قال الدكتور هشام العسكرى، أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، إنه من خلال مساهمته الأخيرة فى منتدى شباب العالم قدم عرضا عن ملف التغيرات المناخية العالمية، مؤكدًا على أن ملف التغيرات المناخية يحتل المرتبة الثانية فى المخاطر التى تواجه العالم بعد أسلحة الدمار الشامل طبقا لبعض التقارير الدولية .
وأضاف أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، فى حوار خاص لـ"اليوم السابع"، أن كل المخاطر التى تتعلق بالأمن الغذائى ونقص أو زيادة المياه والأمراض المستوطنة والجفاف جميعها تحدث بسبب التغيرات المناخية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لافتًا إلى أنه طالب الحكومة المصرية بأن يكون هذا الملف هو رقم واحد فى خطتها.
وأشار العالم المصرى هشام العسكرى، إلى أن اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تشير الآن إلى أن هناك أدلة جديدة وأكثر قوة على أن معظم السخونة الملاحظة على مدار آخر 50 عامًا يمكن نسبتها إلى الأنشطة البشرية، حيث أدت هذه التغيرات إلى حدوث الكثير من المخاطر البيئية تجاه صحة الإنسان، مثل نضوب طبقة الأوزون، فقدان التنوع الحيوى، والضغوط على الأنظمة المنتجة للغذاء وانتشار الأمراض المعدية بشكل عالمى.
وعلق العسكرى، على التقرير الذى نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية وجاء تحت عنوان "كيف يمكن أن يؤثر تغير المناخ على النيل"، أن بعض الافتراضات التى وضعها الباحثون فى هذا التقرير قائمة على افتراضات بعيدة عن الواقع، لافتًا إلى أن الباحثون فى التقرير المنشور عرضوا رؤيتهم عن المشروع الأثيوبى وخطتها لبناء سد النهضة من خلال الاستنتاج بأن تغير المناخ من شأنه أن يعزز تدفق نهر النيل.
وأكد أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، على أن التقرير وصف رفض مصر للمشروع الأثيوبى بغير الواقعى، وتناول الضغوط على إمدادات المياه بسبب توقعات وجود مليار شخص بحلول عام 2050 يعيشون فى البلدان التى يتدفق من خلالها النيل وروافده، كما توقع الباحثون فى عرضهم لهذا التقرير أن تغير المناخ قد يزيد من التدفق السنوى لنهر النيل بنسبة تصل إلى 15% مما قد يبدو أمرا جيدا .
وأوضح العسكرى، أن الباحثين استندوا فى استنتاجاتهم على ظاهرة "النينيو" التى تشكل ظاهرة عالمية وتحدث مجموعة من التذبذبات المناخية الهائلة تدفعها التغيرات فى درجة حرارة المحيط الهادئ وترتبط بتدفق النيل وهو أمر غير دقيق، متابعًا: "التوقع بأن أحداث النينو المتطرفة تعزز هطول الأمطار وبالتالى تزيد تدفق نهر النيل أمر يفتقر إلى الكثير من المصداقية" .
وأضاف أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، أنه على الرغم من أن الباحثين يعترفون بعدم اليقين فى التوقعات لأن نماذج المناخ العالمية المختلفة تعطى أعدادا مختلفة، ومع ذلك، إلا أنهم يرون أن استنتاجاتهم حول تغير التدفق لنهر النيل لا تزال ذات مصداقية، وذلك لأنهم يرون أن تنبؤات هذه النماذج تتفق معهم على مدى عقود مع آثار ظاهرة النينيو العالمية.
وقال العسكرى، إن مرجعية تلك التقلبات المناخية الهائلة التابعة لظاهرة النينو العالمية وفق لرؤيتهم هى درجة حرارة المحيط الهادئ، والتى تم ربطها بتدفق مياه النيل، وعليه فعدما تصبح أحداث تلك الظاهرة أكثر تطرفا فى السنوات القادمة، سيؤدى ذلك لتغير أكثر فى تدفق نهر النيل .
ولفت أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن لهذا السبب فإن الباحثين قد رأوا عدم الفائدة فى الانخراط فى المفاوضات حول السنوات المستخدمة لملء الخزان، ونصحوا الدول الثلاث "مصر وأثيوبيا والسودان" التركيز على كمية المياه المطلوبة فى المصب، والتى ستختلف فى السنوات الرطبة والجافة وفقا لرؤيتهم، حيث رأوا أيضًا أنه بمجرد بدء السد وتشغيله، سيكون من الممكن السيطرة على تقلب النيل لمدة 60 عاما تقريبا، مما سيتطلب زيادة القدرات التخزينية للمياه بنسبة 45% نظرا للفائض الكبير فى المياه فى السنوات القادمة وهذا سيتيح وقتا كافيا للبلدان الثلاث للبدء فى بناء سدود جديدة وفقا لما جاء فى التقرير .
وردا على التقرير، كشف العسكرى، عن أن الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ (IPCC)، يضع تقريرًا دوريًا عن حاله المناخ العالمية كل 5 سنوات، موضحًا أن هذا الفريق يستخدم مسارات التركيز التمثيلية ذات الصلة بالغازات الدفيئة والتى تعتبر أحدث جيل من السيناريوهات التى توفر المدخلات للنماذج المناخية، لافتًا إلى أن المخططين وصانعى القرار استخدموا هذه السيناريوهات منذ وقتا طويلا لتحليل الحالات التى تكون فيها النتائج غير مؤكدة، مشيرًا إلى أنه فى بحوث المناخ، تستخدم سيناريوهات الانبعاثات لاستكشاف مدى مساهمة البشر فى تغير المناخ مستقبلا بالنظر إلى أوجه عدم اليقين فى عوامل مثل النمو السكانى والتنمية الاقتصادية.
وأشار العالم المصرى هشام العسكرى، إلى أن هذا المسارات توفر وصفا كميا لتركيزات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى مع مرور الوقت، فضلا عن تأثيرها الإشعاعى القسرى بحلول عام 2100، موضحًا أن هناك 4 مسارات تركيز تمثيلية مقبولة على نطاق واسع علميا وعالميا، ويتم ترقيم مسارات التركيز التمثيلية الأربعة هذه وفقا لكمية الحرارة التى ستضيفها إلى النظام الأرضى، حيث تفترض هذه السيناريوهات الأربعة زيادة فى درجة الحرارة بمقدار يتراوح بين 1 و6 درجات بحلول عام 2100، مضيفًا أن اجتماعات مؤتمر الأطراف تحاول الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية، موضحًا أنه إذا زادت درجة حرارة هذا الكوكب بأكثر من درجتين ستحدث كوارث طبيعية كبيرة، وزيادة درجة الحرارة بمقدار 4 درجات كافية أن تسبب اختفاء 50% من السكان على هذا الكوكب.
واستطرد العسكرى: "للآسف استخدم باحثو مقالة الإيكونوميست السيناريو الأكثر تطرفا (RCP8.5) والذى إذا حدث سيؤدى إلى زيادة بمقدار 6 درجات والحقيقة التى خلصوا إليها هؤلاء المؤلفين أن تدفق نهر النيل سوف يزيد تحت افتراض من شأنه أن يؤدى إلى 6 درجات زيادة ليست سوى تحريف كامل للحقائق".
وأكد أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، على أن المجتمع الدولى أجمع على أنه مع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية فقط من المرجح أن يؤدى لارتفاع مستويات سطح البحر بمقدار قد يصل لـ 1.6 قدم، مما قد يتسبب فى غمر الكثير من السواحل فى جميع أنحاء العالم، موضحًا أنه بالرغم من أن كمية المياه العذبة قد تزداد فى خطوط العرض المرتفعة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لشرق أفريقيا وأجزاء من الهند حيث قد تفقد المناطق شبه الاستوائية ما يقرب من ثلث مياهها العذبة.
المقال المنشور فى الايكونوميست
وتابع العسكرى حديثه: "لجعل الأمور أسوأ من ذلك يمكن أن تتفاقم موجات الحرارة، حيث يمكن أن تشهد المناطق الاستوائية موجات حرارية لمدة تصل إلى 3 أشهر مما سيؤثر على نمو بعض المحاصيل الأساسية، وهذا سيكون له تأثير كبير على النظام الغذائى العالمى".
أما بالنسبة للغطاء المائى، شدد أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، على أنه سوف يكون الوضع أكثر سوءا لأن المحيطات سوف تصبح أكثر دفئا ستؤدى مما سيؤدى إلى أضرار لا رجعة فيها قد تصل إلى انهيار 99% من الشعاب المرجانية وبعض النظم الإيكولوجية للملايين من الأنواع المختلفة، لافتا إلى أنه قد تم توقع كل ما سبق من قبل الاتحاد الأوروبى للعلوم الجيولوجية فى عام 2016، كما أنه فى عام 2017، قدر فريق آخر من العلماء أن هناك فرصة لأكثر من 95% من الأرض سوف تسخن أكثر من 2 درجة مئوية بحلول عام 2100، متسائلا الباحثون أصحاب تلك الافتراضات : "هذه هى التوقعات حال زيادة 2 درجة فقط فماذا سيكون الوضع مع زيادة 6 درجات؟ ".
وفى هذا السياق، أوضح العالم المصرى هشام العسكرى، أن الزيادة فى درجة حرارة هذا الكوكب بمقدار 6 درجات يعنى أنه لن يكون هناك حياة على كوكب الأرض، وفى هذه الحالة الفائز الوحيد على الأرض سيكون الفطريات التى تزدهر على موت الأشجار والشجيرات، وفى البحر لن يكون هناك فائزًا لأن الماء الدافئ سيكون قاتلا نظرا لقلة الأوكسجين الذائب مما يجعل المياه راكدة، وبالتالى سوف ستواجه جميع أشكال الحياة من العوالق إلى أسماك القرش الاختناق، مؤكدًا على أنه مع الذوبان الكامل للجليد تتسع المياه الدافئة وسيرتفع منسوب مياه البحر بمقدار 20 مترًا، وستشهد الكوكب أعاصير فائقة التى سوف تؤدى إلى حدوث فيضانات لا يمكن أن يتحملها أحد فى حال وصولها للسواحل .
ولفت العسكرى، إلى أن التغييرات المناخية واستمرار ارتفاع درجة الحرارة تسببت أيضًا فى تراجع مصادر المياه الجوفية، موضحًا أن إحدى دراسات وكالة الفضاء الأمريكية أظهرت جنوب المتوسط وشمال أفريقيا كمناطق تعانى من الفقر المائى الشديد "الأسوأ فى آخر 900 سنة"، وعليه تسبب هذا الفقر المائى وجود كميات كبيرة من الأتربة العالقة فى الجو والتى بدورها سوف تؤثر على حجم وكثافة وتواتر العواصف الترابية مما يترتب عليه المزيد من الآثار السلبية على النظم الإيكولوجية المختلفة وعلى البيئات البحرية بشكل رئيسى.
الصورة خريطة توضح تراجع مصادر المياة الجوفية وشدة الجفاف فى شمال إفريقيا
وشدد العالم المصرى هشام العسكرى، على أن الدراسات أظهرت الانخفاض فى تخزين المياه من 2002 - 2015 فى منطقة البحر الأبيض المتوسط المقاسة بالسنتيمترات، وهذا من شأنه أن يزيد من حجم وتأثير العواصف الترابية التى تتكون من المعادن، وهى ذات خصائص بيولوجية وكيميائية، لافتًا إلى أن هذه العواصف الترابية ستشكل مخاطر على سلامة عمليات شركات الطيران، وستؤثر على نظم الطاقة الكهروضوئية وحركة المرور على الطرق السريعة، وستشكل مخاطر على النظم الإيكولوجية المستدامة والزراعة والثروة الحيوانية وصيد الأسماك، كما ستشكل خطرا جسيما على صحة الإنسان، كما أنها تشكل عبئا اقتصاديا كبيرا على من يتعامل معهم.
وطالب العسكرى، بالنظر إلى أن قضية الجفاف الذى تشهدها شمال أفريقيا هى تمثل ظاهرة عالمية لا تستهدف أفريقيا فقط بل أماكن أخرى كما تناول فى أحد أبحاثه، حيث ناقش فى هذا البحث مع فريقه العلمى معاناة الساحل الغربى من الفقر المائى فى عامى 2015- 2016 وهى أعوام ممثلة لظاهرة "النينو" .
وكشف شدد أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بكلية شميد للعلوم والتكنولوجيا بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأمريكية، عن أنه على الرغم من التنبوء بهطول الأمطار الغزيرة على الساحل الغربى الأمريكى، إلا أن هذا لم يحدث طبقا لدراسات التى أجراها وفريق البحثى، مؤكدًا على أن التقرير المشار إليه ربط استنتاجاته حول تدفق المياه بنهر النيل بظاهرة النينو التى تحدث فى المحيط الهادى وتتعلق بحركات المياه الدفيئة من الساحل الغربى للولايات المتحدة الأمريكية وإلى منتصف المحيط الهادى وسواحل قارة آسيا بسبب الزيادة المطردة فى درجات الحرارة .
وأضاف أنه فى دراسته وجدوا استمرار فترات الجفاف بشكل ملحوظ حيث تنبؤا بتناقص كميات الأمطار على ولاية كاليفورنيا عام 2016 وعند مقارنته مع عام 1997، وهو عام ممثل أيضًا لظاهرة النينو وشهد كمية كبيرة من الأمطار فى ولاية كاليفورنيا وهذا ما كان متوقعا فى عام 2016، وهذا لم يحدث طبقا للواقع وطبقا لأبحاثه التى أجراها مما يثبت أنه من الصعب استنتاج كيفية تفاعل ظاهرة النينو مع مؤشرات التغيرات المناخية العالمية ومدى تأثيرها الدورة الهيدرولوجية .
وأضاف العالم المصرى هشام العسكرى، أنه على الدولة المصرية أن تعلم جيدا أن التغيرات المناخية التى تم الإشارة إليها فى هذا التقرير لن تؤدى إلى زيادة مياه نهر النيل كما ذكر، وأنه لابد من المضى قدما فى استكمال المفاوضات مع الأشقاء فى الحفاظ على حقوق الدولة المصرية فى حصتها المائية وحقوق الشعب المصرى فى الحياة .
صورة توضح تأثير ظاهرة النينو على كمية الأمطار على الساحل الغربى الأمريكى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة