صدق من قال إن مصر ولادة، فكان وما زال الفن المصرى مرآة الشعب ونبضه الذى يدق بأناته وضحكاته، فعلى عكس كثير من البلاد الذى يتوقف فيها دور الفن عند حد التعبير عن التراث والتطور فقط، كان دور الفن المصرى وثيقًا بحال البلد جيشه وشعبه، فإن عدنا بالزمن سنجد أن الفن والجيش يد واحدة، فكما كان ضباطنا وجنودنا يحاربون فى ميادين المعارك، كان فنانو مصر يحاربون بأصواتهم وكلماتهم التى دوت مع أصوات البنادق، فعاشوا النصر معًا وتجرعوا مرارة الهزيمة أيضًا معًا.
واليوم بعد أن تساقطت آخر أوراق شجرة فن الزمن الجميل برحيل الفنانة القديرة "شادية"، يمكننا أن نقول إن فنانى مصر الراحلون تركوا لنا إرثًا كبيرًا متمثلًا فى دروب رسموها بأصواتهم وطرق ساروا فيها مع جيش بلدهم، رافعين راية "كلنا لمصر".
كوكب الشرق..انتصار على مسارح أوربا
وبداية من كوكب الشرق "أم كلثوم" التى امتلكت حنجرة ذهبية كانت أكثر أثرًا من الأسلحة الحديثة، جالت بها فى بلاد العالم تطلق أغانيها تُسلطن من يسمعها، وتعطى أرباح حفلاتها لصالح الجيش المصرى، كانت المسارح بالنسبة لها كساحات الحرب لم ترض بالخروج منها إلا منتصرة.
يا حبيبتى يا مصر
أما القديرة التى رحلت عنا أمس بجسدها فقط، فكان القدر حليفها ليمنحها سك الروح الوطنية المصرية التى لم يضاهها فيها أى مطرب آخر حتى الآن، فمنذ أن قالت "شادية" "يا حبيبتى يا مصر" وهى أصبحت العلامة المسجلة لكافة المناسبات الوطنية والاحتفالات الشعبية، فلا يمكنك أن تحيى ذكرى نصر أكتوبر دون سماعها، أو تذهب لتشجيع فريق المنتخب الوطنى دون أن تجد مكبرات الصوت بالاستاد تستقبلك بها، حتى الحوادث الإرهابية التى لم تفارقنا إلا قليلًا فى الآونة الأخيرة، نقوى على محاربتها بالأغنية التى تجدد دماء الوطنية فى عروقنا.
"يا أم الصابرين تُهنا واتلاقينا، يا أم الصابرين على الألم عدينا" بصوت "شادية" الحنون غنت هذه الأغنية لتتحدث عن مصر أو "أم الصابرين"، وعاشت معنا صبرنا و فرحنا، والآن بعدما غابت عنا نتذكر أغنيتها هذه لنستطيع أن نكن "صابرين" على فراقها.
العندليب..جندى فى الاستوديو
ومن المقاومة النسائية إلى العندليب الأسمر الذى عاش مع الجيش لحظة بلحظة فى الاستوديوهات يذوق مرارة الهزيمة فيقول "ابنك يقولك يا بطل هاتلى نهار"، يعيش لحظات النصر فيقول "عاش اللى قال الكلمة بحكمة وفى الوقت المناسب". ولم يكن تعلق "عبد الحليم حافظ" بالجيش عابرًا، فهو من غنى للزعيم الراحل "جمال عبد الناصر"، ومن بعده إلى الرئيس السادات، عاش الإنجازات، تجلى صوته فرحًا حينما بُنى السد العالى فقال "قولنا هنبنى وادى احنا بنينا السد العالى".
نجوم خاضوا الحروب بأصواتهم
لم يتوقف قطار المشاركة الفنية الوطنية عند هؤلاء النجوم فقط، فلا يمكن أن ينسى أحد "شريفة فاضل" التى غنت بدموعها "أم البطل" بعدما فقدت نجلها فى الحرب، كذلك الفنانة "وردة" التى انتصرت للوطنية المصرية رغم جنسيتها الجزائرية فقالت "وانا على الربابة بغنى وأقول تعيشى يا مصر"، حتى السندريلا "سعاد حسنى" التى قالت "دولا مين ودولا مين دول عساكر مصريين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة