغداد يا قلعة الأسود» التى تصدح دائماً فى آذانى، منذ أيام الغزو الأمريكى للعراق «يا كعبة المجد والخلود.. يا جبهة الشمس للوجود.. سمعت فى فجرك الوليد.. توهج النار فى القيود».
هى أغنية حُفرت فى ذاكرة التاريخ العربى والإنسانى، وهى بالمناسبة غنتها أم كلثوم، لتهنئة الشعب العراقى بثورته عام 1958، من كلمات الشاعر العظيم محمود حسن إسماعيل، وألحان رياض السنباطى، وحققت نجاحاً ساحقاً، وفتحت هذه الأغانى الوطنية الرائعة أملاً كبيراً، بأن العراق ما زال يسير على درب العروبة، ولن يتخلى أبداً عنها.
داعش إلى مزبلة التاريخ.. والتاريخ لن ينصلح حاله إلا إذا عادت دمشق وصنعاء وطرابلس.. وعاد العرب إلى العرب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة