نادرًا ما تقابل مصريًا إلا ويشكو لك سوء أخلاق الناس، وأننا تغيرنا كشعب، ولم نعد المصريين «بتوع زمان»، وإذا كنا كلنا نشكو من «الوحشين» فأين هم «الناس الطيبين»؟، ولماذا اختفوا وتركوا الساحة للأوباش؟، ولماذا حدث التدهور الأخلاقى الذى وصل إلى حد «الطفح»؟، وهل هناك أمل فى أن يسترد الناس أخلاقهم، ويعود المصرى «بتاع زمان»؟
زمان.. عندما بدأنا العمل بالصحافة، كنا نعمل تحقيقًا من بين كل خمسة تحقيقات عن ظاهرة الاغتراب، ومعناها أن المواطن الذى لا يملك شيئًا من بلده يعيش غريبًا أو مغتربًا فيه، من الممكن أن يمتلك أملًا أو حلمًا أو بيتًا أو زوجة أو أولادًا، أو حتى درّاجة يقضى بها مصالحه، فتتولد لديه غريزة الحفاظ على ما يملك، ويعلو المفهوم إلى الحفاظ على الوطن.
وعلى مدى سنوات طويلة، تم تجريف المصريين من حلم أن يمتلكوا شيئًا من وطنهم.. التعليم والصحة والإسكان والخدمات والمرافق والمجارى، وأسوأ من كل ذلك التكدس السكانى، والازدحام فى المواصلات والشوارع والبيوت وغرف النوم.. فى كل مكان صار البشر يسابقون «التوك توك»، فأصبحنا نتزاحم على مكان فى الأتوبيس والمقهى وأمام الأفران والمجمعات الاستهلاكية.. ولا ينتج الزحام إلا ثقافة «اخطف واجرى».
الأخ يريد أن يختطف «اللقمة» من فم إخوته، والجار يريد أن يستولى على شقة جاره، والموظف لن يترقى وظيفيًا إلا بالـ«زُنَب»، والسياسيون اختطفوا الأحزاب ولم يتركوها إلا بعد أن ماتوا وأماتوها، ورجال الأعمال اختطفوا الأراضى وسقَّعوها وعبّوها فى كروشهم حتى انفجرت من التخمة، والموظف يضع يده فى جيب المواطن، والمواطن يبحث عن زبون ينصب عليه، واستمرت كرة النار فى التدحرج.
وزاد الطين بلة بعد الـ«فيس بوك» والسوشيال ميديا، وأشبهها بالمخدرات التى تعزل المتعاطى عن الواقع، فيخلق لنفسه عالمًا افتراضيًا يعيش فيه، ولجأ الشباب إلى هذه التكنولوجيا هروبًا من وحش البطالة و«الفلس» والاحتياج، فعن طريق الـ«فيس بوك» يستطيع أن يصاحب المسؤول والفنان والمشاهير، ويتخاطب معهم، ويتعرف على ألف فتاة، ويجلس فى أحسن الأماكن، دون أن يدرك أن ذلك يشبه المدن الفاضلة للحشاشين.
وامتدت يد الأشرار مستخدمة سلاح الـ«فيس بوك» ضد الدول المستهدف إسقاطها، بتوظيف شبابها وتعبئتهم وحشدهم، وظلت روافد الانهيار تتجمع فى نهر واحد «25 يناير»، وانفجرت مواسير الطفح الأخلاقى لتصيب كل شىء فى المجتمع، فشاهدنا شبابًا يحرقون بلدهم، ومن يحرق بلده يهنْ عليه أى شىء، أن يقتل ويسرق ويغتصب وينتهك ويكذب.. إنها النار التى أشعلناها ونكتوى بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة