زينب عبداللاه

لماذا ينتحر المتهمون؟

الثلاثاء، 03 يناير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ساعات قضاها داخل محبسه يسترجع فيها ما فات، ويستعرض مصيره القادم، يتذكر أبناءه وأسرته، كيف سيواجهون الناس والمجتمع، يرى الوصمة التى ستلحق به وبأسرته طوال العمر وبعده وتستمر لأجيال قادمة، حتى يوصم بها الأحفاد، يشتعل رأسه بحجم الاتهامات الموجهة إليه، وكيف يعيش أيامه القادمة فى السجن، أفكار تضخم بها رأسه حتى كاد ينفجر، فعجز عن احتمالها، وقرر فى لحظة يأس أن ينهى حياته حتى يتخلص منها.

لماذا ينتحر المتهمون وأى نوع منهم ذلك الذى يقدم على خطوة الانتحار هربا من الوصمة وأشياء أخرى، لعل من بينها ضغوط وتهديدات وخوف على من يهمه أمرهم.

منذ سنوات تداولت الصحف خبر مقتل لواء شرطة على يد أحد العمال، وتناثرت الأخبار حول علاقة مريبة جمعت بين اللواء والعامل، وبعدها بأيام انتشر خبر انتحار ابن اللواء الطالب بكلية الطب بعد محاصرته بالشائعات التى طالت والده المجنى عليه، وعدم قدرته على مواجهة زملائه والمجتمع رغم عدم تأكيد هذه الشائعات.

يلخص حادث ابن اللواء ما يمكن أن يعانيه الأبناء والأسرة بسبب ما يلحق بآبائهم من اتهامات مخلة بالشرف، وتزداد هذه الضغوط كلما ارتفع المستوى الاجتماعى للأسرة أو علا شأن الأب وتقلد مناصب رفيعة تجعل أسرته وأبناءه محط أنظار الناس، فيجدون أنفسهم فى دائرة الضوء رغما عنهم وقت الرخاء، وفى مرمى سهام العار والوصمة الاجتماعية وقت الاتهام والسقوط.

بالتأكيد تدور كل هذه الأفكار فى أذهان نوعية معينة من المتهمين، خاصة فى القضايا الكبرى، التى يكون أطراف الاتهام فيها أشخاص ذوو حيثية يتقلدون مناصب كبرى، اعتادوا هم وأسرهم أن ينظر الناس إليهم نظرات احترام وتقدير، نظرا لمكانتهم ومناصبهم وما يفترض أن يكونوا عليه من نزاهة وسمعة طيبة، وفى لحظة ينهار كل شىء ويتبدل، تحاصر الاتهامات والنظرات أسرة المتهم وأبناءه وتضعهم فى سجن أكبر.

يصل المتهم فى هذه الحالة إلى قرار الانتحار بعد أن يعجز عن النظر فى عيون أبنائه أو وجوه من كانوا ينظرون إليه باحترام، حين يعجز عن وقف سياط نظرات الناس وألسنتهم التى تجلد أبناءه وتحاصرهم أينما كانوا، حين يقع فى الموقف الذى لم يحسب له حساب وقت ارتكاب جريمته، فلو تخيل أى من هؤلاء المتهمين نفسه وعائلته وأبنائه بعد مشهد سقوطه لما اقترف ما قدمت يداه.

ينتحر المتهمون حين يأتى السقوط بغتة دون أن يضعوه فى حسبانهم ولو للحظة، وحين يكونون على القمة فيجدون أنفسهم فجأة وأهليهم فى القاع، فلا يستطيعون تحمل هول الصدمة والعار.

ينتحر المتهمون حين يكونوا مذنبين بالفعل ويدركون أنه لا مفر من إثبات التهم عليهم، فيدركون أن العار سيلتصق بهم وبعائلاتهم إلى الأبد.

وينتحر المتهمون أحيانا أيضا وهم أبرياء من التهم المنسوبة إليهم أو من بعضها، ولكن لا يستطيعون إثبات براءتهم فينهون حياتهم يأسا من عالم يفتقد إلى العدل والرحمة ولا يتحملون عارا يلاحقهم وأبنائهم دون ذنب فى مجتمع لا يرحم.

ينتحر المتهمون حين يقعون تحت تهديدات وضغوط لا يقوون على احتمالها ولا يجدون مفرا أو ملجأ منها، وحين تطال هذه التهديدات أسرهم دون أن يستطيعون دفعها عنهم، فيقررون فى لحظة إنهاء حياتهم بعد أن تخور قواهم وتنسحق إرادتهم وأمالهم فى النجاة.

وينتحر المتهمون أحيانا بأيدى غيرهم ممن يخافون أن تطالهم الاتهامات، وحين يكون المتهم مصدر تهديد لهم، يحمل أسرارا لا يريدون كشفها، فيعتبرون موت المتهم ستر لهم ولجرائمهم وأسرارهم التى يتوهمون أنها ستموت معه.

وينتحر أبناء المتهمون أو حتى الجناة والمجنى عليهم حين تجلدهم قسوتنا ويلاحقهم عار لا ذنب لهم فيه، عار يشارك الجميع فى صنعه وفى إلقائه عليهم، عار يشارك فيه الإعلام حين يستخدم البهارات الصحفية والإعلامية متجاوزا حقوق المتهمين والجناة والمجنى عليهم وأسرهم، التى تكفلها كل مواثيق الشرف المهدرة التى تعرف أن كلمة وتهمة قد تقتل البشر أكثر من طلقات النيران إذا ما قيلت فى غير حق وبغير حساب.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة