بين صور كثيرة مضطربة، بسبب ماتحتويه، أو نظرا لاضطراب الناظر تبقى صورة ليلة عيد الميلاد الأكثر بهجة والأشد تعبيرا عن رؤية وشجاعة يظن البعض أن مصر قد افتقدتها.
منذ اللحظة الأولى التى وطئت فيها أقدام الرئيس عبدالفتاح السيسى مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، كانت الرسالة الأولى قد وصلت، رسالة تخبر كل من شكك فى الزيارة وكل فضائيات الإخوان، التى تحدثت عن خوف الرئيس من الزيارة بسبب الحالة الأمنية، أو أن هناك رغبة مسيحية بعدم استقبال مسؤولى الدولة بأنه خسر رهانه على تشويه مصر مجددا.
ومع حالة الود والترحاب والزغاريد والهتافات، التى استقبل بها المسيحيون داخل الكنيسة الرئيس لحظة دخوله كانت الرسالة الثانية قد وصلت، رسالة تخبر السادة فى قناة الجزيرة أن تقاريرهم المسمومة، التى نشرت وأذيعت تحت عنوان انتهاء شهر العسل بين السيسى والمسيحيين أنه أكاذيبهم سترتد إلى صدورهم لتؤكد للعالم أن الجزيرة، ومن خلفها، سخروا أنفسهم لتشويه هذا الوطن ونشر الفتنة فى جنباته بالشائعات والتقارير المضروبة.
وفى اللحظة التى تكلم فيها الرئيس وأعلن انتهاء الدولة من ترميم كل الكنائس، التى أضيرت بسبب عنف الإرهاب والإخوان فى الثلاث سنوات الماضية، كانت الرسالة الثالث وصلت إلى واشنطن، رسالة رئاسية حازمة تقول لأصحاب المشروع الأمريكى، الذى طالب بمراقبة عمليات ترميم الكنائس فى مصر أخرسوا، فلا أحد يتدخل فى شؤوننا، واستكمل البابا تواضروس هذه الرسالة الموجهة إلى واشنطن بعبارته الوطنية البليغة وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن.
وفى اللحظة التى توقف الرئيس ليعلن أن كنيستين فقط لم يتم الانتهاء من أعمال ترميمهما واحدة فى العريش وواحدة فى المنيا ينقصهما أعمال الرسوم الزيتية فقط، كانت الرسالة الرابعة قد وصلت لتؤكد أن رئيس الجمهورية كان مهتما ومتابعا لهذا الملف بنفسه، وبكل تفاصيله الصغيرة وليس مجرد مسؤول ترفع له التقارير.
وفى اللحظة التى كانت تعبيرات الرئيس كلها خلال كلمته تعبر عن صيغة الجمع «احنا واحد»، مصر هتقوم بينا كلنا، كل سنة والمصريين كلهم بخير، كانت الرسالة الخامسة قد وصلت لكل من يخططون لإشعال الفتنة والتلاعب فى نسيج هذا الوطن الواحد، رسالة واحد تخبرهم بأن يكفوا عن المحاولة لأن وحدة المصريين أقوى من مؤامراتهم.
وفى اللحظة التى تحدث فيها الرئيس عن أنه لا مكان فى القبح وتساءل مستنكرا: «إزاى حد يقول أن وجودى فى الكنيسة النهاردة عشان أجامل أهلى وأقولهم كل سنة وأنتم طيبين ده مش من الحسن»، كانت الرسالة السادسة تتضح وهى رسالة شجاعة جدا من رئيس أعلن تحديه للخطاب الدينى المتطرف من قلب بيت من بيوت الله، يحرم بعض المتطرفين دخوله وتهنئة أهله بأعيادهم.
وفى اللحظة، التى أعلن فيها الرئيس عن إنشاء أكبر مسجد وكنيسة ومركز حضارى فى العاصمة الإدارية الجديدة، كانت الرسالة السابعة قد تجلت بأن وحدة هذا الوطن قائمة وسيساهم فى رسم صورتها ورمزيتها كل المواطنين وأولهم الرئيس نفسه، الذى أعلن تبرعه لذلك المشروع فى وقتها دون أن يتأخر، بالإضافة إلى المعنى الحاضر فى استعادة الدور التنويرى والفكرى لمصر من خلال المركز الحضارى.
عموما
المواطن المصرى يعرف جيدًا معنى الزغاريد، ومن بين المصريين نوع معجون بشوارعها يستطيع أن يميز زغرودة عن أخرى، أحدهم أخبرنى ليلة قداس عيد الميلاد المجيد، بضرورة التمييز من بين صراخ إخوتنا الأقباط ومجموعة الزغاريد النسائية المرتبكة، ثم قال: «الزغرودة دى.. زغرودة فرحة جبر الخواطر».
فعلها عبدالفتاح السيسى، وزار الكنيسة ليلة عيد الميلاد، فى زيارة لا يمكن أن تصفها إلا بالتاريخية، وقبل أن تسأل لماذا تستحق هذا اللقب؟!، واجب عليك أن تنتبه إلى الظرف الحالى، الذى جاءت فيه الزيارة بمثابة جراحة جديدة للم شمل هذا الوطن وأبنائه، ومن بعد ذلك واجب عليك النظر إلى الماضى، لتكتشف أن الزيارة لم تكن فقط تاريخية بل شجاعة أيضًا، شجاعة لأن السابقين كانوا يخشون مزايدة المتطرفين، كانوا يخشون الاتهامات بالميل إلى الكنيسة، لكن السيسى فعلها رغم أنه الأكثر تعرضًا للانتقاد والهجوم والمزايدة من قبل الإخوان، ومتطرفى تيار الإسلام السياسى.
«فى كتابه «الحجة فى بيان المحجة» يقول الإمام إسماعيل بن محمد الأصبهانى: إن أكثر ما يدخل الإنسان الجنة بجانب التقوى، وحسن الخلق، هو تطييب النفوس المنكسرة، وجبر الخواطر، لأنها من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المؤمنين».
فرحة المسلمين قبل المسيحيين بحضور السيسى قداس الميلاد يمكنك أن ترجعها إلى شعور تولد داخل البعض بأن مصر تستعيد نفسها، شعور ربما كان يحتاجه المصريون فى تلك الأجواء، التى تسيطر عليها روائح التهديد والفتنة، لتأتى الزيارة بكل ما تحمله من معانٍ لتؤكد للناس أن نسيج هذا الوطن جاهز دومًا لأن يصنع منه المخلصون- والمخلصون فقط- ثوبًا بلا رتق، وخيمة يستظل أسفلها الجميع دون خوف، وراية تتقدم الصفوف.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود جاب الله
الله يفتح عليك يا أستاذ محمد
الله يفتح عليك يا أستاذ محمد. فقد قلت ما أشعر به حقا وصدقا ودون مبالغة. تحيا مصر.