أسئلة كثيرة يجب أن نطرحها على أنفسنا، بعد مشاهدة فيلم «مولانا» للنجم عمرو سعد، والمخرج مجدى أحمد على، هل هذه النوعية من الأفلام أصبحت ضرورة.. هل وجب على القائمين على صناعة السينما التركيز فى إنتاج أفلام تلقى أحجارًا فى المياه الراكدة.. هل وجب أن تستعيد جزءًا من وظيفتها ألا وهى «التنوير»؟.. فى ظنى أن الأمر بات ضرورة ملحة؟ خصوصًا فى ظل التراجع الفكرى والاجتماعى والعنف الذى أصبح يحاصرنا، بل لنكن أكثر دقة يحاصر العالم.
فيلم «مولانا» المأخوذ عن رواية الكاتب إبراهيم عيسى، بنفس الاسم، هو واحد من الإنتاجات المهمة التى قدمتها السينما مؤخرًا، لأنه يتناول قضايا ليست آنية فقط، بل أيضا هى قضايا مللنا من كثرة ترديدها، فهو يضرب بوضوح ومباشرة شديدة فى قضية استغلال الدين سياسيا، وتوظيف كل شىء مهما كان لصالح السلطة، أو بمعنى أكثر دقة لصالح بقائها، وليس مهما على الإطلاق على جثة من تبقى السلطة.. التى لا يرغب أسيادها سوى فى مزيد من العبيد الذين يتم ترهيبهم تارة وترغيبهم فى حالات نادرة.. الخوف هو الدم الذى يتغذى عليه كل صاحب سلطة.
عمرو سعد
يقدم فيلم «مولانا» شخصية رجل الدين بشكل مختلف تمامًا عما سبق وشاهدناه فى كلاسيكيات السينما، عندما يكون أقرب فى التركيبة إلى «الشيخ» فى فيلم الأرض ليوسف شاهين ذلك المرواغ الذى يكيف الدين وفقا للأهواء والمصالح، إلا أنه فى «مولانا» كان الرجل أقرب إلى مشايخ الفضائيات، الذين باتوا يسيطرون على المشهد الإعلامى.
الرابح الأكبر هو عمرو سعد بأداء جيد وقدرة على مجاراة تطور الشخصية دون «أفورة»
«مولانا» نموذج مثير للإعجاب والتقدير فى آن واحد، الشيخ «حاتم الشناوى» عمرو سعد شاب متفتح، وذكى، وساخر، وذهنه حاضر - شاهد أول إطلالة له على الشاشة بعيدًا عن لقطات الـ«افان تتر» والتى قامت بتقديم الشخصية وزواجه واستقراره العائلى، فهو داخل توتوك وفى طريقه إلى المسجد الذى يلقى فيه خطبته بانتظام، حيث إنه موظف تابع لوزارة الأوقاف.. كيف يناكف سائق التوكتوك والأمن الذى استلم المسجد قبل أن يأتى رئيس الوزراء وعدد من الشخصيات المهمة للصلاة - صدفة تغير مصير «حاتم الشناوى» من مجرد شيخ له مريدون يأتون إلى المسجد للاستماع إلى دروسه، إلى نجم فضائيات لامع ومتألق تتهافت عليه الفضائيات ويحقق أعلى نسبة مشاهدة خصوصًا وأنه متمكن من مادته، يثق فى قدراته على الإقناع، يحقق شهرة وثراء من خلال تقديمه لأحد البرامج الدينية، إلا أن القدر يعانده بعد أن يقع ابنه الوحيد «عمر» والذى أنجبه بعد معاناة 7 سنوات، وكاد أن يغرق فى حمام السباحة، عندما تركه الشيخ لحظة ولم يلتفت إليه وهو يلتقط صورًا مع المعجبين، ليدخل ابنه فى غيبوبة تتطلب سفره إلى الخارج للعلاج، ولذلك يقرر أن يتجاوز فترة اكتئابه وانعزاله ويعمل أكثر وأكثر ليضمن تكاليف العلاج، وكلما زادات شعبيته اتسعت الهوة بينه وبين زوجته (تجسدها درة) إلا أن الشيخ حاتم فجأة وعن طريق ممثل شاب، يجسده نادر حمدى معجب به بشده يعرفه إلى ابن الرئيس _( التركيبة يتداخل فيها شخصيتا علاء وجمال مبارك)_ حيث يجد حاتم نفسه وجهًا لوجه أمام ابن رئيس الدولة، الرجل الذى كان يحكم مصر من خلف ستار -إشارة إلى جمال مبارك وما كان يتردد وقتها - ويطلب منه أن يساعده فى إيجاد حل لشقيق زوجته الذى قرر أن يتحول إلى الدين المسيحى، وهذا من شأنه أن يدمر كيان الأسرة التى تحكم ويضعها فى أزمة لا يعلم أحد نهايتها ويحاول الشيخ حاتم، أن يلتقى بـ«حسن» أحمد مجدى، الذى قرر أن يُطلق على نفسه اسم بطرس، وفى اللقاء الأول بينهما لا يحاول الشيخ حاتم أن يقنعه بخطورة وخطأ ما يفعله، ولم يلجأ إلى النُصح، ولكن إلى المناقشة المنطقية، ليصل إلى حقيقة الحالة النفسية والذهنية التى دفعت الشاب إلى ذلك.
عمرو سعد ودرة
مأزق مولانا
أعتقد أن إبراهيم عيسى فى روايته «مولانا» كتب جزءًا كبيرًا من نفسه، أفكاره ونقاشاته ومواقفه.. نميمة السلطة فى تلك الفترة_( الفيلم يتناول مباشرة فترة الرئيس الأسبق مبارك)_ كثير من الأحداث والنميمة التى كان يبات ويستيقظ فيها المجتمع المصرى.
وفِى ظنى أن هذا هو مأزق «مولانا». إنه فيلم يريد أن يقول كل شىء فى قضايا أقل توصيف لها أنها جدلية ومعقدة وتحتاج إلى مجهود كبير لإزالتها وهو ما جعل بعض المشاهد الهامة الـ«ماستر سين» فى الفيلم تبدو بالنسبة لى غير مشبعة، مثل مشهد النهاية ومشهد المناقشة بين حاتم الداعية وحسن الذى أطلق على نفسه بطرس ويرغب فى التنصر.
كل ما يتعلق بالنقاشات حول (صراع الدولة وإذكاء نار الخلافات بين السنة والشيعة) وهى المشاهد المهمة والتى لم يتم تشبيعها كما ينبغى بل جاءت أقل بكثير من المطلوب.. خصوصًا أن السيناريو كان معنى برسم الدور الذى تلعبه الدولة وتوظيفه للاختلافات بين المذاهب.
عمرو سعد
يُحسب للفيلم أنه ألقى حجرًا فى مياه السينما الراكدة التى تناست دورها فى التحريض على التفكير
«مولانا» كان من الممكن أن يكون فيلمًا سينمائيًا أفضل من ذلك بكثير، خصوصًا أن شخصية البطل على شخصية درامية جذابة وصلت إلى ممثل متميز قادر على تجسيدها بحرفية عالية، وحوله عدد من الممثلين الموظفين دراميا بشكل شديد التميز _ رمزى العدل فى أول ظهور له، فى دور شيخ المتصوفة وأستاذ حاتم، والفنان الذى جسد دور جمال مبارك.
كما نجح المخرج مجدى أحمد على بنسبة كبيرة فى تجاوز مشكلة النص الروائى القائم بالأساس على شخصية رجل مهمته فى الحياة الكلام، إذ جاءت المشاهد ثرية على المستوى البصرى، وكان هناك حركة دائمة للكاميرا، والكادر دائمًا ما يكون شديد الثراء ومفعم بالعناصر الفنية، إضافة إلى حوار إبراهيم عيسى «الذكى» وتحديدًا فى مشاهد النقاشات.. وفى ظنى أنه إذا كان الجمهور قد كسب فيلمًا مختلفًا رغم التحفظات، إلا أن الرابح الأكبر هو الفنان عمرو سعد، والذى أجاد التعبير عن تطور الشخصية والنقلات التى مر بها، ووزان دون صراخ أو أداء زاعق ما بين التكوين الداخلى للشخصية وتطورها.
عمرو سعد
ريهام حجاج
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة