بعد سنوات طويلة من الاستمرار فى لعبة "القط والفار" بين شركات التكنولوجيا والاتحاد الأوروبى من أجل الحصول على الضرائب، قرر الاتحاد الأوروبى اتخاذ قرارات صارمة، وإنهاء حالة الكر والفر من خلال فرض ضرائب ضخمة على فيس بوك وجوجل خلال العام المقبل 2018.
وكشف رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود جونكر" أن الاتحاد الأوروبى سيقترح فرض ضريبة جديدة على جوجل وفيس بوك العام المقبل، وغيرهما من الشركات الرقمية متعددة الجنسيات، إذ تستهدف الاقتراحات الجديدة العائدات التى تجنيها هذه الشركات من العمل داخل دول الاتحاد الأوربى، بدلا من الأرباح التى يتم حجزها فى دول مثل أيرلندا أو لوكسمبورج، مؤكدا أن على هذه الشركات دفع الأموال فى مكانها الصحيح وهو المكان الذى تحقق به هذه الأرباح.
وسيقدم وزراء الاتحاد الأوروبى اقتراحا رسميا بشأن هذه الضرائب الجديدة فى ديسمبر المقبل، ليتحول فيما بعد إلى مشروع قانون من قبل اللجنة، التى تمثل الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبى.
دول الاتحاد الأوروبى تتكاتف لمواجهة فيس بوك وجوجل
وتأتى خطة الاتحاد الأوروبى بتأييد من فرنسا، المدعومة من قبل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، كجزء من هجوم أوسع من جانب الاتحاد الأوروبى على جوجل وغيرها من شركات التكنولوجيا الأمريكية، إذ تسعى أوروبا إلى تنظيم سبل عمل شركات وادى السيليكون بشكل أكثر إحكاما.
إذ أثار الرئيس الفرنسى ماكرون القضية فى خطاب ألقاه فى سبتمبر الماضى، مشيرا إلى أن شركات التكنولوجيا أصبحت الجهات الأكثر استغلالا فى العالم الحديث.
وحتى الآن وقعت حوالى عشرة من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوربى على هذه الفكرة، بالرغم من أن الكثيرين يحثون على اتخاذ إجراء على المستوى العالمى مثل مجموعة العشرين بدلا اقتصار الأمر على اوروبا فقط.
ويعد الإصلاح الضريبى على نطاق أوروبا بمثابة صداع كبير فى الاتحاد الأوروبى، إذ يتطلب إجماع جميع الدول الـ 28، وقد أعربت دول الاتحاد الأوروبى الأصغر حجما بالفعل عن معارضتها القوية للفكرة التى يقولون إنها ستطارد عمالقة التكنولوجيا الأمريكية بعيدا عن معاقلهم.
وقال رئيس الوزراء الآيرلندى ليو فارادكار "إذا أردنا أن تصبح أوروبا رائدة رقمية، فإن الحل ليس فى فرض المزيد من الضرائب والمزيد من التنظيم، بل العكس تماما".
حرب الاتحاد الأوروبى على فيس بوك وجوجل
و يسعى الاتحاد الأوروبى قدما لتنفيذ خطط لإعادة كتابة قواعد الضرائب الخاصة بشركات التكنولوجيا، والتى تهدف إلى زيادة الأموال التى تحصل عليها الحكومات من أمثال جوجل، وفيس بوك وأمازون.
وتتطلع اللجنة الأوروبية إلى سبل لتحصيل الضرائب من الشركات التى قد لا تملك مكاتب أو محلات تجارية أو أى حضور مادى آخر فى بلد ما، ولكنها تحقق أرباحا من خلال أعداد كبيرة من المستخدمين أو العملاء عبر الإنترنت.
وذكر تقرير نشرته اللجنة فى سبتمبر الماضى أن شركات التكنولوجيا تدفع أقل من نصف الضريبة المفروضة على أعمال الطوب والأسمنت.
وقال التقرير إن الشركات الرقمية التى تقوم بعمليات دولية تدفع عادة نسبة 10.1٪ من الضرائب فى الاتحاد الأوروبى، مقارنة بنسبة 23.2٪ المفروضة على الشركات التقليدية.
وتدفع العديد من شركات التكنولوجيا أقل بكثير من غيرها، فعلى سبيل المثال أبل دفعت 0.005٪ للسلطات الضريبية الآيرلندية فى عام 2014، أى أقل بكثير من معدل ضريبة الشركات، الذى يصل إلى 12.5٪، وتكافح أبل لمحاربة الحكم.
المفوضية الأوروبية
وكشف تقرير لموقع Zdnet الأمريكى فى أكتوبر الماضى، أن المفوضية الأوروبية قررت طلب العون من الجمهور لمساعدتها على اتخاذ قرار بشأن التوصل إلى نظام ضريبى أكثر عدالة و "صديقا للنمو" لشركات التكنولوجيا المتعددة الجنسيات العاملة فى الاتحاد الأوروبى.
وترغب اللجنة فى الحصول على مقترحات تشريعية ملزمة "للضريبة الموحدة" التى ستفرض على حصة من الأرباح العالمية لشركات التكنولوجيا، وتقسيمها بين دول الاتحاد الأوروبى التى تعمل بها.
وقالت المفوضية الأوربية فى بيان لها: "إن الإطار الضريبى الحالى لا يتلاءم مع الحقائق الحديثة، وقد تم تصميمه فى عصر ما قبل الكمبيوتر، ولا يمكنه التقاط النشاطات التى تعتمد بشكل متزايد على الأصول والبيانات غير الملموسة، ونتيجة لذلك، هناك خطر تقلص القواعد الضريبية للدول الأعضاء، والتشوهات التنافسية للشركات، والعقبات أمام الشركات المبتكرة".
وتعتزم اللجنة أيضا تغيير مبدأ تأسيس الشركات، بحيث يمكن فرض ضرائب على الشركات عندما يكون لها وجود "رقمى" فى بلد ما.
على المدى القصير، يمكن لدول الاتحاد الأوروبى فرض ضريبة على الإيرادات من "الأنشطة الرقمية" أو الخدمات، مثل بيع الإعلانات عبر الإنترنت، كما يمكنهم حجب الضرائب على المدفوعات الرقمية أو "ضريبة المعاملات الرقمية" المفروضة على الشركات التى تبيع البيانات الشخصية للمستهلكين.
وأعلنت المفوضية الأوروبية فتح تحقيقها فى ما إذا كان الإعفاء الضريبى الذى أقرته المملكة المتحدة للشركات متعددة الجنسيات يمثل خرقا لقواعد المعونة الحكومية فى الاتحاد الأوروبى.
وخضعت شركات مثل أبل وأمازون وفيس بوك وجوجل لتدقيق فى السنوات القليلة الماضية بدعوى أنها تدفع ضرائب قليلة جدا من خلال إنشاء شركات فى بلدان منخفضة أو غير ضريبية مثل لوكسمبورج وأيرلندا، وقد سمح ذلك للشركات بالإبلاغ عن أرباحها على نطاق أوروبا بمعدلات ضريبية تقل كثيرا عن 1 فى المئة فى بعض الحالات.
وبعد تحقيق دام عامين، أعلنت المفوضية الأوروبية فى أغسطس 2016 أن الترتيبات الضريبية بين أبل وأيرلندا، التى أنشئت أصلا فى عام 1991، سمحت للشركة بدفع "ضريبة أقل بكثير" من الشركات المنافسة، وبالتالى كانت غير قانونية بموجب قواعد المعونة الحكومية.
وخلصت اللجنة إلى أن شركة أبل استخدمت شركتين من الشركات التى تأسست فى آيرلندا حتى تتمكن من الإبلاغ عن أرباحها على نطاق أوروبا بمعدلات فعالة أقل بكثير من 1 فى المئة، مع دفع معدل ضريبى يبلغ 0.005 فى المئة فقط ببعض الأحيان.
ونتيجة لذلك، أمرت أيرلندا باسترداد 13 مليار يورو من الضرائب المتأتية من شركة آبل، والتى لم تستوف بعد.
كما أمرت المفوضية الأوروبية أمازون بدفع ما يقرب من 250 مليون يورو للضرائب إلى لكسمبرج، على الرغم من أن المبلغ المحدد للضرائب التى يتعين سدادها سوف تحتاج إلى حسابها من قبل سلطات لوكسمبورج.
ووفقا للجنة، تلقت أمازون مزايا ضريبية غير قانونية بين عامى 2006 و 2014 فى لوكسمبورج دون أى "مبرر صحيح"، وخلصت إلى أن شركة التجزئة العملاقة على الإنترنت قد حولت جزءا كبيرا من أرباحها من شركة خاضعة للضريبة فى لوكسمبورج إلى شركة أدرجتها فى البلد الذى لم يخضع لنفس الالتزامات الضريبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة