لم أعرف بين الأشقاء العرب من يحب مصر والمصريين أكثر من أهل المغرب، فهم يعشقون كل ما أو من هو مصرى والسلام، بدءًا من اللهجة وانتهاءً بالرموز السياسية والفنية والثقافية، وقد تعرفت شخصيًا على عدد من كتاب وشعراء المغرب الشقيق، فلمست فيهم تلك المشاعر الطيبة تجاه بلدنا وشعبنا حتى فى أحلك الظروف التى تخلى فيها عنا أشقاء كنا نظنهم أقرب إلينا بحكم الجوار، وعمل ضدنا أشقاء كنا نظن لديهم عرفان ووفاء، بحكم اللغة والدين، وسنوات العون الطويلة.
المغرب والمغاربة قصة أخرى، هم يعشقون مصر ومن يأتى منها، لا يطلبون شيئًا مقابل محبتهم ولا ينشغلون بتفسيرها ومعرفة أسبابها ومبررات استمرارها، رغم التقلبات فى كل المجالات، ومنذ متى كان للمحبة سبب أو تفسير، فما أن تطأ بقدمك تراب المغرب تجد من يستقبلك بابتسامة تتسع عندما يعرف أنك من بلد أم كلثوم وعبد الحليم، بلد عبد الناصر والسيسى، بلد الأبنودى وأحمد فؤاد نجم، ثم تنهال عليك الأسئلة عن أحوال البلد والفنانين والأدباء، وماذا تتكلف الحياة فى القاهرة أو الرحلة إليها، وتجد كثيرًا من التفاصيل والأمور الرائجة هنا حاضرة هناك أيضًا، فتشعر لأول مرة بمعنى العبارة المستخدمة بروتوكوليًا «بلدك الثانى».
أكتب هذه الكلمات فى محبة المغرب والمغاربة فى ظل أجواء المباراة التى جمعت فريقى البلدين فى البطولة الأفريقية، ودفعت بعض المجاهيل السفهاء إلى كتابة البوستات والتغريدات التى تحمل نعرة التعصب على مواقع التواصل الاجتماعى، ولكن ما أثلج صدرى أن كثيرًا من الردود والتعليقات أطفأت تلك النيران بتغليب المحبة والأخوة على التعصب والكراهية، فلو كانت تلك المباراة سببًا فى شقاق بين أطيب شعبين فلتذهب المباراة ونتيجتها إلى الجحيم، ويا ليتها تقبل القسمة على الفريقين لارتحنا بتوزيع الفرحة مناصفة بين البسطاء من شعبينا.
لنضع مباراة الكرة فى حجمها، ولنتوقف أمام اللعبة برمتها لنوليها ما تستحقه من اهتمام بلا مبالغة أو استخدام سياسى، فهى مباراة فى كرة القدم ضمن بطولة رياضية يخوضها عدد قليل جدًا من الشعبين المصرى والمغربى، بينما لعشرات الملايين من أبناء الشعبين أحلامهم ومطالبهم واحتياجاتهم التى يتمنون تحقيقها، وهى بالقطع أهم من مباراة للكرة. ليس من المعقول إطلاقًا أن ننسى أحلامنا ومطالبنا واحتياجاتنا فى مصر أو فى المغرب، وننجرف وراء فرحة هيستيرية أو حزن هيستيرى بعد مباراة كرة قدم، أو أن نفقد مشاعرنا الجميلة تجاه القاهرة أو الرباط ونستبدل بها التعصب المقيت، لتذهب المباريات وتأتى، ولينتصر الفراعنة أو أسود الأطلسى لا فرق، ولكن قبل ذلك وبعده، لتبق المحبة بين المغاربة والمصريين دائمًا وأبدًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة