بدأت القمة العربية فعالياتها فى الجزائر يوم 26 نوفمبر «مثل هذا اليوم» عام 1973، وتغيب عنها العراق وليبيا، وأناب العاهل الأردنى الملك حسين رئيس وزرائه بهجت التلهونى، وفى الجلسة المغلقة تحدث محمود رياض أمين عام جامعة الدول العربية باستفاضة عن الموقف السياسى، وحسب مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط» عن «دار المستقبل العربى- القاهرة»، أكد أن يقظة العرب واستعدادهم ووحدتهم هو السلاح الوحيد الذى نستطيع به حرمان إسرائيل من تحقيق أهدافها التوسعية.
بدت هذه الكلمات من رياض وكأنها مناشدة للقادة العرب، بعد تصرفات دارت فى الكواليس بعضها مشجع، وبعضها أثار علامات الاستفهام والقلق فى شأن العلاقة بين الرئيسين الذين قادا حرب 6 أكتوبر، السادات، والأسد، ووفقا للصحفى البريطانى «باتريك سيل» فى كتابه «الأسد- الصراع على الشرق الأوسط»عن»شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- بيروت»: «سافر كلاهما من القاهرة إلى الجزائر فى طائرتين منفصلتين يوم 25 نوفمبر (مثل هذا اليوم) عام 1973 لحضور القمة «موضحا، أن الأسد نزل فى القاهرة يوم 24 نوفمبر وهو فى طريقه إلى الجزائر للقاء السادات، وجاء اللقاء بعد قرار وقف إطلاق النار للحرب يوم 22 أكتوبر، ومباحثات» الكيلو101 بين مصر وإسرائيل لبحث تطبيق القرار.
ويؤكد رياض أنه وصل إلى الجزائر يوم 22 نوفمبر، واجتمع مع الرئيس الجزائرى هوارى بومدين الذى بادره بالقول: «سمعت من الرئيس السادات بأنه أصبح لديه أمل بنسبة خمسين بالمائة لتحقيق الحل السلمى المشرف للعرب، والذى يضمن استعادة كافة الأراضى العربية المحتلة وحقوق الشعب الفلسطينى». فرد رياض: «فى الظروف الراهنة لا يزيد أملى عن واحد فى المائة»، ويضيف رياض: «تحدث بومدين عن أنه لا يريد أن يبدو وكأنه يتدخل فى أمور تخص الرئيس السادات، أو أن يتصور هو ذلك، ومن ثم فإنه يتساءل: إلى أى مدى أستطيع مصارحته بما يدور فى خلدى من أفكار، وبأهمية التنسيق مع السوفيت، خاصة أن الأسلحة التى نحصل عليها هى التى تحدد مدى قوتنا فى مواجهة إسرائيل؟».
تحدث بومدين من واقع ما لمسه من القيادة السوفيتية أثناء زيارته لموسكو يوم 14 أكتوبر 1973، أى بعد بداية الحرب بثمانية أيام، وذلك لشراء أسلحة لمصر وسوريا حسب تأكيد رياض، وتشهد تلك الخطوة على عظمة الزعيم الجزائرى الذى سبق وأن فعلها بسفره إلى موسكو يوم 12 يونيو 1967، أى بعد النكسة بأسبوع، وفاجأ القادة السوفيت فى اجتماعه معهم بتقديم صكا بمائة مليون دولار ثمنا السلاح لمصر، ردا على قول رئيس الوزراء «كوسيجين»: «نحن نقدم لكم السلاح بأسعار مريحة، بل أنكم لم تسددوا حتى ربع تكاليف ما حصلتم عليه»، «راجع»: محمد حسنين هيكل فى كتاب «الانفجار».
انعقدت القمة العربية فى ظل هذه الأجواء، وجاء «الأسد» إلى القاهرة، وكانت مناقشاته مع «السادات» مثيرة يذكرها «سيل»، مشيرا إلى أن السادات وقف فى قصر الطاهرة مرتديا زيه العسكرى الكامل برتبة «المرشال» فى انتظار الأسد، وأن السادات انطلق فى حديث طويل كالمونولوج بعد أن لاحظ دهشة الأسد من ارتدائه زى «المارشال»، وشمل حديثه مشاكل «فصل القوات» بين إسرائيل ومصر قائلا: «الإسرائيليون سينسحبون كذا كيلو مترا، والمصريون كذا كيلو مترا، وطالبوا بكذا وكذا «وأنه-أى السادات-رد عليهم بكذا وكذا».
يؤكد سيل: «صرخ (الأسد) فى أسى قائلا: «ما الذى تفعله؟ ما فصل القوات هذا؟ هل خضنا الحرب من أجل أن نصل إلى هذا؟ كيف يمكنك فصل قواتك عن إسرائيل بينما إسرائيل لا تزال تواجه سوريا فى القتال؟ ألك حق فى التصرف وحدك بهذه الطريقة؟»، وحسب «سيل» فإن السادات وبعد تدافع أسئلة «الأسد» صاح: «ألا تثق بى؟ هل تتهمنى بالتصرف وحدى؟، وسرعان ما علم الأسد أن السادات كان يقترح اتفاقية ثنائية مع إسرائيل حول فصل قواتهما، رغم أن شيئا من هذا القبيل لم يتم التنبؤ به قبل الحرب خلال فترة التخطيط لها»، وكانت هذه «يقظة مؤلمة» بالنسبة للأسد يشرح «سيل» انعكاسها عليه قائلا: صاح «الأسد»: «هل هذا قرار مشترك؟، لقد مشيت ثلاث أرباع الطريق نحو الاتفاق مع إسرائيل، فتساءل السادات: «لابد أن هناك ثقة بيننا بالتأكيد؟ رد الأسد»: «هناك أعمال تكذب الثقة» أجاب السادات بعصبيته المعهودة- طبقا لوصف سيل: «حسنا إذن سألغى كل شىء».
فى اليوم التالى «25 نوفمبر» سافر الرئيسان إلى الجزائر، وحسب «سيل»: «عندما هبطت طائرة الأسد انتحى به بومدين، وقال إن السادات شكا له من أنك تتهمه بالتصرف من جانب واحد، فسأله الأسد: «ما الذى تظنه يجرى؟». فرد بومدين بجفاف: «من الواضح أن السادات يهتم بنفسه فقط».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة