"التٌربى المودرن.. خريج مدارس لغات".. حاملو مؤهلات عليا يعيشون فى جلباب آبائهم.. الأستاذ محمد والباشمهندس محمود ورثوا مهنة "التُرابية" واعتزوا بها.. وكبير الترابية يطالب بتأمين صحى وراتب ثابت من المحافظة

الأحد، 26 نوفمبر 2017 11:00 م
"التٌربى المودرن.. خريج مدارس لغات".. حاملو مؤهلات عليا يعيشون فى جلباب آبائهم.. الأستاذ محمد والباشمهندس محمود ورثوا مهنة "التُرابية" واعتزوا بها.. وكبير الترابية يطالب بتأمين صحى وراتب ثابت من المحافظة محمد نادى ورامى بلبل
كتب محمد سالمان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تزداد مشكلة المفاهيم الخاطئة إذا توارثتها الأجيال وتناقلتها دون المحاولة لتصحيحها أو التعرف كيف أثر مرور الزمن على وضعها الحالى؟
 
ومن المهن التى عانت من الصورة المغلوطة لسنوات عدة مهنة "التُربى" ورغم أهمية عمله فإنه كثيرًا ما نُسجت حوله حكايات لم يعلم أصلها أو فصلها.
 
وفى محاولة للتعرف على آخر المستجدات بالنسبة لمهنة "التُربى"، التقى "اليوم السابع" 3 من الشباب الملتحقين بها  فى العقد الأخير من الزمن، لسؤالهم حول أسباب قبولهم هذا العمل رغم حصولهم على مؤهلات عليا؟ ومدى تعلقهم به وأهميته لهم، وهل الجانب المادى هو الفيصل أم أن عوامل أخرى تدخلت فى قراراتهم، لاسيما أن "التُرابية" معروفون بتوارث مهنتهم أب عن جد، وينزعجون من الدخلاء الجدد عليها.
 

الأستاذ محمد التربى!

 
وللإجابة عن تلك التساؤلات، يقول محمد نادى "27" عامًا _تم تعيينه فى عام 2014 كتُربى مسئول عن الجبانة 26 طريق السويس من قبل محافظة القاهرة_ :"أتشرف باستكمال مسيرة والدى - رحمه الله- التى بدأها منذ عام 1998 فى هذا العمل، وقد رحب كثيرًا بقرارى بالانضمام إلى تلك المهنة، رغم تشجيعه لىّ من الصغر على التدرج فى مراحل التعليم المختلفة وإلحاقى بمدارس لغات ثم تخرجى فى كلية التجارة بجامعة عين شمس عام 2014".
 
محمد نادى
محمد نادى
 
ويُضيف التربى الشاب :"أسرتى كلها رحبت كثيرًا بقرار استكمال مسيرة والدى لأنهم يقدرون مهنة التُربى ويعلمون جيدًا أنها شيء مقدس له أجر وثواب من الله، وكذلك هى علم تشربت أصوله على مدار السنوات التى كنت مساعدًا فيها لأبى حتى توليت المهمة بمفردى سواء على صعيد تجهيز المدافن عند التبليغ بالمتوفى سواء ذكر أو أنثى، وترتيب الخطوات الواجب اتباعها، و أيضًا التعامل النفسى مع أهل المتوفى، وتقدير موقفهم الصعب وتفهمه ومحاولة احتوائه".
 
وتعليقًا على زيادة الشباب حاملى المؤهلات العليا بين "التُرابية" فى السنوات الأخيرة، يقول :"بشكل عام فإن التُربى لابد أن يجيد القراءة والكتابة كحد أدنى، لأن أحد أبرز مفردات التعيين هو المؤهل الدراسى أو شهادة محو الأمية".
 
 مضيفًا :"وبكل تأكيد تواجد الشباب من حاملى المؤهلات أفاد المهنة خاصة أن درجة تعليم الشخص تساعده على تأدية عمله بشكل أفضل، وإدراكه لكافة المسائل القانونية والنفسية وكلامى ليس معناه التقليل من أى تربى لا يحمل مؤهل عالى أو متوسط بل على العكس هؤلاء ممن تعلمنا على أيديهم وهم أصحاب فضل كبير علينا".
 
وحول الصورة الذهنية المأخوذة عن التُرابية، يوضح خريج كلية التجارة: "بالطبع هناك مفاهيم مغلوطة عن التربية أنهم أناس يرتدون جلاليب ممزقة، والبعض يعتقد أنهم المتسولين الذين يتواجدون بالمقابر ويجرون حول السيارات التى تأتى لزيارة الموتى"، مضيفًا: "صحيح أن عملنا بدون مقابل من الحكومة بل أنه عمل أهلى ويتم مقابل رسوم الدفنة فقط".
 
وتابع التُربى الشاب حديثه :"أحيانًا يفاجئ أهل المتوفى أثناء الدفن بأن الذى يقف أمامهم التُربى، ويبدون استغرابهم من سن وهيئة الشاب الذى يتولى مهمة الدفن"، مضيفًا :"فى حياة والدى عاصرت موقف معه أثناء مشادة دارت بينه وبين صاحبة مدفن تحدثت معه بأسلوب غير لائق، وكان رده الهادئ والبسيط أن أصغر أولاده يعمل فى نفس المجال يحمل مؤهل عالى مما جعلها تصمت، وتتفهم وجهة نظره".
 
ويؤمن الشاب صاحب الـ 27 عامًا أن الأخطاء فى مهنة التُربى واردة لأنه لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، وكل مجال به الجيد والسيئ، لافتًا إلى أن السينما والدراما التليفزيونية نسجت عند المجتمع صورة خاطئة عن التُرابية، وساهمت فى ترسيخها.
 

الباشمهندس محمود التربى

 
وعلى نفس المنوال، سار محمود رمضان "25 عامًا"، حاصل على بكارلويوس علوم كمبيوتر لكنه اتخذ قرار السير على نهج والده وتم تعيينه فى مهنة التُربى بشكل رسمى منذ عامين وتولى منطقة "6 ب" بسيدى عبد الله على طريق الاوتوستراد، إلا أنه يؤكد ممارسته لتخصصه بشكل حر بجانب عمل التُربى.
 
ويقول التربى الشاب: "لقد تربيت منذ صغرى على تلك المهنة، ورأيت اتقان والدى لها ومن هنا جاء حبى لها، وإيمانى بأهميتها، وفى نفس الوقت شجعنى والدى على استكمال دراستى، والتدرج فى مراحله المختلفة، وعندما اتخذت قرارى بالعمل فى مهنة التربى بشكل رسمى وافق على الفور"، مضيفًا :"للعلم لم أضح بتخصصى فأنا أمارسه بشكل حر لأنى أحب دراستى أيضًا".
 
ويضيف الشاب صاحب الـ 25 عامًا :"عملى فى مجال التربى مؤخرًا أحيانًا يكون مثار استغراب ممن يتعاملون معى لدرجة أن أهالى المتوفين عندما أخبرهم أنى التربى لا يصدقون"، مضيفًا :"للأسف البعض يعتقد أنه سيتعامل مع التربى بالعقلية التى يراها بها فى السينما وعلى شاشات التليفزيون، وأرى أن معظم الأعمال الفنية أضرت بصورة العاملين فى مهنتنا"، لافتًا إلى أن بعض أصدقائه لا يصدقون حقيقة عمله كتُربى عندما يبلغهم بهذا الأمر.
 
ويتابع الشاب حديثه: "لا تزعجنى فكرة التعميم حول أن كل التُرابيه سيئين ويرتكبون أمورا خارجة عن القانون مثلما يروج أحيانًا، خاصة أن الواحد معروف فى مهنته ومن هو والده وعائلته، والرد البسيط على من يردد هذا الكلام أن كل مهنة بها الجيد والسىء".
 
وعن فكرة سماحه لأبنائه فى المستقبل باستكمال مسيرة الجد مثلما فعل، يقول مهندس علوم الحاسب: "سأرفض وأخبرهم بأنه يجب التوقف عند هذا الحد، وذلك لسبب بسيط أن الزمن يتغير وعليهم مواكبته والتطلع لمجال آخر"، مستدركًا :"فأنا أخذت قرار استكمال مسيرة والدى ولىّ أسبابى لكن أعتقد أن فى زمانهم ستكون الأمور مختلفة تمامًا".
 

رامى.. من الجامعة للعمل فى المقابر

 
نموذج ثالث من حاملى المؤهلات العليا الذى قرر استكمال مسيرة العائلة بالعمل فى مهنة التربى، وأصبح لديه خبرة تتخطى العشرة أعوام فى العمل بشكل رسمى ومعتمد منذ أن تم تعيينه فى شهر سبتمبر عام 2005، وهو رامى بلبل "34 عامًا" تخرج فى الجامعة العمالية شعبة التكنولوجيا دفعة 2003.
 
 
رامى بلبل
رامى بلبل
 
ويوضح رامى بلبل كواليس التحاقه بمهنة التربى، قائلاً :"ورثتها عن جدى، وكنت أزاولها منذ صغرى معه، ولأنى أعلم مدى قدسيتها لم أتردد للحظة فى قبول العمل بها بشكل رسمى"، مضيفًا :"لا تزعجنى الصورة المأخوذة عن الترابيه بل أراه نسبة ضئيلة جدًا فإن هناك حالة من الاحترام المتبادل بينى وبين كل المتعاملين معى من أصحاب المدافن، ولدينا مبادئ نسير عليها بكل احترام، والحالات التى تتجاوز فى حقنا قليلة من وجهة نظرى".
 
ويُضيف التربى صاحب الـ 34 عامًا: "عندما أذهب أى مكان أجد احترامًا لمهنتى، وأجد فئة قليلة ممن يتشاءمون من كونى تُربياً وعموما هذا لا يحدث دائمًا"،
 
مضيفاً :"فخور بعملى لأنه ثواب كبير، والشيء الثانى أن الكثيرين لا يعلمون كم الصفاء النفسى الموجود فى الترب، والتى لا يقدرها إلا القليلين".
 
واختتم رامى حديثه بأنه لا يمانع فى عمل ابنه بنفس المهنة عندما يكبر، مؤكدًا أن طفله رغم التحاقه بإحدى المدارس الخاصة فإنه يحب كثيرًا التواجد فى المدافن معه، لذا لا يوجد مانع فى استكمال مسيرة العائلة.
 

كيف نحقق مستقبل أفضل لمهنة التربى؟

 
هؤلاء الشباب يحلمون بمستقبل أفضل لهم ولمهنتهم، وبناءً عليه يوجد لكل العاملين فى مهنة التربى مطالب يتمنون تحقيقه خلال الفترة القادم، لاسيما أنهم تحدثوا عنه  كثيرًا لكن دون رد ممن يهمهم الأمر، وعن هذه المطالب يقول عدلى عيسى، رئيس رابطة الترابيه فى محافظة القاهرة، والعامل بهذا المجال منذ 40 عامًا: "أود فى البداية توضيح جزئية فى غاية الأهمية متعلقة بمهنتنا وهى أنها قائمة على الوراثة الأبناء يكملون ما بدأه الآباء لأنهم أدرى الناس بكل التفاصيل والخبايا لهذا العمل".
 
ويُضيف رئيس رابطة الترابية فى القاهرة :"أرى أن أبناء التُرابية هم الأحق بالتعيين الرسمى من قبل المحافظة حتى نحمى هذا العمل من أى دخلاء عليه والذين يسببون مشاكل للجميع، بالإضافة إلى أنهم لا يعلمون أسرار تلك المهن ولا الخريطة الجغرافية للمناطق التى يتولون مسئوليتها".
 
وتابع عدلى حديثه قائلاً :"اختيار التُرابية ومساعديهم فى القاهرة يتم عبر لجنة تشكل برئاسة مستشار من محكمة جنوب، بعد إعلان المحافظة عن فتح الباب، ومن هنا أطالب بأن يكون للرابطة دور فى التقييم للمساعدة فى اختيار النماذج الأفضل خاصة أنها مشهرة برقم 477 من وزارة التضامن كجمعية أهلية"، مضيفًا: "بالنسبة لمطالبنا فإنه وفقا للائحة والقوانين المنظمة لعملنا فإن كل تربى يجب أن يكون لديه استراحة ومكتب وسور يحيط به فى الجبانة التى يتولى مسئوليتها على أن يتحمل المجلس المحلى قيمة تلك الأشياء لكن الذى يحدث على أرض الواقع أنه لا يتم السماح لعدد كبير من التُرابيه بإنشاء استراحة من الأساس رغم عرضهم تحمل النفقات لكننا نجد تعنت من الجهات المعنية".
 
ويستكمل كبير الترابيه حديثه: "أطالب أيضًا بإزالة عبء الحراسة عن الترابية خاصة أن مواعيدهم وفقا للوائح هى من الـ 9 صباحًا وحتى الـ5 مساءًا، وبعد تلك الساعة لا يكون له تواجد بالمنطقة نهائيًا، لذا لا يجب مساءلته عن أى شئ يحدث هناك من قبل الجهات المختلفة، وبناءً عليه يجب التأكيد على ضرورة إزالة عبء الحراسة عن كاهل الترابيه لأنهم ليسوا معنيين بتلك النقطة".
 
ويضيف عدلى عيسى :"المشكلة الأكبر أنى أعمل فى هذا المجال منذ أربع عقود تقريبًا ولا يوجد للعاملين به لا تأمين صحى ولا غيره من وسائل التأمين، وحتى عندما اقترحنا بأن يكون لنا راتب ثابت مقابل تسديد رسوم الدفن فى المحافظة بدلا من حصولنا عليها لكن لم يستجيب أحد لنا"، مضيفًا :"تحقيق المعايير السابقة يضمن الحد كثيرًا من الدخلاء على المهنة".  









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة