أحمد أيوب

"أبغض الحلال" إعفاء الراشى والوسيط

الإثنين، 02 يناير 2017 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نقاش طويل أتابعه منذ عشرين عاما لم يتغير، نلغى المادة 107 من قانون العقوبات التى تعفى الراشى والوسيط من العقوبة فى حال الاعتراف أم نبقى عليها، ولأننا نعشق الجدل الأعمى فمع كل قضية رشوة يتم الكشف عنها ننسى الجهد الذى بذلته الرقابة الإدارية أو غيرها من الأجهزة الأخرى، ويعود الجدل بنفس الأسباب والأشخاص المتجادلين، من يقول إن مادة الإعفاء تفتح الباب واسعا لفساد لا حدود له، ومن يقول إن الإعفاء وسيلة لا غنى عنها تساعد على كشف الفاسدين.

 

القضية فى رأيى وحسب ما سمعته من بعض رجال الأجهزة الرقابية لا تعتمد على الرأى بقدر ما تعتمد على الواقع الذى يقول وبكل صراحة إنه لولا اعتراف الراشى والوسيط فى أغلب جرائم الرشوة ما سقط كثير من الفاسدين، وما عرفنا بانحراف كبار المسئولين.

 

مثلا لولا اعتراف محمد فودة تفصيليا ما سقط المستشار ماهر الجندى محافظ الجيزة الأسبق الذى وصل حد الرشوة عنده إلى بدلة، ولولا نفس "الفودة" ما انكشف سر وزير الزراعة يوسف هلال الذى لم يكن يكف عن الحديث عن محاربة الفساد ثم اتضح أنه ارتشى بتأشيرات حج وعضوية ناد.

 

ولولا طمع موظف مجلس الدولة جمال اللبان فى التمسك بتلابيب المادة 107 والفوز بالبراءة ما كان أرشد الرقابة الإدارية عن فساد الأمين العام للمجلس المستشار وائل شلبى، والذى فشلت كل محاولات القضاة السابقة فى خلعه من منصبه لأنه لم تتوافر أدلة تدينه، وعندما افتضح أمره باعترافات اللبان لجأ الى الانتحار.

 

يقينا الراشى والوسيط ملعونان ويستحقان حبل المشنقة، لكن ما باليد حيلة، فالحاجة هى التى فرضت على المشرع التمسك بمادة الإعفاء وكأنها "أبغض الحلال" فى قانون العقوبات، فالرشوة معروفة لدى كل رجال القضاء وأعضاء الأجهزة الرقابية أنها أصعب القضايا فى الإثبات، وأحيانا تصل إلى درجة المستحيل، وأمام ذكاء بعض المجرمين خاصة الكبار يمكن أن تهدر جهود أجهزتنا الرقابية لكشف الفاسدين بسبب دليل أخفاه راشٍ أو معلومة أسقطها وسيط، ولو راجعنا أغلب جرائم الرشوة التى تم ضبطها خلال العقدين الماضيين لاكتشفنا أنه ما اكتملت أركان قضية منها وعرف كل أطرافها وتأكدت أدلتها إلا من خلال اعترافات الراشى أو الوسيط.

 

وربما لا يعرف كثيرون أن الاعتراف وحده لا يعفى من العقوبة، فالقانون جعله اعترافا مشروطا وليس على مزاج الراشى أو ما يريده، فلا بد أن يكون اعترافا يكشف كل الأدلة على الجريمة ويؤدى للقبض على من ارتكبوها أو شاركوا فيها، اعتراف يوصل فعلا لضبط الجناة وليس مجرد معلومات، والأهم أن يكون اعترافا يسبق الأجهزة الرقابية ويقدم لها ما كان خافيا عنها وما يمكنها من القبض على آخرين.

 

اعتراف الراشى وسيلة - فى رأيى الضعيف - لا يمكن الاستغناء عنها على الأقل فى هذا التوقيت، ونحن نحاول تخليص الجهاز الحكومى من الفاسدين، يمكن أن نشدد من شروط الاعتراف، يمكن أن نجعل الاستفادة منه مرة واحدة للمتهم، يمكن أن نجعله قاصرا على الإعفاء من العقوبة المادية لكنه لا يسقط أى عقوبات أخرى ولا يعيد الاعتبار للراشى والوسيط، يمكن أن نجعله جوازيا للمحكمة ليتأكد القاضى أن الراشى أو الوسيط فعلا أفاد فى كشف ما كان صعبا أو مستحيلا الوصول إليه بغير اعترافه، لكن الإلغاء لمادة الإعفاء كما يطالب البعض الآن سيأتى على حساب ضبط الفاسدين، وإذا كان الإعفاء يسهل لشخص أو اثنين الإفلات من العقاب فإلغاء المادة ربما يكون أخطر تأثيرا لأنه سيؤدى إلى إفلات المئات وربما الآلاف من المسئولين والكبار، بل ويصعب مهمة أجهزتنا الرقابية ويجعلها كمن يبحث عن إبرة فى قاع بحر.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة