"السياسى الانتهازى" لا ينشأ من الفراغ ولا يستحدث من العدم، لكنه نتيجة ظروف معينة، يمكن أن نطلق عليها "الاستقطاب والتصارع السياسى" وهى أزمة ليس فى مصر فقط، لكننى أعتقد أنها ظاهرة إنسانية عامة طالما وجد الصراع الإنسانى ووجدت الطرق المختلفة للوصول للهدف، والدكتور حاتم الجوهرى يعرض فى كتابه "سيكولوجية الصراع السياسى.. نقد آليات التشويه والاستقطاب.. دراسة فى علم النفس السياسى" الصادر حديثا عن دار العين، صفات أساسية من كن فيه كان انتهازيا بامتياز.
الكتاب يقوم على فكرة البحث فى رصد العلاقة والتدافع البشرى الأزلى وآلياته فى المجتمع، بين الانتهازيين دعاة تغليب المصلحة الشخصية والفردية، وبين الموضوعيين أو دعاة المصلحة الجماعية وتغليب المعايير العادلة، التى تعطى لكل ذى حق حقه".
يرى "الجوهرى" أنه بعد ثورة 25 يناير وإزاحة عدد من الأنظمة السياسية بطرق لم يعتدها المشهد المصرى، والتى اعتمدت غالبا على خلق "استقطاب حدى" يقسم المجتمع إلى كتلتين إما مع أو ضد! ولا يترك مساحة لرأى ثالث حتى ولو كان أقرب للتغيير ولفكرة الثورة، وعادة ما يكون الاستقطاب المعلن منذ اندلاع الثورة المصرية 2011 حول أحد مستويات الهوية الإنسانية الكبرى: الدين، الوطنية، الانتماءات السياسية.
ويذهب "حاتم" إلى أنه لا بد أن يتوفر 3 شروط فى السياسى الانتهازى، لكنه يحترز، بأن هذه الشروط ربما تتوافر فى آخرين ولا يكونوا انتهازيين، المهم الشروط الثلاثة هى، أولا: أن يكون لديه برنامج مرفوع وخطة وقالب معد مسبقا – يراهن عليه دون غيره – وشكل جاهز وثابت ومسمى معلن للحكم، وتتحول لديه الوسيلة أو طريقة التغيير إلى "مقدس" أو "دوجما" يدافع عنها أو "تابو" يرفض أن يناقشه فيه أحد.
الشرط الثانى الذى يراه حاتم الجوهرى فى الانتهازى هو أنه يسعى للوصول للسلطة والجلوس على مقعد الحكم كغاية فى حد ذاتها، وتتداخل مصالح الأفراد مع مصالح التنظيم، وتتداخل المصلحة الشخصية مع المبادئ السياسية المعلنة، وثالث الشروط هى "أن يكون عضوا عاملا وناشطا فى أحد الأحزاب المرخصة من قبل الحكومة أو التنظيمات غير المرخصة".
أما الصفات المميزة لسلوك السياسى الانتهازى فمنها، المكر والدهاء والخبث فى التحرك عامة، المداهنة والمراوغة والخديعة عند اتخاذ المواقف غالبا، الاستدراج والغدر والتربص – عادة – مع من يراهم السياسى الانتهازى المسيطر تنظيميا يمثلون له منافسا أو عدوا قديما أو حاليا أو مستقبلا.
كذلك من سمات السياسى الانتهازى أن المصلحة هى المحرك الأساسى فى معظم تصرفاته، وغياب دافع القيم ووازع الضمير والمبدأ كمحرك أساسى ومرجعى، مع النزوع إلى السيطرة والرغبة فى التحكم، والشراسة والقوة والغطرسة والتعالى، وفى الوقت نفسه ادعاء الطيبة والمثالية والموضوعية والبراءة والنقاء.
ومن الصفات أيضا، التحرك مع الرأى الغالب والشائع وعدم تبنى وجهة نظر الطرف الأضعف ولو صحت، كذلك التشويه الحاد بلا هوادة أو تراجع أو تردد والعدوانية الشديدة لمن حاول السياسى المسيطر تنظيميا استقطابه ولم يفلح فى مبتغاه، كما أنه لا يوجد للسياسى الانتهازى أصدقاء دائمون إنما حلفاء أو أعداء مؤقتون، كما يميل لفكرة الاختبار ووضع الناس أو الفرد تحت نفس الظروف التى تعرض لها، ويقع السياسى تحت تأثير فكرة "الشخصية المحبوبة"، وتسيطر عليه فكرة "التصارع والاحتراب".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة