"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".. هكذا قال الله تعالى فى كتابة العزيز عن الشهداء، هؤلاء الأبرار الذين لقوا ربهم وهم يؤدون الصلاة، من وقفوا فى الصفوف الأولى لتلبية نداء "الله أكبر"، بالتأكيد لا حزن عليهم، ولكن من تركوهم، هم من يعيشون المأساة حاليا، القصص المتعددة لأهالى شهداء مسجد آل جرير بالعريش تمثل مأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتشكيل لجنة عاجلة الآن لإعادة ترتيب أوضاعهم ودعمهم بكل الطرق الممكنة هو واجب وطنى لا يمكن التأخر فيه.
يجب أن ندرك أننا نواجه فاجعة ربما هى الأكبر خلال السنوات الماضية، قبل ساعات رحل 305 شهداء مصريين، وهم فى صلاة الجمعة حيث تجتمع الأسر بأكملها للذهاب إلى الصلاة، ولهذا العديد من الأسر لم يكن مصابها فى فرد واحد من أسرتها، ولكن البعض فقد أسرته بأكملها، وهناك أسر فقدت الأب والابن الأكبر وبهذا لم يعد لها من يرعاها، ولهذا إن لم نستطع تقديم شىء للشهداء، فعلى الأقل يمكننا تقديم شىء لأطفالهم وأسرهم، فى إحدى قرى مصر البعيدة.
عشرات القصص المفجعة حكتها أسر الـ305 شهداء مصريين خلال الساعات الماضية، فهناك الطفل الذى فقد أسرته بأكملها فى الحادث ولم يتبق سواه، سيدة أخرى حكت وهى تبكى أنها فقدت زوجها وأبنها الأكبر، ولم يتبق غيرها هى وأبنها الأصغر وتقول: "لو قعدت أرعى ابنى هترفد من الشغل"، وأم أخرى تحكى عن مقتل كافة رجال الأسرة ولا تعرف من سيزوج بناتها.
المطالب بإنشاء لجنة عليا لرعاية أسر الشهداء ليس مطلب وليد اليوم، فمنذ فترة طويلة يطالب الكثيرون بإنشاء هيئة تكون مسئولة برعاية أسر الشهداء وتوفير ما يحتاجونه، ولكن الأوضاع الصعبة لأهالى قرية الروضة من حيث الجوانب المادية وطبيعة القرية، إضافة لضخامة الفاجعة التى تعتبر أكبر عملية إرهابية فى تاريخ مصر باستشهاد 305 بينهم 27 طفلا تشكل ضرورة لإعادة فتح هذا الملف مرة أخرى.
دعم تلك الأسر الآن لا يجب أن يتوقف على الدولة، بل يجب أن يمتد للمجتمع المدنى ورجال الأعمال، فأفكار مثل توظيف ابن شهيد، أو توفير فرصة عمل لأم لم يعد هناك عائل لأسرتها، أو السماح بوضع خاص لأم فى عملها أو نقل مقر العمل بما يتوافق مع ظروف عملها الحالية، كلها أفكار ربما تشكل طوق نجاة لعشرات الأسر التى عبر بعضهم عن مأساته بكلمات نخشى أن تمر مرور الكرام وتنسى بعد أيام، والبعض الآخر بالتأكيد لم يستطيع أن يعبر أو يحكى عن مأساته.
لا ينكر أحد هنا تحرك الدولة ومحاولتها لتقديم دعم لأسر الشهداء، سواء فى الجيش والشرطة ووقوف مؤسساتهم خلفهم، وحتى فى الحادث الأخير بصرف تعويضات لأسر المصابين والشهداء، ولكن ما نطالب به هنا هو لجنة متكاملة لبحث أحوال كل أسرة، تشارك فيها الدولة ووزارة التضامن الاجتماعى ورجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدنى، لتقديم الدعم لعشرات الأطفال والنساء والشيوخ، الذين يعانون وحدهم الآن فى أقصى مصرن ويدفعون عنا جميعا ثمن الوقوف أمام الإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة