فى كتاب "بنية القص والإرسال والتلقى.. دراسة فى تحليل الخطاب" للدكتور حمدى النورج، مدرس النقد وتحليل الخطاب بأكاديمية الفنون المصرية، يبدأ المؤلف حديثه حول بنية الاختزال والتكثيف الخلاب المتبعة داخل سورة "يوسف" قائلا: "أن ترى يعنى أن تختصر، هذا هو المدخل الاستدلالى للنظر فى قصة نبى الله يوسف - عليه السلام - والذى اختص الحكى عنه بسورة كاملة مترابطة فى القرآن الكريم".
ويكشف النورج - فى كتابه - أن أغلب الدارسين عند النظر فى الكتاب الكريم يعملون إلى استجلاء التوثيق من أحداث كتب التفسير والحديث بداية من ابن كثير رحمه الله، وصولا إلى التجليات الخاصة المنزلة على بعض الدارسين الذين عايشوا النص المنزل وعاشوا له.
وفى هذا البحث يجلى النورج أهمية الصورة فى صناعة الحدث، ويشير هذا الكتاب النقدى إلى أن الصورة مهما كانت طريقتها لها واقع تحكيه، فعندما ندرس أثر الصورة، فى نظريات الاتصال والإعلام والتربية جميعا نرى عناية بدراسة العلاقة بين الصورة واستيعاب المعلومات.
بنية القص
ويؤكد النورج أن الصورة ليست انفعالا فحسب، فالصورة لها جوانب عدة منها هذا الجانب التذكيرى، لعل هذا يفسر لنا لماذا لا تدخر الدعاية السياسية والتجارية وسعا فى اللجوء إلى سلطة الصورة. نعم، للصورة سلطة فى التواصل الجمالى والتواصل التداولى جميعا. للصورة سلطة التأثير الجمالى التبليغى مع الصورة الفنية ذات الدلالات المتعددة. وللصورة سلطة تغيير السلوك والواقع فيما يسمى بالصورة الوظيفية ذات الطبيعة البرجماتية التى يمكن أن نراها فى تسلح بعض الأنظمة السياسية باستراتيجية الصورة فى فرض هيمنتها، والتأثير فى سلوك الجماهير وعقولهم. يمكن أن نرى ذلك أيضا فيما يسمى بحرب الصورة الهزلية فى الدعاية السياسية المضادة على صفحات الصحف اليومية.
وينظر كتاب "بنية القص والإرسال والتلقى" إلى الفنان أو الشاعر باعتباره محررا للحواس، ومشتغلا على كل قنوات الاتصال الممكنة، يحرر الحواس بالإيقاع والصورة، وكذلك النصوص التراثية التى نالت حظا وافرا من الدراسة والتمحيص، لا تستغنى فى تجلياتها التواصلية عن العزف على تحريك الحواس والمشاعر ودراسة الصور الحركية والصوتية وصولا إلى اتصال ناجح وفعال.
والسؤال الذى حاول أن يجيب عنه هذا البحث الشيق الصعب (ما الوسائل التصويرية الممنوحة لدينا فى سورة "يوسف"؟)، وبمعنى آخر ما الوسائل فوق اللغوية التى استعانت بها سورة يوسف فى التعبير عن أحداث قصة هذا النبى العظيم؟
وفى سبيل تجلية ذلك استعان الدكتور حمدى النورج بنظرية تحليل الخطاب وبحث آليات الإرسال والتلقى فى السورة، مقسما أطراف الاتصال فيها بين عناصر الحوار الظاهرة فى السورة محددرا الفروق الدقيقة بين الخطابات المختلفة الصادرة من كل عناصر، مفرقا أيضا بين خطاب الأب والابن والأخوة ونساء المدينة وامرأة العزيز وكيف تتنوع الخطابات طبقا للتنوع السياقى ..اهتم الباحث أيضا بتوضيح كيف يكون السلوك الإنجازى حاضرا لغويا من خلال التطبيق الجيد على آيات القرآن الكريم ..والكثير من المداخل المهمة داخل الكتاب وهو منهج جديد فى تفسير النص الحكيم والوقوف على بعض من بلاغته وتفرده الأسلوبى فى رسوخ ومنهج منتظمين سالمين.
صدر الكتاب عن دار إبداع للنشر والترجمة فى مائتى وأربعين صفحة مع مقدمة نظرية جيدة عن نظرية تحليل الخطاب ثم الدرس التطبيقى فى القسم الثانى من الكتاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة