جمال أسعد

كيف نحافظ على رموزنا؟

الثلاثاء، 21 نوفمبر 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثر الحديث هذه الأيام عن الإساءة لما يسمى بالرموز الوطنية. وذلك حين قام أحد المفكرين فى إحدى القنوات التليفزيونية بإبداء رأيه الشخصى فى بعض الشخصيات التى توصف أنها رموز تاريخية. فمن هم هؤلاء الرموز؟ وكيف يتم إبداء الرأى فى هذه الرموز؟ ولماذا يعتبر الرأى العام أنهم رموز؟ وما هو دور وتأثير ما يسمى بالتاريخ المدرسى الذى يدرس فى المدارس خاصة الابتدائية والإعدادية والثانوى؟ وهل هذه الرموز مقدسة ولا يمكن ولا يجب إبداء الرأى فيهم؟ وهل يمكن أن نمنع الرأى أو حتى الإساءة فى رأى البعض الآخر الآن؟ نعم لابد أن يكون هناك رموز تاريخية ووطنية لكل دولة ولكل شعب من الشعوب على مدى الحقبات التاريخية. وهذه الرموز لا تقتصر فقط على الرموز السياسية ولكن تشمل كل المناحى، فهناك رموز تاريخية سياسية وفنية واجتماعية وثقافية ورياضية... إلخ.
 
وبالطبع هذه الرموز تأخذ طابعها الرمزى والتاريخى لدى من يحبهم ويقدرهم ومن وجهة نظرهم وما يؤمنون به من دور وأدوار أدتها هذه الرموز حسب المصادر والآراء التى طرحت وأقنعت هؤلاء المريدين بهذه الرموز، نعم هناك وفى كل مكان من الدول ومن الشعوب من يختلق هذه الرموز وهؤلاء الأبطال حتى إذا لم يوجدوا. وذلك كعامل من عوامل زرع الانتماء الوطنى لدى الجماهير اعتزازاً بأدوار هؤلاء الأبطال واستفزازا وتربية للأجيال أن يتمثلوا بهؤلاء الرموز الأبطال بل فخراً واعتزازاً أمام الآخر الدينى أو السياسى أو الاجتماعى.
 
ومع ذلك فلا يوجد مطلق فى الرؤى والأحكام والآراء فهناك من يعتبر هذا رمزاً مقدراً ومبجلاً لما قام به من دور وفى ذات السياق نجد من لا يعتبره رمزاً بل يتعامل معه بنقيض ذلك. وهذا يرجع لعدة أسباب منها أن هذا الحكم بالقبول أو الرفض يعتمد على رأى شخصى وموقف ذاتى يحركه ويشكله الموقف السياسى من هذا الرمز سواء مع أو ضد. كما أن هذا الرأى وذلك الموقف لا يعتمد على رؤية علمية تاريخية تعتمد على الوثائق الصحيحة والمصادر المحترمة. ولذا لا يملك أحد إجبار الآخر على الاقتناع والقبول برمز إذا لم يكن هناك قناعة لذلك.
 
ولذلك هنا نتكلم على الرأى التاريخى الذى يعتمد على المنبع العلمى للبحث التاريخى ذات المصادر المتعددة التى يمكن أن ترد على بعضها وهذا جائز بل مطلوب ولا يستطيع أحد أن يجرمه. فالآراء الموثقة هى التى تدخل فى إطار البحث أو إبداء الرأى الشخصى الذى ينطلق من مواقف سياسية فهذه ليست بآراء تاريخية وأيضاً لا يجب تجريمها تأكيداً لحرية الرأى التى يكلفها الدستور والقانون، أما ما يسمى بتحقير الرموز هنا لا يقبل التحقير أو الإساءة ليس للرموز فقط ولكن لأى شخص سواء كان رمزاً أو غير ذلك. كما أن الإساء والتحقير إذا جاز القول إنها تنطبق على رموز تاريخية كان لها زمانها فهذا لا يقابل بالسجن أو الحبس أو الغرامة حسب مشروع القانون المقدم الآن للبرلمان، ولكن يكون الرد هنا بالرأى وبالحجة والدليل والوثائق التاريخية. أى أن إبداء الرأى فى هذه الرموز متاح ومباح للجميع سواء كان سلباً أو إيجاباً فى مقابل الرأى الآخر. فالعلاج بالحبس هذا لا علاقة له لا برأى ولا فكر ولا حرية تعبير تحت أى حجة أو أى مبرر.
 
مع العلم أن الرموز المطروحة فى الإطار المدرسى التى نتعامل معها والتى تعالمنا معها فهى رموز حكمتها وتحكمها الرؤية السياسية أكثر من التاريخية ومن الجائز أن هناك مبررات سياسية ووطنية تكون بنت عصرها تبرر هذا الطرح السياسى. فمثالاً بعد ثورة 23 يوليو 1952 حيث كان المد الثورى والوطنى درسنا ووعينا تلك الرموز مثل أحمد عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول. حيث لم يكن متاحاً قبل ذلك دراسة هذه الرموز لتعارض مواقفها السياسية مع حكم أسرة محمد على.
 
والحكم السياسى ليس التاريخى كان هو المطورح حيث كان عرابى لدى الأسرة العلوية خائنا ولكنه بالنسبة ليوليو ثائر وهكذا، إذن لا يجب أن نعتبر التاريخ المدرسى حجة تاريخية لا تقبل النقاش. وفى ذات الوقت لا يوجد مقدس ولا مطلق غير الله سبحانه وتعالى فجميع البشر غير مقدسين سواء كانوا رموزاً أو أبطالاً فكل واحد له وعليه. ولكن الحكم هنا يجب أن يكون على أرضية بحثية تاريخية وهذا حسب الوثائق المطروحة ومن حق الباحث أن يصل إلى نتائجه سواء كان بطلاً أو غير ذلك وتظل هذه النتيجة رأيا يقابل برأى وبحثا آخر يقابل ببحث. ولذلك نرفض شكلاً وموضوعاً فكرة التجريم القانونى فى إبداء الرأى فى هذه الرموز.
 
كما أن كلمة رموز كلمة مطاطة ستستغل أيما استغلال خاصة من المطبلين والمنافقين على المستوى الدينى والسياسى. وصلاح الدين يتعاملون معه كرمز إسلامى عند اللزوم وكرمز سياسى فى مجال آخر فالرموز أياً كان تصنيفها ليست ولن تكون مقدسة بل يجب إبداء الرأى حولها بكل حرية. فالرأى والحوار والنقاش وفتح كل الأبواب هو الطريق الصحيح لرفع درجة الوعى الجماهيرى دينيا وسياسياً وثقافياً. ولكن الوصاية بجهل والتزيد بهدف المصادرة فهذا ليس فى صالح الوطن ولا المواطنين كفى وصاية فلنترك كل الزهور تتفتح حتى نستنشق كل ما هو جميل ورائع.. فلا أحد الآن يملك الوصاية فى ظل هذه السماوات والأجواء المفتوحة والتى لا يحدها حد. فإذا كانت الوصاية مستحيلة ومحاصرة الرأى بعيدة عن التحقق فلا يجب أن يمارس أعضاء البرلمان هذه الوصاية. فليشرعوا ما هو مطلوب من أجل الشعب وحل مشاكله وتبنى قضاياه.
 
كما أن استغلال القانون كرد فعل لكل ما يحدث فهذا استنزاف للقانون يبطل مفعوله. كم من قوانين مهمة ولا تفعل. الرموز ملك الوطن وملك الجماهير ورفضها أو قبولها حق يحكمه الحوار والرأى الآخر والبحث العلمى. ولا تبالغوا فيما لا يستحق المبالغة. حمى الله مصر وشعبها العظيم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة