بالفعل إنها القسوة البالغة، أن تسمح الأسر بزواج بناتها فى سن 12، وهى الملاحظة التى شدت انتباه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفال إطلاق التعداد السكانى، وأياً كان العدد صغيراً أو كبيراً، فهى جريمة غير إنسانية، أن يتم انتهاك جسد وعقل طفلة، لم تصل سن البلوغ، أو وصلته بقليل.
القانون يحظر ذلك، ولكن الاختراق والتحايل هى سيد الموقف، ومهما بلغت شدة العقوبة، فالأمر يحتاج إلى توعية شديدة، لإنقاذ الأسر التى تقدم على ذلك من مستنقع الأفكار البالية والفتاوى الغريبة، خصوصاً أن مشكلة مصر ليست زواج بنت صغيرة أو رضيعة، وإنما فى العنوسة وارتفاع سن الزواج، فعلموا الناس ما ينفعهم ولا تلحقوا بهم الضرر، بآراء وأحكام مأخوذة من ظلمات كتب عفى عليها الزمن، وفى ظروف مغايرة تماماً.
أخطر الأضرار أن تفقد البنت الصغيرة طفولتها، فلا هى طفلة ولا هى امرأة، وتتضخم المأساة إذا أنجبت فتكون مطالبة برعاية أطفال وهى نفسها فى أمس الحاجة إلى الرعاية، وما يستتبع ذلك من الضعف الجسمانى والحرمان والضياع، والمذهل أن بعض الصغيرات أصبحن أرامل أو مطلقات، وإذا سألنا: ما المبرر أساساً لذلك، وهل مصر ينقصها بنات فى سن الزواج حتى نقدم على زواج الصغيرات؟
التوعية تحتاج إلى تطهير العقول من التخلف، فلا أعتقد أن الجدل الدائر فى دوائر السلفيين حول حق ولى الأمر فى تزويج الفتاة حتى قبل البلوغ، أمر يفيد المجتمع أو يحمل له الخير، ومن المؤسف أن يتم جذب العقول والأفكار إلى مستنقع الأذى والضرر، ولا تختلف تلك الفتاوى عن الدعاوى الإرهابية، التى تبيح القتل والدماء، فكلاهما قتل للنفس إما بإزهاق روحها، أو تدمير جسدها.
التعداد السكانى فتح آفاقاً رحبة لمعلومات وإحصاءات وأرقام تحتاج إلى المتابعة والتحليل، أو كما طلب الرئيس تشكيل لجنة على مستوى رفيع، لبلورة كنز المعلومات إلى خطط وبرامج نستفيد منها فى المستقبل، سواء ما يتعلق بالسكن أو المرافق والعقارات وغيرها، فمصر بالفعل غنية بسكانها وإمكانياتها، ولكنها تحتاج من يوظف ذلك، فيما يخدم التنمية والبناء.
تحية لكل من بذلوا الجهد والعرق وساهموا فى إعداد كتالوج لمصر، فيه المزايا والعيوب، ونقاط الضعف والقوة، فليس التعداد مجرد أرقام صماء نتداولها دون أن نخترق ما وراءها، ولكنها ترسم خريطة المستقبل، إذا أحسنا استخدامها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة