توجه أحمد حسنين باشا، رئيس ديوان الملك فاروق، إلى مقر السفارة البريطانية بـ«جاردن سيتى» فى القاهرة لزيارة السفير البريطانى «اللورد كيلرن» فى يوم 27 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1943، ووفقًا للجزء الثانى من مذكرات «كيلرن» ترجمة الدكتور عبدالرءوف أحمد عمرو «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «سألنى حسنين قبل كل شىء - عما إذا كان ونستون تشرشل «رئيس وزراء بريطانيا» باقيا معنا بعض الوقت؟».
ويشير السؤال على هذا النحو إلى أن دوائر الحكم فى مصر كان لديها علم بزيارة «تشرشل» إلى القاهرة، لكنها قد لا تعرف متى يغادرها، وهذا يختلف عما يذكره محمد حسنين هيكل فى كتابه «سقوط نظام» عن «دار الشروق - القاهرة» نقلًا عن مذكرات «كيلرن» أيضًا: «اتصل بى أحمد حسنين باشا، سألنى إذا كان رئيس الوزراء تشرشل هنا فى البلد؟ فقد ترامى إلى أسماعهم شىء يفيد بذلك، وأوحيت له ما فهمه صحيح»، فهذه الصياغة تشير إلى أن تشرشل كان فى القاهرة دون علم دوائر الحكم فى مصر.
على كل الأحوال فإن الزعيم البريطانى حضر ومعه وفد عسكرى إلى مصر يوم 26 يناير 1943 «قبل لقاء حسنين باشا وكيلرن بيوم واحد» لتفقد قواته، التى حققت النصر ضد روميل فى الحرب العالمية الثانية حسبما يذكر «هيكل»، واستمرت زيارته حتى يوم 3 فبراير.
أخبر حسنين باشا «كيلرن» بأن الملك فاروق يفكر فى لقاء رئيس الوزراء البريطانى بحيث يكون هذا اللقاء سريا، فرد كيلرن: «ونستون يسعده ذلك برغم مشغولياته مع العسكريين - أن يلتقى بجلالة الملك فاروق فى أى وقت، ولكن بين الساعة السادسة والنصف إلى الساعة السابعة والنصف، فإن هذا الميعاد يناسبه تمامًا، وغادر حسنين باشا السفارة بعد أن وعدنى بأن يوافينى بالرد».
يضيف «كيلرن» فى مذكراته طبقًا لترجمة «عبدالرءوف عمر»: «بالفعل وصلتنى منه رسالة تفيد بأن جلالته «فاروق» سوف يحضر بشرط ألا يكون أحد فى استقباله ماعدا المستشار الشرقى فى السفارة، على أن يكون فى استقباله فى صالون السفارة لكى يوصله مباشرة لمقابلة رئيس الوزراء فى مكتبى، وفى الموعد المحدد حضر جلالة الملك فاروق طبقًا للخطة الموضوعة، وكنت سعيدًا لعدم وقوفه عند الباب الرئيسى، وبعد مضى بعض الوقت من المحادثات الثنائية طلب منى «تشرشل» الانضمام إلى هذا اللقاء، وكانت المحادثات فى الوقت، الذى حضرت فيه أحاديث ودية، ثم تحدث الملك بعد ذلك عن رغبته فى تسليح الجيش المصرى وهكذا، وكانت لفتة ذكية من رئيس الوزراء بأن وجه الدعوة إلى الملك فاروق لزيارة لندن زيارة رسمية لمدة أسبوع والنزول فى قصر باكنجهام، ولكن جلالة الملك قال: إن مثل هذه الدعوة المفروض تقديمها إلى رئيس الوزراء النحاس باشا».
يواصل «كيلرن» أن تشرشل أشار إلى أن النحاس ذكى ومحنك، ولم تلق هذه الملاحظة قبولًا لدى جلالة الملك، مما دفعه إلى الوقوف موعزا بانتهاء الزيارة، وكانت الساعة تشير إلى الساعة الثامنة مساء وفى طريق خروجه شاهد خريطة كبيرة لشمال أفريقيا فتوقف أمامها، مشيرًا إلى مقاطعة برقة «فى ليبيا»، وقال: «هذه المنطقة كانت جزءًا من مصر فى يوم من الأيام»، فرد «تشرشل» بأنه لا يتذكر متى كان هذا؟، وأنه يعتقد أنها تابعة لتركيا قبل أن يستولى الإيطاليون عليها.
صدم هذا الرد «فاروق» فبدأ يتكلم عن جغبوب والمنطقة الواقعة خلف السلوم، والمعروف أن «جغبوب» واحة مصرية أصبحت ضمن الأراضى الليبية بعد أن تنازلت عنها حكومة «زيور باشا» فى 6 ديسمبر 1925 إلى إيطاليا كدولة احتلال لليبيا.
رد «تشرشل» على فاروق، بأنه حينما يحين موعد محادثات السلام، فإنه متأكد بأن الدول العظمى سوف تساند حقوق الدول الصغيرة بما فيها مصر، ويذكر «كيلرن» بأنه خيل إليه أن فاروق كان يريد أن يثير موضوع مسألة السودان وإرتيريا لأنه تحدث بإفاضة عن مناطق عديدة كانت تخص مصر، وينتهى «كيلرن» فى سرده لوقائع هذا الاجتماع بقوله إنه صدم حين سمع الملك وهو مسترخ فى كرسيه يقول لرئيس الوزراء: «إنك تعرف يا تشرشل.. إلخ، وكان الملك شكله طرفا بلحيته الجديدة».
بعد اللقاء وأثناء تناول العشاء وصف «تشرشل»، فاروق بأنه «شخصية وقحة لا تناسب رقة زوجته».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة